سوريات التراث الشعبي بين… دفتي الاستغلال والدعم … لقمة العيش.. ستُضيّع ما تبقى من تراث سوري
| سوسن صيداوي
لطالما كانت المرأة عموداً أساسياً وركيزة لا يمكن غض النظر عنها في بناء الحضارات الإنسانية بشكل عام، والحضارة السورية بشكل خاص، واليوم المرأة أصبحت منافساً للرجل بأغلب المجالات، ودخولها كل المضامين وحملها كل الأعباء، وأن تكون مسؤولة ومتساوية بالرجل سواء بالعلم والمعرفة والعمل، أمور من جملة أمور تسعى إليها، متحدية ركاكة تفكير تستحوذ البعض، متشجعة بدعم الأغلبية لها من المجتمع، كيف لا وهي نصف المجتمع وهي منعكس أساسي لطبيعة تفكير وأسلوب في الحياة من الأبناء وحتى الأزواج، واليوم ما نتطرق إليه هو قدرتها العالية وطموحها أن تكون موجودة وحاضرة ومعطاءة، كطبيعتها المعتادة، في كل المجالات وكل الميادين، كان لـصحيفة الـوطن لقاء مع عدة سيدات عشقن غزل الخيوط ليتمكنّ من نسجها مع حكايات حياتهنّ اليومية، بعد أن اتخذنّ القرار بأن يكنّ مختارات للحفاظ على تراث سوري عريق، سواء في حرفة السجاد اليدوي أم من خلال صنع الحرير الطبيعي وتربية دودة القز.
جهد صناعة السجاد اليدوي
لا يقارن مع دخلها
البداية كانت مع «أسماء» التي تمارس حرفة السجاد اليدوي، وكانت تعلمتها من عشرين عاماً من سيدة كانت تقوم بصناعة السجاد في الوحدة الإرشادية لصناعة السجاد في المنطقة التي تعيش فيها، وعلى الرغم من الجودة العالية لقطع السجاد ومما تتطلبه من جهد وتعب وصبر مقرون بوقت طويل كي يتم إنجاز القطعة، إلا أن الأجر مجحف جداً، حيث قالت «أسماء»: «نحن تابعون لقطاع حكومي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وطبعاً المواد الأولية هم من يقوم بتأمينها، ونحن علينا إنجاز أو إنتاج قطع السجاد اليدوي، إننا نأخذ أجر الإنجاز فقط، بمعنى نأخذ ما يمكن تسميته «أجرة اليد»، وطبعاً هذا الأجر لا يتناسب أبداً مع المجهود أو الوقت المبذول لإتمام القطعة الواحدة، وفي ظل الأزمة الحالية يمكننا القول بأنه غير مجد أبداً، حتى لا يمكن اعتباره مورداً للعيش، فمثلاً العاملة منا تعمل طوال الشهر ولا يمكن أن تحصّل ليرة واحدة، وبالنسبة للجهد المبذول في نسج قطع السجاد اليدوي يكون متفاوتاً حسب الرسومات الموجودة في القطعة، فزمن الإنجاز يختلف حسب الرسوم، ولكنه بالعموم لا يقل عن شهر ونصف الشهر للقطعة الواحدة».
الحرير الطبيعي السوري… نادر عالمياً
الأمل دائماً حاضر عند الجميع من السيدات وكل ما هو مطلوب الدعم الجدي للاهتمام أكثر بالحرفة وإيجاد منافذ للإنتاج والتسويق بما ينعكس إيجاباً على الجميع، وطبعاً الصعوبات تختلف باختلاف نوع الحرفة، فمثلاً صناعة الحرير الطبيعي هي من الحرف التي يُخشى عليها من الاندثار لعدة أسباب شرحت عنها السيدة «يسرى عيد» قائلة: «نحن نعمل بتربية دودة القز وصنع الحرير الطبيعي منذ زمان طويل يعود إلى أجدادي، كما أننا نقوم بتربية الدودة على ورق التوت حتى تصبح شرنقة، ثم نقوم بوضع الشرانق بماء مغلي، ثم نسحب الخيط على بكرات كبيرة، ومن ثم نحول الشلل الكبيرة إلى صغيرة، بعدها نقوم بغزلها على النول يدوياً، ومنها ما نقوم بغزله على الصنارة، أغلب ما نصنعه هو «الشالات التراثية» والتي تعتبر ملبوساً رسمياً في ريف حماة ومناطق أخرى مثل دريكيش واللاذقية، كما أننا استحدثنا قطعاً جديدة كي تتناسب مع الطلب في السوق ومع موضة العصر إضافة إلى أذواق الصبايا، حتى إننا استطعنا إدخال حرفة نسج الحرير الطبيعي في الديكورات المنزلية من خلال صناعة برادي وأغطية للمفرشات واللوحات وغيرها من الأمور، طبعاً نحن نسعى جاهدين للترويج إلى هذه الحرفة لمنعها من الانقراض وخصوصاً أن الناس تناسَوها في مجتمعنا وأخدوا يطلبون كل ما هو حديث وعصري، وعلى الرغم من أهمية الحرير الطبيعي في كل العالم إلا أن الحرير الطبيعي السوري لا يوجد منه في كل أنحاء العالم لأنه يدوي مئة بالمئة، وهو متوارث عبر الأسر من آلاف السنين وطريقة تصنيعه لم تتغير فهي تتم بنفس الأسلوب والطريقة».
لا مانع من تعليم الحرفة
لقد اندثر الكثير من الحرف التراثية العريقة لأن صناعتها كانت حكراً على الأسر ولم يكن هناك من طريقة لكسر هذا الحكر ونشر هذه الحرف بين الكثيرين، وهذا مغاير للفكر السائد حالياً والداعي لتعليم كل الحرف التراثية المتبقية من أجل نشرها بين أكبر عدد ممكن من الناس مع الاستفادة من كل الخبرات القديمة وهذا ما أشارت إليه «أسماء» والتي تعلمت صناعة السجاد اليدوي من سيدة وتقول إنها تحب تعليم هذه الحرفة لكل من يرغب ولا مانع لديها أبداً بل بالعكس هي تفضل الفكرة وخصوصاً أن هذه الحرفة منتجاتها مرغوبة وعليها طلب في السوق، على حين السيدة «يسرى عيد» قالت حول هذا الموضوع: «لقد قمت بتعليم حرفة الحرير الطبيعي في العديد من الدورات، ولكن في الحقيقة كي يكون لهذه الدورات جدوى يجب أن تقام في المناطق التي يتم فيها تربية دودة القز وصناعة الحرير الطبيعي، لأنه من يتعلم هذه الصناعة أو الحرفة، فعليه هو بنفسه أن ينتج الحرير ويقوم بغزله، فهذه المادة حساسة جداً، وطبيعة خيط الحرير مختلفة تماماً عن الخيط العادي، وليس من السهل توفير الخيط الحريري، الحصول عليه أمر صعب، لهذا علينا بالبداية أن نهتم بتربية دودة القز وصناعة الخيط ومن ثم كيفية غزله».
الدعم… بين البينين
هناك أمور إيجابية تقوم بها الجهات المسؤولة وتبعث على الأمل بأن هناك نوعاً ما عملاً جاداً لتلافي الصعوبات أو لتطويعها لخلق الحلول المناسبة للإبقاء على الحرف التراثية ومنعها من الاندثار تحت أي ظرف كان، ونحن نتمنى من الجهات المعنية ذلك لأنها قادرة أن تكون فاعلة، ومما هو من الأمور التشجيعية ما تحدثت عنه السيدة «يسرى عيد»: «وزارة الثقافة تقدم لنا الأماكن كي نعرض منتجاتنا في الفعاليات، وأحياناً تتم مساعدتنا بتأمين بيوض دودة القز من وزارة الزراعة، وقبل الأحداث كان هناك مشروع كبير كي يتم تحسين نوعية الدودة، كما كان المشروع بإقامة مزارع توت موسمية بحيث تكون تربية دودة القز على مدار السنة، وكان هذا المشروع مقترحاً من وزارة الزراعة، والأمر المريح نوعاً ما بأنه وعلى الرغم من تناقص الإقبال على هذه الحرفة من الصنّاع إلا أنهم مازالوا موجودين».
بالمقابل كان هذا ما قالته «أسماء» حول الدعم المطلوب لحرفة صناعة السجاد اليدوي: «أنا أحب هذه الحرفة ولكن، المشكلة بأننا، صحيح تابعون لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ولكن، إدارياً فقط، فنحن لا نعتبر موظفين وما نقوم بإنجازه من سجاد يدوي نأخذ عليه بالقطعة والأجر زهيد جداً، نعم إنهم هم من يقدمون لنا المواد الأولية ولكن لا يمكننا الاعتماد على هذه الحرفة كمهنة نعتاش منها، أتمنى من الجهات المعنية أن يكون لديها خطط قادرة على خلق حالة، نستطيع من خلالها أن نُكثر من الإنتاج ما ينعكس على الأجور بطريقة إيجابية».