قضايا وآراء

لماذا الغموض الأميركي في محاربة الإرهاب!؟

| عبد السلام حجاب 

يمكن القول: إنه لا أحد يعتقد أن روسيا قد تخدع بسياسة المعايير المزدوجة الأميركية، وصيغ الغموض الملتبس التي تسعى إلى تمريرها وتبريرها سواء على صعيد عنوان محاربة الإرهاب أو حل القضايا الساخنة عبر الحوار السياسي المتوازن. ولعله كافٍ للتوضيح تحذير الغرب من مسؤولية الفوضى في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، الذي أطلقه الرئيس الروسي بوتين في مؤتمر بطرسبورغ. مشيراً إلى أن سورية تواجه مشكلة الإرهاب، قبل أي شيء آخر وقال إن تفكك سورية سيكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة والعالم. وأكدت زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية أن موسكو تدعو إلى حل سياسي للأزمة في سورية عبر الحوار السوري- السوري معربة عن أمل بلادها من الولايات المتحدة وشركائها عدم تكرار أخطاء الماضي لحل الأزمات بالقوة.
ما يعني أن أحداً لم يعد بمقدوره الجزم بأن التفاهمات والاتفاقات الروسية الأميركية تسير من دون عوائق أو مفخخات سياسية تضعها على مفترق حاسم بين خيارين، يشكل استئناف العملية السياسية للحوار بين السوريين في جنيف أحد وجوه الضغط السياسي الأميركي والابتزاز بوساطة الإرهاب وتصنيفاته بين أشرار وأخيار. وهو ما عبر عنه بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسية قائلاً: لا داعي لاختراع وصفات جديدة لتسوية الأزمة في سورية، لأن هناك قاعدة قانونية جيدة لإنهائها عبر القرارين الدوليين 2254 و2268 والتفاهمات التي توصلت إليها مجموعة دعم سورية وأن السوريين وحدهم من يقرر مستقبلهم.
ولكن لا جدال بأن الغموض السياسي غير البناء الذي تمارسه أميركا وازدواجية المعايير مرده سببان رئيسيان هما:
1- هنالك مشروعان، لكل منهما رؤيته وحساباته. يتصارعان بشأن محاربة الإرهاب روسي- سوري يعتمد محاربة الإرهاب وفقاً لمعايير ومبادئ دولية من دون انتقائيه، بل إن عدم النجاح في المعركة لدحر الإرهاب كفيل بإغراق المنطقة بالفوضى، وآخر أميركي يضع في أولوية حساباته مشروع الشرق الأوسط الجديد وما يحتاج تنفيذه من سياسات مراوغة محورها الرئيسي مصالح الكيان الإسرائيلي العدوانية، وهو ما أفصح جنرالاته بالحرص على انتشار فوضى الإرهاب في سورية ويشاركهم في هذا الحرص أطراف مثلث الإرهاب مثل حكام آل سعود ومشيخة قطر والعثماني السفاح في تركيا أردوغان.
2- وقت الانتخابات الرئاسية الأميركية الذي يدهم عهد أوباما محملاً بأثقال من الفشل والإخفاق تضع مواقف روسيا وسورية في مقدمة أسبابها.
وهو ما عبر عنه الوزير كيري بأن صبره قد نفد وتابعه عدد من موظفي الخارجية الأميركية بدعوتهم الرئيس أوباما بضرب مواقع الجيش العربي السوري، وقد حذر نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن الروسي من أن الرد الروسي سيكون أكثر صرامة. وأكد جيليزيناك نائب رئيس مجلس الدوما أن مثل هذا الخطاب العدواني يمكن أن يلغي الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس بشأن وقف الأعمال القتالية في سورية. ووصفه بأنه محاولة لعرقلة إيجاد حل سياسي للأزمة في سورية، على حين وصف الوزير كيري الخطاب بأنه مهم وستتم دراسته، كما سخر منه المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية قائلاً: «إذا كان حل القضايا المهمة يتم عن طريق تصويت موظفين في الخارجية الأميركية، فإنه أمر يثير الاستغراب». وقد نفى البيت الأبيض لاحقاً هذا التوجه، وأكد أنه لايرى امكانية لحل عسكري للأزمة السورية.
إنه لا غرابة في أن يكون الغموض الأميركي مراوغاً وليس بناء تجاه مسألة محاربة الإرهاب. بل يمكن توصيفه بأنه غموض يستوجب التحسب له لمواجهة تداعياته وهو ما عمل بشأنه اجتماع طهران الثلاثي لوزراء الدفاع في كل من سورية وإيران وروسيا لكونه غموضاً يكتنف العديد من التساؤلات ويخفي أجندات سياسية تبدو مرتسماتها واضحة في عدة اتجاهات ليس بينها حق الدولة الوطنية السيادي أو محاربة الإرهاب على قواعد من العدالة والحرص على الأمن والاستقرار الدوليين. ويمكن الإشارة إلى هذا الغموض ومرتسماته وفق ما يلي:
1- انعكاسات سلبية متفاقمة على الاتفاقات الروسية الأميركية ما يجعلها أمام مفترق يتجاوز حدود الحرب الباردة إلى حدود لا تسعى إليها روسيا ولن يسمح عقلاء السياسة بالوصول إليها أو الغرق فيها.
2- إن حديث الوزير كيري عن نفاد صبره، رسالة فجة لمنح غطاء سياسي لإرهاب جبهة النصرة وتوابعها من التنظيمات الإرهابية بذريعة عدم قدرة أميركا على الفصل بينهما، جاءت متزامنة مع تصريح لمسؤول عسكري أميركي حول قصف الطائرات الروسية لتنظيمات إرهابية تابعة لأميركا في منطقة التنف الحدودية مع الأردن وتعمل بتغطية لوجستية وميدانية أردنية بريطانية ما يؤكد ازدواجية الغموض الأميركي بين احتواء الإرهاب وادعاء محاربته لاستخدامه في لحظة مقبلة تخدم سياسة الضغط والتهويل.
3- إن الانخراط الأميركي بذريعة محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي في الشمال السوري بمشاركة مجموعات عسكرية فرنسية وألمانية من دون تعاون مع الحكومة السورية، فضلاً عن كونه عدواناً صريحاً على دولة عضو في الأمم المتحدة، يكشف عن أطماع استعمارية لاستعادة سايكس بيكو بصورة جديدة سواء عبر التقسيم أو الفدرلة أو الكانتونات بتغطية حلف الناتو الذي تمثل تركيا حدوده الجنوبية، وذلك على ظهر الإرهاب وتصنيفاته التي لا تفرق بين الحق والباطل كما أنها تظل أحلام يقظة بسبب الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري في الميدان بدعم الأصدقاء والحلفاء.
4- إن محاولة التغطية على الفشل للعناوين السياسية الأميركية لن يشكل الغموض والخداع نجاحاً لها في الوقت الضائع ولن يكون طريقها سهلاً بتحويل سورية والمنطقة إلى بركان ينفث حمماً لن يسلم من نيرانها قريب أو بعيد، ولم يعد خافياً أن السوريين بصمودهم وتلاحمهم الوطني ودماء الشهداء من أبطال الجيش العربي السوري حددوا خياراتهم الوطنية وعرفوا الطريق لصنع الانتصار على الإرهاب وداعميه، ولقد أكد الرئيس بشار الأسد أمام أعضاء مجلس الشعب أن السوريين إخوة في الحياة وفي الاستشهاد لا فرق بينهم ولا تفريق في اتجاهاتهم.
لا شك بأن مواصلة سياسة الغموض الفاشلة بادعاء محاربة الإرهاب لن تصب في خانة دعم الأمن والاستقرار العالمي بل تشكل أرضية لتمدد الإرهاب وازدياد مخاطره ليس في سورية التي تحارب الإرهاب حتى القضاء عليه، بل في مختلف أنحاء العالم وإذا كان هناك من يبني سياساته مرة بالغموض والمقامرة ومرة بالتهديد والمغامرة، في ضوء إرهاب يلفظ أنفاسه في سورية ويندحر في العراق، فلا جدال بأنه يواصل الحراثة في البحر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن