الطريق الصعب
| مازن بلال
يصل الافتراق بين موسكو وواشنطن لنقطة حرجة، فالمسألة لا تتعلق بخلافاتهما بشأن حل الأزمة السورية إنما بطبيعة الشراكة الدولية، في حين تقدم سورية النموذج الأمثل لاختبار هذه الشراكة أو الاتجاه نحو الصدام، فالطريق الصعب هو المسار السياسي العام الذي يمكن أن يخلق دائرتين من التوافق؛ الأولى إقليمية تضمن توازناً في ظل «شكل الدولة» التي يسعى المجتمع لتحقيقها في المنطقة، والثانية تنطلق من طبيعة التعامل مع الأزمات الدولية من دون الوصول إلى عتبة الحرب.
والمشكلة في سورية لا تتعلق بنفوذ الدول الكبرى في المنطقة، فهناك حد أدنى يضمن هذا الأمر، في حين تبقى هشاشة النظام الدولي المعرقل الأساس في الوصول إلى توافقات لإيقاف العنف وتحقيق الاستقرار، فالولايات المتحدة تراهن على «الإخفاق» الروسي في سورية لكي تبقي النظام العالمي الهش قائماً، في وقت تحاول موسكو تثبيت قواعد دولية مختلفة تنطلق من الأمم المتحدة حصراً، والتعامل في سورية يشكل وببطء شديد مسارين دوليين:
– الأول يستند إلى قدرة أي إدارة أميركية في التعامل مع المشاكل الدولية من خلال «القوة المفرطة» ومن دون تماس مباشر، فواشنطن المحصنة بحرياً تستطيع دفع عناصر القوة من خلال أساطيلها، في حين تعتمد القوى الإقليمية الحليفة لها على «الهامش» الممنوح لها لاستخدام القوة، سواء عبر عوامل الإرهاب كما في سورية أو التدخل العسكري كما فعلت السعودية في اليمن.
– المسار الثاني الذي تحاول موسكو تكريسه هو محاصرة «القوة المفرطة» التي تستخدمها الولايات المتحدة، فالكرملين لم يعد مقتنعاً بالتوازنات القديمة التي حكمت الشرق الأوسط، ولا حتى بالنمط القديم لأوراسيا المحكومة بالردع الخاص بالناتو، وفي شرقي المتوسط تحديداً فإنه ينطلق من القدرة على بناء حزام أوراسي جنوبي، ويعود بذلك إلى النظريات الجيوبولتيكية القديمة وعلى الأخص ما يسمى (rimland) أي القوس الذي يضم سواحل المتوسط ويحتدم الصراع عليه لحماية وسط أوراسيا.
المساران السابقان لا يستبعدان الإرادة الداخلية للسوريين، ولشعوب المتوسط إجمالاً، فالصراع على الجغرافيا يستخدم كل العوامل المرتبطة بالثقافة في المنطقة ابتداء من الدين وانتهاء بالتنوع، والرهان الروسي ينطلق من الحسم في هذه الإرادة عبر دستور جديد في سورية وانتخابات عامة حسب ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حين واشنطن تشترط سحب عناصر القوة من سورية، كما سحبتها من العراق، للتعامل بشكل مستقل مع فئات المجتمع، ورغم خطورة النموذج الأميركي لكنها تحاول عبر إقراره تفكيك «الفضاء الأوراسي» ابتداء من أوكرانيا ومروراً بسورية وربما تكون النهاية في السعودية وإيران.
الانهيار الذي حذر منه الرئيس بوتين أول أمس في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي؛ من أن تفكك سورية سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة والعالم لا يقدم جديداً بالنسبة لواشنطن، التي ترى المنطقة من «عرض البحر» وتبحث عن المظهر الجديد للشرق الأوسط كي ترسم سيناريو يمكن التعامل معه، ومن البحار والمحيطات أيضاً ترى الولايات المتحدة مصالحها ضمن المجموعات الأصغر في أي دولة، فمنطق «الليبرالية الجديدة» يتعامل مع الحد الأدنى لقوة الدولة ومع الفضاء الأوسع للبنية السكانية لسورية وغيرها.
الطريق الصعب أمام سورية لم يعد يرتبط بالخيارات الدولية بل بالداخلية حصراً، وبالقدرة على معرفة «المصلحة السورية» في سياق «التدافع الدولي»، ففي النهاية يبقى الرهان الدولي على جغرافيتنا أي على ما يخصنا نحن وطريق تجميع الإرادات للخروج من السيناريوهات التي ترسم للعالم.