قضايا وآراء

مكافحة الإرهاب: لابد من قطع رأس الأفعى..

| د. بسام أبو عبد الله 

في كل مرة يضرب الغرب في عقر داره من المنظمات التكفيرية- الإرهابية مثل القاعدة، واليوم النسخة المحدثة منها أي تنظيم (داعش) وأخواته، يحاول المسؤولون في العواصم الغربية نسب العملية إلى معتوه، أو مصاب بخلل عقلي، والادعاء أن الشخص المرتكب كان تحت الرقابة الأمنية، ولديهم معلومات كاملة عنه، ولكن لا نستطيع أن نفهم أنه إذا كان تحت الرقابة الأمنية فكيف استطاع تنفيذ عمل إرهابي كبير كما حدث قبل أيام في (أورلاندو) في الولايات المتحدة، وكيف تمكن منفذو عمليات باريس من القيام بها بهذه الراحة، والقدرة على الحركة في التنفيذ، أو عملية بروكسل في قلب عاصمة الناتو، والاتحاد الأوروبي، وغيرها الكثير من العمليات.
المشكلة أن السياسيين في الغرب ظلوا لعقود من الزمن يتجاهلون نمو الوهابية بين الشباب المسلم في بلدانهم، وتغلغل أفكارها الهدامة، الإجرامية عبر المدارس، والمساجد، والمؤسسات الثقافية السعودية التي انتشرت بغطاء منهم، وإغماض العين تحت لافتة المصالح الاقتصادية، والتجارية، وعقود التسليح، والرشاوى، وشراء الذمم، حتى وصل الأمر إلى أن تحولت بلدانهم إلى مصدر للإرهابيين، وهو ما شهدته الساحة السورية التي تدفق إليها آلاف الإرهابيين من دول غربية بناء على فتاوى سعودية وتواطؤ غربي من أجهزة مخابرات هذه الدول معتقدين أنه بالإمكان بعد إسقاط الدولة السورية تلميع هؤلاء، وجعلهم معتدلين كما حاولت واشنطن ولندن، وباريس، وبرلين وغيرها فعله طيلة خمس سنوات من الحرب العدوانية- الإرهابية على الدولة السورية.
مشكلة هؤلاء أنهم يتناسون سكوتهم، وتواطؤهم الطويل مع انتشار الوهابية التي تحولت إلى سرطان مزمن يهدد العالم، لتبدأ الأصوات بالصراخ داعية بعض دول الخليج لوقف تمويل التطرف، فها هي هيلاري كلينتون تقول: (حان الوقت ليمنع السعوديون، والقطريون، والكويتيون، وآخرون مواطنيهم من تمويل منظمات متطرفة يجب أن يكفوا عن دعم مدارس، ومساجد متطرفة دفعت بعدد كبير من الشباب على طريق التطرف في العالم).
ويبدو أن تصريحات كلينتون «انتخابية»، وإن كان رئيسها باراك أوباما قد سبق له أن اتهم السعودية بنشر التطرف في العالم في حديثه الشهير لمجلة (ذا أتلانتيك) الأميركية، لكن كلام كلينتون جاء للرد على منافسها (دونالد ترامب) الذي طالب السعودية بتأدية كل المصاريف لحمايتها، وألمح لضرورة وقف الهجرات، والتأشيرات للدولة التي تصدر الإرهابيين (في إشارة للسعودية).
وقبل أشهر حذر نائب المستشارة الألمانية- وزير الاقتصاد (زيغمار غابرييل) السعودية من تمويل التطرف الديني في ألمانيا، ورأى أن فترة التغاضي قد مضت، مطالباً باتخاذ إجراء حاسم ضد المساجد الراديكالية في ألمانيا بمجرد دعوتها للعنف والكراهية، وأما رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي توماس أوبرمان فقد حذر من انتشار الوهابية في ألمانيا، معتبراً أن الوهابية تمثل الإيديولوجيا التامة لداعش، وتسهم في تطرف مسلمين معتدلين في دول أخرى، ومثل هذا الشيء لا نحتاجه، ولا نريده في ألمانيا- حسب قوله.
