المذيع والارتجال
إسماعيل مروة:
أنا كائن إذاعي، أحب الإذاعة والسماع في كل الأمكنة، بل لا أتمكن من العمل إن لم تكن الإذاعة تصلني بأصواتها والناس، وأكثر ما يسعدني في الإذاعة أن أغلبية المذيعين متمكنون، لا يعتمدون على الجمال والأناقة مقاساً، لذلك يتعبون على أنفسهم وإعداد أوراقهم، وكذلك الأمر مع المذيعات، وبالأمس كنت أستمع إلى مذيع من الوزن الثقيل كما يفترض،وقد تقاعد أو قارب، وهو من مذيعي المهرجانات، بل والأساتذة في الميدان، لأفاجأ به يتحدث مع زميلة من المتدربات عنده وأمام خبرته، ويقول لها: الله من السماء يقول: اعقلها وتوكل، واستعرض عدداً من توجيهات السماء، ليس بينها جميعها آية قرآنية، هو لم يصحح، وهي لم تعترض، ويبدو أن أحداً لم يسمع، وإن سمع فهو لا يدري ما يسمع، المهم الوحيد ألا تأتي كلمة سياسية أو مداخلة، المهم أن يبقى الإعلام الرسمي رسمياً بلا ضحكة أو ابتسامة أو نكتة، ولا بأس أن تكون العامية سيدة الموقف في الإعلام الرسمي! بل ونجد مسوّغاً لمن يتحدث العامية بأن الفصيحة ثقيلة على السمع! ولا نميّز بين مستويات الفصحى التي لا تخرجها عن الفصاحة!
لم يطلب أحد من الأستاذ المذيع أن يستشهد بآية، أو يرتجل حديثاً، والأمر لا يحتاج على الإطلاق، فلِمَ وضع نفسه في هذا الموضع الذي إن سمعه عدد من الذين يعرفون القليل ضاع احترام خبرته أمامهم؟!
ذات يوم وعلى شاشة المستقبل كان أحد الموسيقيين يتحدث عن الموسيقا، وكان يحث الناس على تعلم الموسيقا فقال للمذيعة: الله في القرآن يقول: اطلب العلم ولو في الصين، فما كان من المذيعة إلا أن قالت: صدق الله العظيم.
وقعا في شرك الجهل، وما من مناسبة للاستشهاد بالقرآن أو بالحديث أو بالإنجيل، فهل يود أحدهم أن يكتسب تعاطف المتابع ليأتي بكلام لا داعي له؟!
لو أصاب الموسيقي والمذيعة هناك، ولو أصاب مذيعنا الكبير هنا، فإن استشهاده لا ضرورة له وجاء في غير مكانه، فما بالنا عندما نعرف أنه لا يميز بين قول وحديث وآية؟!
بعض المشايخ والوعاظ والخوارنة يلقون العظات من الذاكرة فلا يفيدون ولا يستفيدون، لأنهم لم يحترموا المتلقي، والأمر أكثر خطورة في الإعلام، فإما أن تحفظ وتستظهر أدق التفاصيل كما كان يفعل طيب الذكر مروان الصواف… أو حضّر وحافظ على الورقة بين يديك يا صديقي ولا تتحول إلى واعظ، فقد أرهقنا الوعظ بخطئه وخطله.