ثقافة وفن

مديرية التراث لا تهتم ونقابة الفنانين لا تصنّف … وزارة الثقافة غير معنية بخيال الظل وإعادة الألق أليه!

| سوسن صيداوي

هل يأتي الإبداع بالمصادفة؟، أم إن هناك عوامل هي من تحرّض على ما يُمكن أن يُخلق ليكون يوما ما إبداعا؟، وهل عبثية الروح الإبداعية في الحصول على الأفكار المنشودة هي الأساس؟. من الناس من تراه قابعاً في زاويته سارحا هائماً منتظراً هذه الومضة لتخلق فيه التغيير، ومنهم أيضاً من يأبى الجلوس أو الانتظار، بل يسعى بكل ما أُتيح له من إمكانيات إلى أن يُحدث ما يصبو إليه، هذا كان حال «شادي الحلاق» ليكون مبدعا في مسرح خيال الظل وباعثا له من جديد، والغريب بهذا الأمر أن صُنع المسرح وكلّ دمياته بتفاصيلها وبكل المراحل، كان يقوم بها من نفسِه وإلى نفسِه يعود.
ومضة الإبداع طالت هذا الشاب وجعلته مغمورا بمسرح الخيال إلى حدود لا يمكن حتى للسماء أن تعانقها، ولكن… يأتي الواقع بألوانه وتحولاته، ليحُدّ من هذا الحب لأجل السعي إلى لقمة العيش وتأمين متطلبات الحياة.
صحيفة «الوطـن» التقت بـ «شادي الحلاق» وكان لها لقاءً عرّف من خلاله على نفسه «أنا شادي رشيد الحلاق ابن حكواتي الشام، المعروف بالحكواتي أبو شادي، أنا أعمل بمسرح خيال الظل ويُكتب عني «المخايل» لأن «المخايل» هو من يصنع مسرح خيال الظل من الصفر، بالإضافة إلى أنني أنا «الكراكوزاتي» الوحيد الناطق باللغة العربية».
نقطة البداية
الومضة الإبداعية التي تكلمت عنها في البداية أصابت شادي وكانت مصادفتها هي كلمة قرأها وسأل عنها لتكون محرّضا على بداية السير في طريق هو نفسه كان يجهله، شادي الحلاق «ابتدأت في مشواري لمّا كنت أجمع لأبي» الحكواتي أبو شادي «كتب الحكواتية الموجودة في المقاهي، ذات مرة كان بين الكتب واحد لم أفهم الكلام المكتوب فيه، وفي كتاب آخر وجدت فيه كلمة «كراكوز» فسألت والدي «من كركوز» فأجابني: «كراكوز وعيواظ هما شخصيتان مشهورتان بمسرح خيال الظل، فكركوز يمثّل شرائح المجتمع الطيبة والخبيثة، ويعمل المقالب بصديقه عيواظ الذي كان يتصنّع الرزانة والاستقامة»، ثم عدّد لي بعضا من شخصيات المسرح منها «حاج قريطم، طرمان وهناك الكثير غيرها، بعدها عدت إلى الكتب فوجدت في كلمة «قريطم» زيادة ثلاثة أحرف، بعدها جمعت الحروف الزائدة لهذه الكلمات فاكتشفت أن هذه اللغة المرّمزة، كان يكتب بها «المخايلون» القصص كي لا تتم سرقتها منهم، وكانت هذه اللغة «لغة المكسرات» دارجة أيام الحكم العثماني، ويجيدها كل من يعمل بخيال الظل كي لا يفهمها أحد وخصوصا الاحتلال المذكور».

تأثير مسرح خيال الظل في المجتمع
الشخوص التي يقدمها مسرح خيال الظل ليست بغريبة عن الواقع فهي منه وإليه، والأمر كان يلمسه المتلقون من جمهور المشاهدين بالحوار، وحتى يومنا هذا هناك الكثير من المفردات التي يتناقلها الشارع وهو لا يعرف أنها تعود لهذا المسرح وإلى تاريخه، شادي الحلاق «هناك الكثير من المفردات الدارجة في المجتمع التي يتداولها الناس للآن، ولكنها تعود بالأصل إلى مسرح خيال الظل وبعضها… التسميات التي كانت مخصصة للنساء مثل «سرنوة، شرنة»، أما للرجال مثلا كان يكون الرجل ماشياً وكأنه سارح في دنيا أخرى فيقال عنه كلمة: «سوسحلوه»، بالإضافة إلى العديد من الكلمات التي مازالت إلى يومنا هذا متداولة».
خلق الدمية في تسعة أشهر

المشوار في عالم خيال الظل مع شادي ابتدأ منذ عام 1993، والبحث في الكتب تبعها المحاولات المتكررة التي مضى عليها زمن طويل مع جهد كبير حتى توصل «شادي الحلاق» في النهاية إلى القدرة على صناعة الدُمى ومن ثم مسرحه الصغير «في عام 1993 كنت بدأت بصناعة الدمى، التي كان يستغرق صنع واحدة منها تسعة أشهر، والأمر ليس بسيطا لأنني كنت بحاجة لنوعية معينة من الجلد ما يضطرني للذهاب إلى الدبّاغات للبحث عنها فالجلد المطلوب هو جلد شفاف، بالطبع كان الموضوع مكلفا جدا ومتعباً أيضاً، وابتدأت بتصنيع الجلد المطلوب من خلال تجفيف النباتات بطريقة يُحافظ خلالها على ألوانها، لأنها تنحل بالماء وتلوّن الجلد بطريقة يبقى معها شفافا، ولا تظهر الألوان إلا عند انعكاس الضوء، ثم انتقلت إلى حياكة الجلد وهي صعبة للغاية وفيها خطورة لأن الجلد قاس جدا، ورغم كل الصعوبات التي كانت تواجهني من رائحة الجلود وحتى خياطتها إلا أنني كنت أقوم بها بمتعة كبيرة، وكنت صنعت من 1200 قطعة منها دمى ومنها قطع ديكور خلفيات كحارات وبيوت وقناطر… وللأسف الشديد لم يبق منها إلا اثنان بسبب ظروف الأزمة القاسية، وكنت صنعت مؤخراً أربعة».

كراكوز يُبعث من جديد
أول حفلة لمسرح خيال الظل كانت عام 1993، وظنّ الحضور وقتها أن «أبو عزت حبيب» هو من يقدم رغم أنه كان توفي في عام 1970، شادي الحلاق «حضر أول عرض لي في مسرح خيال الظل العديد من المهتمين منهم: ياسين الأخرس، ونصر الدين البحرة، ونجاة قصاب حسن، وفي وقتها كتب نصر الدين بحرة مقالة بعنوان «كراكوز يُبعث من جديد»، وكتب بأنني عندما كنت أقدم ظنّ أن «أبو عزت حبيب» هو الذي يقدم، وعندما شاهدوا الدمى بعد العرض، سألوني من علمني، فقلت لهم من الكتب التي جمعتها، وإن والدي ساعدني بخبرته ببعض الأمور، وحتى تصنيع الدمى اعتبروه مصنعا بطريقة تراثية وعلى أصولها».

واقع المبدع مظلم ومقيت
ربما لأن الكراكوزاتي والمخايل في الوقت نفسه «شادي الحلاق» لا يوجد غيره ناطقا باللغة العربية، وبالرغم من أنه تمّ تسجيل الحكواتي وخيال الظل على قائمة الحماية المستعجلة لحماية الظل باللجنة الوطنية السورية وبالمشروع باليونيسكو لحمايتهما من الاندثار، بالإضافة إلى أهمية ما هو مؤتمن عليه من تراث، فإن العديد من الوزارات وحتى الجهات… تتنافس عليه كي يعود بالمرجعية إليها، ومن شدة المنافسة على من سيضمه إليه ويكون راعيا رسميا لتراثه وفنه مع التخطيط لكيفية استثماره، بالنتيجة هو قابع في الزاوية لا حول ولا قوة، شادي الحلاق « وزارة الثقافة غير معنية بشأني، ومثلا مديرية التراث المادي واللامادي، قامت بتأليف كتاب عن خيال الظل وله عامان وللآن لم يصدر، رغم أنهم أخذوا مني أنا صاحب المهنة كل التفاصيل وكل ما يحتاجونه، كما أن مديرية التراث الشعبي منذ ثلاث سنوات خططت لإقامة مهرجان لخيال الظل، والميلوي، والحكواتي، ولكن للأسف لم تقم بشيء على الرغم من أننا في رمضان تكون الفرصة مواتية جدا لمهرجان كهذا، ومرة كنت ذهبت إلى نقابة الفنانين عدة مرات كي يتم انتسابي لها، لكنهم كانوا غير معنيين ورفضوا لأنني كـ«حكواتي وخيال الظل» غير مدرج عندهم أو بأي قائمة إلا في قائمة الإرث الثقافي المادي واللامادي، وزارة السياحة غير معنية وحتى وزارة الإعلام مقصرة في الترويج لهذا الفن، رغم أنني أتلقى العديد من الدعوات للكثير من الفعاليات العربية والعالمية، إلا أنه لا يمكنني المشاركة لأنه لا توجد لدي جهة تمثلني أو أكون تابعا لها سواء أكانت وزارة أو نقابة، فأنا أعمل لحسابي الخاص وأنا مستقل، رغم أنني حصلت على الجائزة الأولى على مستوى العالم في تصنيع وتحريك وترميم الدمى عام 2008، وحتى لو كان هناك دعم من اليونيسكو، فلابد أن أكون تابعا لجهة معينة كي يتم التنسيق معها من أجل وضع خطط الدعم، ولكن وللخيبة الكبيرة هنا لا أحد يعرفني، فمثلا في «عاصمة الثقافة والتراث» لم يدعوني أحد أنا عملت حفلة وباجتهاد خاص، وفي الأيام الحالية أفكر كثيراً بما كان أبي يقوله لي، بأنه علي أن أبحث عن عمل حتى لو كان فنياً، ولكن يطعمني خبزاً، لكنني لا أستطيع… فهذه المهنة أحبها وهي تجري في دمي والظروف الحالية خانقة جدا مع عدم الاهتمام والمتابعة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن