واشنطن وطهران: الصِدام الدائم
| بيروت – محمد عبيد
منذ أكثر من 37 عاماً والولايات المتحدة الأميركية بإداراتها المتعاقبة تحاول أن تُطوع إيران مرة بالترغيب وغالباً بالعقوبات والترهيب بهدف إدخالها في منظومة أتباعها الدوليين والإقليميين. وعند توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول 5+1 أعتقد الكثير من المسؤولين الأميركيين خاصة والغربيين عامة أن الطريق إلى قلب طهران السياسي باتت سالكة من أوسع أبوابها بناءً على الرغبة الإيرانية الظاهرة بإنجاز هذا الاتفاق والتي عبرت عنها الدبلوماسية الاحترافية الفائقة المرونة التي طبعت أداء الفريق الإيراني المفاوض والدعم الذي منحه إياه مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد على الخامنئي ولكن تحت سقف الثوابت الإستراتيجية وعلى رأسها حصر التفاوض مع الطرف الأميركي تحديداً بالملف النووي وعدم التطرق إلى ما عداه ولو من باب المناورة أو المجاملة.
وتروي مراجع لبنانية على صلة بالقيادة المرجعية الإيرانية أن السيد الخامنئي كان قد طلب في إحدى الجولات من الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إبلاغ وزير خارجيته محمد جواد ظريف والفريق المعاون له حزم حقائبهم والعودة إلى طهران كرد حاسم على محاولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري اشتراط البحث ببعض القضايا الإقليمية وفي مقدمتها سورية وحزب اللـه في موازاة التفاهم على الملف النووي.
واليوم ونحن على أبواب الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق المذكور، تبدو إمكانية التعايش الأميركي- الإيراني صعبة إن لم تكن مستحيلة. فطهران وفقاً لتقارير وشهادات الهيئات الدولية المعنية بمراقبة برنامج إيران النووي والتزام الحكومة الإيرانية بمعالجة كل الجوانب التقنية التي تُثَبِت سلمية هذا البرنامج قد أنجزت تعهداتها بشفافية عالية وتعاون مطلق هذه مع الهيئات. في حين أن واشنطن عادت لتفتح دفاترها القديمة عبر الاستمرار في حجز بعض الأرصدة المالية الإيرانية استباقاً لأحكام مفترضة نتيجة اتهام حول مسؤولية طهران الافتراضية أيضاً في موضوع تفجير مقر قوات البحرية الأميركية (المارينز) في بيروت عام 1983، إلى جانب ممارسة الدوائر المالية الأميركية ضغوطات في أكثر من موقع مالي دولي لمنع تسهيل حركة التحويلات من وإلى إيران ووضع عراقيل أمام دخولها إلى النظام المصرفي العالمي وامتلاكها مكونات التكنولوجيا المصرفية كبطاقات الاعتماد وغيرها.
ولا تقف واشنطن عند حدود المناكفة القضائية والمصرفية والتقنية ضد إيران مباشرة ويبدو أنها لن تقف، إذ إن المطلوب والمستهدف دائماً ومن جديد حليفها الإستراتيجي الثابت في المنطقة: سورية ومعها الحليف الآخر أو ما تسميه بعض الدوائر الأميركية «رأس حربتها»: حزب الله.
لم تنجح الولايات المتحدة الأميركية من خلال القرار الدولي الشهير رقم 1559 في تطويع أو محاصرة أي من الحليفين بعدما تم استيعاب تداعيات هذا القرار وإفشال أهدافه لجهة محاصرة سورية أو نزع سلاح حزب الله. فسارعت إلى دفع الكيان الإسرائيلي لشن عدوان ضد لبنان في تموز عام 2006 علها بذلك تتمكن من تنفيذ مندرجات هذا القرار وتفرض تدويلاً سياسياً وامنياً وعسكرياً على لبنان، لكن هذا العدوان انتهى بهزيمة مدوية ومعه المشروع الأميركي الذي حمل آنذاك عنوان «الشرق الأوسط الجديد». ولم تيئس واشنطن فبادرت إلى تلفيق اتهام سياسي باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ضد سورية وحزب اللـه معاً وأنشأت لهذه الغاية محكمة دولية كي تقونن هذا الاتهام ولكي تفرض تدويلاً قضائياً على لبنان، غير أن الوقائع السياسية السورية واللبنانية والإقليمية تجاوزت مفاعيل هذه المحكمة التي تحولت إلى مؤسسة استرزاق لبعض القضاة والموظفين لا أكثر. وبعد إخفاق هذه الحروب المتنوعة كافة، تبدو واشنطن مضطرة إلى ابتداع مواجهة من نوع جديد عبر إصدار قانون عقوبات مالي ضد حزب اللـه وبيئته الحاضنة مع ما يعنيه ذلك من إمكانية حصول ارتدادات على الواقع الاقتصادي والنقدي اللبناني عموماً، لكن من الواضح أنها استنفدت مفاعيل أسلحتها الأخرى وصارت أمام واقع إقليمي وليس فقط لبنانياً داخلياً تتوسع معه أدوار رأس الحربة هذا وخصوصاً بعد مشاركته في القتال في سورية إلى جانب الجيش العربي السوري.
بين واشنطن وطهران قضايا عالقة لا حصر ولا حل لها، صار من المؤكد أن أسهلها الملف النووي الذي يبدو أيضاً أنه عاد ليكون مادة صدام جديدة!