الغرب الذي غض الطرف عن انتشار السرطان الوهابي بدأ يستشعر هذا الخطر، وانعكاسه على مسلمي أوروبا الذين يشكلون (6%) من سكان القارة أي نحو 44 مليون نسمة، من خلال انتشار المساجد الوهابية وما يسمى مراكز ثقافية، ومراكز إسلامية تديرها السعودية، وهو ما يرصد في أغلب المدن الأوروبية (لندن- باريس- مدريد- لشبونة- روما- جنيف- اسكتلندا- بون) إضافة للولايات المتحدة، حيث تشير الإحصاءات إلى انتشار نحو 1359 مسجداً في أوروبا يتبع للسعوديين، وإذا أضفنا إلى ذلك (الكراسي) الخاصة بالدراسات الإسلامية التي تطلق على أسماء ملوك سعوديين (لا يفكون الحرف) في جامعات غربية مرموقة مثل (هارفارد- كاليفورنيا- معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن) سنكتشف حجم انتشار السرطان الوهابي في الغرب.
بعض الدول الأوروبية بادرت لإجراءات صارمة كانت أولها في النمسا التي أغلقت المدرسة السعودية في فيينا بسبب تدريسها لأفكار تدعو للعنف، والكراهية، وحرم برلمانها أي (تمويل أجنبي) للمنظمات الإسلامية، وأما ألمانيا فقد بادرت في أيلول 2015 لإغلاق ما يسمى (الأكاديمية السعودية) في بون، وترافق ذلك مع جدل في بريطانيا، وإيرلندا بشأن المدارس السعودية، ودورها…
في عام 2003 أشار تقرير لجنة من مجلس الشيوخ الأميركي أنه في السنوات العشرين ما بين (1980- 2000) أنفقت السعودية 87 مليار دولار على تعزيز الفكر الوهابي في جميع أنحاء العالم، وشمل ذلك تمويل 210 مراكز إسلامية، و1500 مسجد، و202 معهد ديني، وقدر حجم الإنفاق السنوي لهذه المؤسسات الموجهة حسب التقرير بـ3 مليارات دولار، وإذا أخذنا الأعوام ما بين 2000- 2016 التي لم يغطها تقرير الكونغرس الأميركي أستطيع أن أقول إن أضعاف المبالغ التي صرفت سابقاً، قد تم إنفاقها، لأن ذلك يشمل تمويل الحروب في سورية، والعراق، واليمن… الخ وجلب مقاتلي الوهابية (من أنحاء العالم)، والتسليح، والقتل، والتدمير والكوارث التي جلبتها للمنطقة بشكل عام.
إن نظرة سريعة لكل الجماعات الإرهابية التكفيرية في العالم (طالبان- القاعدة- داعش-النصرة- أحرار الشام- جيش الإسلام… الخ، بوكوحرام، عسكر طيبة، حركة الشباب الصومالية، الجماعة الإسلامية في أندونيسيا…الخ).
تظهر بوضوح أن منبعها الإيديولوجي هو الوهابية، وأن السعودية ودولاً خليجية أخرى هي أكبر ممول لكل الجماعات الإرهابية التكفيرية في العالم، وذئابها المنفردة، والمنفلتة في كل مكان، تقتل الأبرياء من دون تمييز في العرق، والجنس، والقومية، واللون، والمكان…
ولأن الغرب ما زال ينافق، ويكذب في علاقات المصالح والتخادم المشترك مع مملكة الوهابية في الرياض فإنه لا إمكانية للشفاء من الإرهاب الذي سينتشر أكثر- فأكثر، ما دامت الأفعى الأساسية ما تزال تضخ السم في كل مكان وتستقبل بالحفاوة والبعض يراها بقرة حلوب تدر عليه المال- لكن لا حل إطلاقاً ما دام رأس الأفعى لم يقطع، وما دامت زعانف السم لم تقتلع لأنها مستمرة في تدمير العقول، وإنتاج الإرهابيين في كل يوم.
وإذا كان حديثنا عن انتشار الوهابية في أوروبا، والغرب فإن الأمر يشمل أيضاً سورية التي اعتقد البعض في مرحلة ما أن بإمكانه أن ينام مع الأفعى في سرير واحد، ليكتشف لاحقاً أن سمها انتشر في الجسد السوري، ولولا قوة ومناعة هذا الجسد لكانت قد قضت عليه.
مكافحة الإرهاب ليست طلقة، ومدفعاً، وصاروخاً فقط- إنما مواجهة فكرية تبدأ باعتبار الوهابية منبعاً إيديولوجياً خطراً للتطرف، والقتل، وبث العنف، والكراهية، لتنتهي بتدريس أجيالنا القادمة (أخلاق الدين) لأن الدين أخلاق، ومعاملة وليس مذهباً، أو تياراً، أو مرتزقة يعتاشون من ورائه مثل آل سعود، ونواطير النفط، والغاز ليبقوا متربعين على عروشهم على حساب دماء الشعوب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن