الشرير يكافئ نفسه
حسن م. يوسف :
في طفولتي كان الأستاذ يختار أكثر التلاميذ شغباً وضجيجاً ليكون العريف الذي ينوب عنه أثناء غيابه، والحق أن هذا السلوك، الذي يكافئ الشرير، ظل عصياً على فهمي إلى أن اكتشفت أنه يشكل جوهر «النظام» الذي يحكم هذا العالم المختل. فالولايات المتحدة التي تفرض نفسها كعريف صف، على دول العالم. شنت خلال النصف الثاني من القرن العشرين واحداً وعشرين حرباً كان آخرها غزو العراق عام 2002، وهي المسؤولة عن أكبر ثلاث إبادات في تاريخ البشرية:
الإبادة الأولى اقترفت بحق سكان أميركا الأصليين الذين كان يبلغ عددهم عام 1492 عشية وصول الغزاة البيض 112 مليون إنسان ينتمون إلى أكثر من أربعمئة شعب، لم يبق منهم في إحصاء أول القرن العشرين سوى ربع مليون!
الإبادة الثانية طالت ستين مليون إنسان اختطفوا من إفريقية السوداء. مات نصفهم بسبب شناعة ظروف نقلهم وسوء معاملتهم كعبيد، ولم تتغير ظروف النصف الآخر كثيراً، حتى بعد قيام لنكولن بـ«تحرير العبيد» استجابة لضغوط الرأسماليين الشماليين البيض الذين كانوا بحاجة لليد العاملة الرخيصة لتشغيل معاملهم وكان أرخص حل لهذه المعضلة هو «تحرير العبيد»!
أما الإبادة الثالثة فكانت في عام 1945عندما ألقت أميركا في السادس من آب قنبلة ذرية على هيروشيما اليابانية وبعدها بثلاثة أيام ألقت قنبلة ثانية على ناغازاكي، وما يوجع القلب أن أميركا أطلقت اسمين بريئين على أداتي إجرامها؛ فالقنبلة التي قتلت 140.000 شخص في هيروشيما أسمتها «الولد الصغير» والقنبلة التي أبادت 80.000 إنسان في ناغازاكي أسمتها «الرجل البدين»! فيا لبراءة هذا وذاك!
رغم هذا لا تزال أميركا تقدم نفسها داعية للحرية والديمقراطية! من خلال هيمنتها على الشاشات في مشارق العالم ومغاربه. رغم أنها الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية، والتي تمتلك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل تكفي لتحويل كوكب الأرض إلى غيمة من غبار! إلا أنها باسم قانون قوتها تعاقب أية دولة تحاول تقليدها في امتلاك النووي، لدرجة أنها قد تشن الحرب عليها! ليس هذا وحسب، بل إنها تسمح لنفسها بفرض عقوباتها على أية دولة يجرؤ زعيمها على انتقادها أو معارضة مصالحها، حتى ولو كان ذلك الزعيم منتخباً وفق أسس «الديمقراطية» التي صرعت أميركا العالم بالدعاية لها والطنطنة بها! وقد تتدخل بشكل مباشر عند اللزوم للإطاحة بأي رئيس يهدد مصالحها حتى لو كان منتخباً وفق تلك الأسس، كما فعلت مع حكومة مصدق في إيران وحكومة الليندي في تشيلي! كذلك لا تتردد أميركا في حماية أكثر الطغاة فساداً وتخلفاً عندما يخدمون غاياتها، والنظام الوهابي السعودي هو أوضح مثال، فأميركا تدعم حكام السعودية الذين يستخدمون طائرات حديثة سعر الواحدة منها أكثر من 700 مليون دولار لإلقاء قنابل سعر الواحدة منها نحو خمسين ألف دولار، لتقتل مواطنين يمنيين لا يزيد دخل كثيرين منهم عن دولار واحد في اليوم!
آخر نكتة بذيئة أنتجها نظام اللصوصية العالمي، هي قيام مؤتمر الجوع الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي افتتحت أعماله في العاصمة السويدية مطلع الشهر الحالي، بإلغاء محاضرة من 20 دقيقة لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لأنه طلب 330.000 جنيه إسترليني، كأجر له عن المحاضرة، أي مئة وأحد عشر مليون ليرة سورية وبعض الفراطة! لقد أراد بلير أن يضع عينه فوق حاجبه! إذ طلب أجراً أكبر من رئيس أميركا السابق بيل كلينتون، الذي تقاضى 327 ألف جنيه إسترليني لقاء محاضرة من 30 دقيقة في دورة العام الماضي من مؤتمر الجوع! نعم مؤتمر الجوع!
فما أشرف العاهرات بالمقارنة مع من يسرقون الجائعين!