«الشعب والأرض هما الوطن، ومن لا يرتبط بالشعب والأرض فلا وطن له ولا وجود» … الدكتورة نجاح العطار: رفض التنازلات يرتفع في سياسة سورية إلى مستوى الشرف الوطني المقدّس .. نخشى على دور الجامعة العربية أن ترتهنه ظروف الواقع المهزوم لأمتنا من محيطها إلى الخليج
| إسماعيل مروة
تكتسب المقالة أهميتها من الغائية التي كتبت لأجلها، ومن كاتبها وأسلوبه ولغته ومعرفته، فإن كانت المقالة آنية الفكر انتهت بانتهاء سبب كتابتها، وإن أخلصت المقالة لقضية تحولت من مقالة دورية آنية إلى معالجة معمقة في القضايا… أما الكاتب، فإن حمل مسكة الأدب، والأسلوب الرائق، واللغة المتينة، والمعرفة العميقة في الموضوع الذي يعالجه وفي معارفه التي تشكل عدة الكتابة، إن حمل الكاتب هذه القضية تحولت مقالته إلى فكر عميق.. فليست كل المقالات تستحق أن تجمع، وليس الكتاب سواء في كتابة مقالاتهم.. لهذا كانت مقالات المازني والعقاد والرافعي وطه حسين وعبد السلام العجيلي ومحمد الماغوط وأدونيس من الأدباء، ومحمود السعدني وأحمد رجب وصلاح جاهين من الإعلام، لهذا كانت مقالاتهم علامات عند نشرها في كتب، بينما كانت المقالات الأخرى لكتاب آخرين دون هذا المستوى…!
مقالات التاريخ
السيدة الدكتورة نجاح العطار مثقفة وأديبة من طراز فريد أسلوباً ولغة وعمقاً، وشخصية من عمق الحركة الثقافية المرتبطة بالحراك السياسي والثقافي، وهذان الأمران أعطيا مقالاتها ودراساتها وحواراتها العمق الذي يدفع إلى الحفاظ عليها ونشرها، فما من دراسة أو كلمة في افتتاح مؤتمر ثقافي إلا وكانت تتحلى برؤى يصعب تجاهلها، وقد أفادت الدكتورة العطار بإقدامها على جمع مقالاتها في السنوات الأخيرة، والمنصف يرى أن الدكتورة العطار تخيرت من مقالاتها ودراساتها ومشاركاتها، ولم تقم بجمع كل ما أسهمت به في عقود من قيادتها للحركة الثقافية في سورية، وهذا التخير دليل على احترام الكاتبة لقارئها، وفي هذه المقالات والدراسات نجد ثلاثة أمور:
– المقالة التحليلية والدراسة المعمقة.
– القلم الذي يفتح آفاق المعرفة والأسلوب الأدبي الراقي.
– التاريخ والوثيقة… إذ تشكل هذه المقالات جملة من الوثائق لمرحلة غاية في الأهمية، وقلّ من عرف تفاصيلها كما عرفتها الدكتورة العطار ففي كتب جمعت دراسات ومقالات تتوزيع كاشفة عمق الأدب واللغة حيث قدمت الدكتورة العطار، ومظهرة الدور الثقافي الذي يجب أن تحمله الثقافة على عاتقها، وقد تكون الدكتورة العطار استثناء في إظهار الدور الثقافي سورياً من خلال مشروعها العروبي الثقافي، والمدة التي أشرفت فيها على المؤسسة الثقافية السورية ولا تزال.
أهم ما في تلك الدراسات الوثيقة التاريخية لمرحلة من أهم مراحل سورية والعروبة، ومعروف توجه الدكتورة العطار العروبي الذي لا يقبل أن يتنازل عن المشروع العروبي لمصلحة أي مشروع، مع إيمانها بوجود مشروعات أخرى تعاونت معها على الدوام.
هكذا بدأ الانهيار
لابد من التقديم لأهمية جمع المقالات والدراسات إن كانت ذات نوعية عميقة، وذات أسلوب مختلف يتعلم منه الإنسان، وما تمثله الكتابة المتمعنة يستحق أن يوقف عنده… واليوم يصدر كتاب مهم للدكتورة الأديبة نجاح العطار يحمل عنوان: «هكذا بدأ الانهيار- كتابات لوجه التاريخ) عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، والحقيقة أن العنوان يلفت انتباه القارئ، الذي يبهر به ويدلف إلى صفحاته لاكتشاف المزيد، أو الذي يذهب به الظن إلى أن الكتاب يحمل عنواناً مشوقاً وحسب، وكلاهما سيقلب الكتاب، وأزعم أن أي عنوان آخر لن يكون بهذا التوفيق فالعنوان فيه دلالة انهيار، وتاريخ، وهو يعترف ضمناً بأن الانهيار بدأ، وأن العرب يعيشون مرحلة انهيار، وهذه من المرات القليلة التي نقرأ فيها لصاحب رأي وموقع اعترافاً بأن الانهيار قد وقع، ولكن استخدام الكاتبة للماضي اقتضى منها أن تعود إلى الأسباب والوقت الذي حدث فيه الانهيار، وسياق العنوان دلّ على استمرارية الوضع المأساوي بالانهيار، ولأن الانهيار يحمل سمة التراخي استخدمته الدكتورة العطار، فهو ليس مباشراً وآنياً، ليس دماراً أو خراباً، بل هو انهيار تم على مراحل عديدة وطويلة، ودراسات لوجه التاريخ، يظهر أن الدكتورة العطار تدونها وهي محددة التواريخ إنصافاً لموقف وشخص أو مواقف وأشخاص وجدوا عند مفاصل الانهيار في أوله أو في مراحل متقدمة، وكانت لهم مواقف حاول الناس نسيانها، لكن الدكتورة العطار تعيدها إنصافاً للتاريخ الذي ننتمي إليه، وقبل أن تضيع هذه الأوراق في ثنايا التاريخ.
ولعلّ أهم سمة في هذا الكتاب تتمثل في الوحدة الموضوعية، فالكتاب بتمامه عن الانهيار العربي الحالي، وهو يبدأ من بداية الانهيار الذي حددته الكاتبة، وصولاً إلى وقتنا، مروراً بما ترتب عن لحظة الانهيار الأولى… وكل ما في الكتاب يتناول الانهيار وأسبابه وسبل الخلاص منه، وهذا ما يسوّغ جمع المقالات والدراسات في كتاب.
الرسالة وحافة الهاوية
ترى الدكتورة العطار أن التحولات التي حدثت في المشرق العربي بعد غزو العراق للكويت عام 1991م أشبه ما تكون بالنكبة، فعنونت تقديمها للكتاب (غزو العراق كارثة أصابت العرب جميعاً) وفي هذا التقديم تظهر بجلاء وحذق مواصفات رجال الدولة فتقول (هناك حكام بينهم وبين التأني والاستبصار مسافة شاسعة، يرتجلون القرارات كما يرتجل الزجالون أبيات الزجل، مع مراعاة شكلية للقافية، بل إن الزجالين، وبينهم المحلّق إبداعاً وعطاء، يفكرون في الذي يقولون، وقبله تماماً، بينما أصحاب القرارات السهلة، يقولون ثم يفكرون، فيقعون في مصيدة التهور) وفي ضوء هذا التقديم البليغ تظهر الدكتورة العطار أن الموقف السوري المبني على القوة والحجة، والأفعال تجد ما يسندها ويدافع عنها «نحن نملك الشجاعة للدفاع عنها، وهذه الملاحظة يدعمها، ويحدد صدقيتها وأبعادها أن الموقف النضالي لم ولن يتغير، وأن المبدئية ثابتة، وأن التمسك بالحقوق قائم ودائم، وأن رفض التنازلات يرتفع في سياسة سورية الأسد إلى مستوى الشرف الوطني المقدس، الذي لا تفريط فيه مهما كان الثمن، ومهما تقحمنا الصعاب، وواجهنا التحديات».
إن موقف سورية عند غزو العراق للكويت كان موقفاً مبدئياً قومياً، وكان موقفاً استشرافياً غير انفعالي، وكان يقوم على حسابات دقيقة، ويرى أن هذا الذي حدث سيشكل نقطة مؤلمة في سياق التاريخ العربي الحديث، وسيؤدي من دون أدنى شك إلى النكبة، ومن هنا تدلف الدكتورة العطار إلى حدث الحكمة القائم على المصلحة القومية لا على العواطف والارتجال، وذلك في رسالة الرئيس حافظ الأسد التي توجه بها إلى الرئيس العراقي صدام حسين، والتي تجاوز فيها كل الخلافات التي تعيق التواصل والخطاب، والتي أكدت الثوابت القومية لسورية قائداً وشعباً وفكراً قومياً أصيلاً، فجاء الخطاب حكيماً ودوداً لذلك وصفته بـ«رسالة ترحل من الأمداء إلى مشرق الشمس ومغربها» فبدأت الرسالة بخطاب:
«السيد الرئيس صدام حسين رئيس الجمهورية العراقية…
بمشاعر أخوية صافية، وأحاسيس قومية صادقة، ومن منطلق إدراك الأخطار المحدقة بالوطن العربي عامة، وبالعراق الشقيق خاصة…
ولعلّ من الحكمة أن نقف عند العهد الذي أخذه الرئيس الأسد على نفسه وعلى سورية: «إنني أريد أن أؤكد في هذا الشأن عهداً أخوياً لا شك فيه أنه لو حدث ذلك بعد الخروج من الكويت فإن سورية ستقف بكل إمكاناتها المادية والمعنوية إلى جانب العراق في خندق واحد تقاتل معه وبكل شدة وبأس إلى أن يتحقق النصر».
السيد الرئيس صدام حسين
إن مصلحة الأمة فوق كل مصلحة، وفي سبيلها تهون كل تضحية، ومواجهة الخطر تكون بالقرار الصائب والموقف الصائب، وهذا ما هو منتظر منكم، وإن قراراً تتخذونه الآن ينزع فتيل الأزمة ويجنب العراق والوطن العربي أخطار حرب مدمرة، سيسجل لكم أنه عمل شجاع مناسب في لحظة مناسبة».
إن اختيار الدكتورة العطار لهذه اللحظة الفاصلة المتمثلة في غزو العراق للكويت يظهر عمق النظرة الفكرية والسياسية لديها في تحديد المفاصل، وبدايتها بهذه الرسالة تبرز البعد القومي الذي تتبناه والذي ظهر واضحاً في الرسالة من خلال تجاوز الرئيس الأسد لكل الخلافات السابقة، والوقوف إلى جوار العراق إذا اتخذ قراره بالانسحاب من الكويت، وليس ذلك فقط، بل الوقوف إلى جواره حتى يتحقق النصر للعراق والعرب، وما قدمته الدكتورة العطار في الصفحات الأولى عن القرار الشجاع والحكمة، إنما جاء مستلهماً من حديث الرئيس الأسد الذي أكد للرئيس العراقي أن القرار الشجاع ليس هزيمة، بل هو نصر وقد يسجل عبر التاريخ لمتخذه، ليس من أجل الشخص وحده، بل لأنه، أي القرار، يحقق:
– تجنيب العراق حرباً مدمرة.
– نزع فتيل الأزمة وإلغاء الذرائع.
– إنقاذ المنطقة العربية من حرب ستجري على أرضها.
– المصلحة الوطنية والقومية أعلى من أي مصلحة.
– القرار الذي يجنب الأوطان الدمار والخراب والحروب قرار شجاع وقومي.
لوجه الحق وحده قراءات معمقة
الوحدة الموضوعية التي أشرت إليها تتجلى في القسم الأول، فمن مقدمة إلى رسالة إلى عدد من المقالات ذات المساس المباشر بالرسالة، والدكتورة العطار تكشف أن هذه الرسالة مثلت بعداً قومياً عروبياً ووطنياً، لذلك كانت مهمة، ولكن الرد لم يكن بمستوى الرسالة من حرص وحميمية وغيرة قومية، وحتى لا يظهر الأمر على أنه بادرة طارئة كان لابد من المتابعة لهذه الرسالة، والمتابعة كانت بتكليف من السيد الرئيس «ولشدّ ما فاجأني طلب الرئيس الكبير مني أن أكتب بضع مقالات، أربعاً أو خمساً، تنشر في الصفحة الأولى من جريدة تشرين، وتحمل هذا النداء الذي أطلقه في رسالته المذكورة لتكون إصراراً على هذا التوجه وقلت بيني وبين نفسي إن أي كلام يمكن أن أكتب لا يمكن أن يطمح إلى بلوغ ما بلغت هذه الرسالة، غير أن هذه المحاولة ستشكل إحدى قراءاتها، وسيكون مفيداً وضرورياً أن تكون قراءات أخرى تضيف إلى ما سأقول جديداً في القول، من ناحية التحليل واستنباط المداليل وما أشك أن هذا سيصير داخلياً، كما صار خارجياً، وإنه لواجب وطني وقومي معاً، وإنه لطلب من قائد كبير، سأعتز به ما حييت».
جاءت بعد ذلك مقالات عدة، وهذه المقالات تتسم بالدراسة والعمق، ليست مقالات استعراضية تقوم على الإنشاء، بل دراسات ذات أبعاد ثقافية وأدبية وسياسية، أرادت أن تكون في صلب الرسالة التي دفعت إليها، لا أن تكون هوامش وما شابه من كتابات بلاغية إنشائية، فجاءت المقالة الأولى لتقدم تفسيراً لمفهوم الشجاعة الذي جاء في الرسالة انطلاقاً من ذائقة أدبية حددت ديوان المتنبي وحكمته منطلقاً «الرأي قبل شجاعة الشجعان، الرأي هنا الحكمة، أن نكون شجعاناً يعني أن نكون حكماء وأن نرتفع إلى أعلى، إلى مستوى المسؤولية، وفي هذا الارتفاع تكون الشجاعة حكمة شجاعة، لا شجاعة طيش يؤدي بنا إلى التهلكة التي نهانا الله عنها، حين هي، التهلكة، لا نفع منها سوى أن ننتحر، فرداً وجماعة، فرداً وشعباً، فرداً وأمة، كي نداعب، في هذا الانتحار، نرجسية مستبطنة، أو نحقق مجداً ليس بالمجد…».
متابعة للآراء وتدوينها
وعندما تكون دعوة الرئيس الأسد حاملة لتعهد بالوقوف إلى جانب العراق، إن هو خرج من الكويت، وتعرض لاعتداء، فإن هناك من شكك بذلك لذلك تعمد د. العطار وفي ذلك الوقت إلى تفصيل الأمر لمن أراد أن يعقل «إن كيسنجر، هذا الصهيوني الأثيم والمعروف جيداً، يتطلع منذ الآن إلى ما بعد حرب الخليج، ويخطط لاقتناص الفرص حين يكتب في نيوزويك: «على الرغم من أي مفاوضات لا يمكن أن تحقق استقراراً دائماً لهذه المنطقة المضطربة، فإن الفترة التي ستعقب انتصار الحلفاء على العراق قد توفر فرصة فريدة لن تتكرر» تظهر الدراسة وبخاتمتها ضرورة الاستماع إلى رسالة الرئيس الأسد «الانسحاب من الكويت هو وحده الذي يفوت الفرص، جميع الفرص، على الأعداء جميعاً» فالمطلوب كان ألا ينسحب لتكون ذريعة لانهيار المنطقة، الغزو كان أول خطوة في هذا الانهيار، وتتابع الدكتورة العطار دراساتها التي تؤكد جميعها ضرورة الاستماع لنصح الناصح الأمين الذي يمتلك الحكمة، ويعرف بصدقه، فالذي يصور أن الحرب على العراق تشبه الحرب على فيتنام فاته الاختلافات الكبيرة بين الحربين «فيتنام كانت تدافع عن استقلالها، وعن تحرير جنوبها المحتل، وهذا ما أعطى لعدالة قضيتها زخمها…».
وفي هذه المقالات تظهر الدكتورة العطار أن الشجاعة التي دعت إليها الرسالة ليست سهلة، والحكمة الكامنة وراء دعوة الانسحاب ناتجة عن حنكة سياسية عالية، وعن رؤية للنيات «تمنيت حين قرأت، منذ بضع سنوات، المذكرات المشتركة التي أصدرها بوش الأب وسكو كروفت، أن يقرأها العرب… ينبغي أن يطلعوا عليها، وكيف كان بوش الأب يحاول تصيد العراق، كي لا يستجيب لنداءات الانسحاب الموجهة إليه»… وذلك بعد سنوات من انتهاء الأب ومجيء بوش الابن، وفي مقالات تتناول محاور أخرى بعد حصار طويل تعرض له العراق لذلك تتابع «ويبدو أن حلم الأب وإدارته قد انتقل إلى الابن، وأن فرض العقوبات على العراق، كان إستراتيجية بالنسبة إليهم، كان عملية انتقامية حاقدة، لا مبرر لها إلا ذرائعهم، هم الذين يفتكون بالعراق، شعباً وأرضاً».
وسورية التي قدمت رسالتها للعراق عام 1991، والتي أرادت من العراق أن يكون حكيماً ويخرج من الكويت لسدّ الذرائع، ولم يستجب صدام حسين يومها، وتتابع الانهيار يوماً بعد يوم حتى عام 2003 وسورية التي وقفت إلى جانب العراق وقدمت رأيها من قبل ورسالتها التي تجاوزت الخلافات، ها هي في عام 2003 تقف الموقف نفسه مع العراق وشعبه، ما سبب مشكلات لسورية واتهامات على مواقفها، وحاولوا النيل من سورية وموقفها.
«سورية مع العراق الشجاع الصابر المقاوم، الرائع في مقاومته، المجاهد الصادق في جهاده، المتقبل بصدر ملؤه الإيمان، كل الآلام التي تخلفها مجازر العدو، الرافض لأي شكل من أشكال الاستسلام».
لهذه المواقف التي اتخذتها سورية بمعزل عن الاختلافات في الآراء بين حكام المنطقة العربية تعرضت لتهديدات تتابعها د. العطار بمقالات ودراسات لتؤكد ثبات موقف سورية تجاه القضايا القومية والمصيرية: «سورية تعلن رفضها للاحتلال، بكل أشكاله وأنها مع شعب العراق، ووحدته الوطنية، وسلامة أرضه وحدوده، والعالم أجمع يعرف أنها لم تكن يوماً مع النظام، وأن مناهضتها للحرب كانت دفاعاً عن الوطن الشقيق والشعب المكافح فيه، ولا علاقة لها إطلاقاً بالنظام الذي لم تجعل منه ذريعة لخذلان العراق وإسلامه للغزاة، فالعراق هو الأعلى، وهو الذي ينبغي أن يدعم، في كل الظروف».
وفي هذا الكلام عود على بدء في المقدمة التي سبقت رسالة الرئيس الأسد، من أن الشعوب هي الأهم، ومن أن منطلق الرأي والرسالة هو الهاجس القومي والعروبي.
وهذا ما جعل الدكتورة العطار تتوجه في ندوة النظام العربي الإقليمي التي عقدت في بيروت عام 2003 بتحذير شديد يستشرف الدور السلبي لجامعة الدول العربية، «لا نستطيع والجراح جراحنا، أن نكون شهوداً على ما يجري على أرضنا فحسب، وأن نستريح إلى الصمت في مواجهة العدوان الرهيب الذي كنا ضحاياه في العراق، حرب إبادة واحتلال، هي الخطوة الأولى، والمنطلق إلى خطط أبعد، يعلنونها بجهارة الإثم، تعد للعالم الإسلامي والأمة العربية، لتستل منها أرضها وقوميتها وعروبتها وتاريخها وأمنها وحريتها».
الانهيار بدأ مع غزو الكويت، والمؤامرة مستمرة، وحدها سورية كانت صاحبة الموقف القومي الواضح لذلك استشرفت، وقرأت وأرسلت، وبقيت على مواقفها القومية الواضحة، من دون أن يؤثر فيها اختلاف مع الأخ العربي، إذ شعرت أن الوجود العربي كله مهدد بما حدث مع بداية الانهيار، وها هي سورية تدفع ثمن مواقفها.
كتاب «هكذا بدأ الانهيار» ليس مجرد مقالات آنية، بل إنه قراءة متمعنة وعميقة فيما جرى وسيجري، واستشراف للأخطار، وها هي سورية تدفع الثمن، ولكنها تملك الأمل بالغد والشهيد والإنسان، وهذا ما عبرت عنه د. العطار عام 2015 وسورية في قلب الحرب.
«الأحداث تستعر، والأزمة تتفاقم، والجراح تنزف، والإرهاب لا يتوقف، لكن المؤامرة إلى انكسار، ونحن على مشارف الفجر، بعد سنوات من النضال العنيد».