ثقافة وفن

صديق صديقي

| د. نبيل طعمة 

عدوّي الحداثوي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وجغرافياً، لكونه محتلاً ومغتصباً للأراضي العربية، وقاتلاً مع سبق الإصرار والترصُّد للفلسطيني ولكل عربيٍّ منذ عام 1948، مروراً بالنكسة 1967، وصولاً إلى حرب تشرين 1973، واجتياح بيروت 1982، وتحرير الجنوب 2000، وحرب تموز 2006، وحرب غزة 2008، واستعداده الدائم للانقضاض على الأمة العربية، وإسهامه المباشر وغير المباشر في تدمير أي تقدم منذ تدميره لمفاعلات العراق في ميناء شيربورغ الفرنسي عام 1979 تموز1 وتموز2، وفي عام 1980 و1981 قيامه بقصف بناء المفاعلات في العراق بين العامين، وصولاً إلى قصف المباني الذرية الطبية في دير الزور، ولإسهامه الهائل في أحداث ما أطلق عليه الربيع العربي، وغايته الرئيسة تدمير سورية الشوكة التي تؤرقه، والتي لا يهدأ له بال إلا بعد تدمير قوتها ومقاومتها التي تحميها وتُفَعِّلها في وجهه بشكل دائم، ورغم استمراره في ابتزاز العالم أجمع من أجل بقائه، والعالم لا يتوانى عن حمايته ودعمه بغاية إبقائه قائماً وقوياً ومعتدياً ومتباهياً ومتفاخراً بأنه الأقوى، حتى كاد تصويره بهذا الشكل ليقال عنه: إنه دولة عظمى من باب أنه ظلم من النازية والفاشية، وظلم أكثر تاريخياً، وذكره المقدس بأنه شعب الله المختار، والمقدس براء من هذه القضايا التي تثار بين الحين والآخر، كما أن الله وعده بأرض الشرق الأوسط بين النهرين الفرات والنيل، وكأنه لم يعد أحدٌ في شعوب العالم غيره، هلّا تفكرنا فيما يجري، وكيفية قلب المعادلات والقيم والمبادئ والأفكار، وكيف أن مقولة: «عدو عدوي صديقي» غدت على تضاد تام مع عنواننا، حيث لفت نظري ذاك اللقاء الحادث بالأمس بين صديقي وعدوي اللذين أصبحا صديقين، وملأت الحميمية وجهيهما، بعد أن اتفقا على التعاون العسكري وتوثيقه ورفع مستوى التبادل التجاري من خلال تعزيز الآفاق الاقتصادية، إضافة إلى رفع مستوى العلاقات السياسية إلى أقصى مدى، وطلب بدهاء صهيوني دبابة الميركافا التي أهديت منا إلى الاتحاد السوفييتي، وكانت وضعت في المتحف العسكري في موسكو، حيث ينظر إليها كحالة انكسار لأسطورة الجيش الصهيوني في لبنان عام 1982، ها هو صديق صديقي عدوي، يطلبها كي لا تبقى شاهداً عليه أمام أعين النظارة، يحدث هذا من دون مراعاة للرمزية، ويحصلون عليها ويعيدونها إلى قطعتها العسكرية التي كانت تعمل بها، فهل تهدى هدية انتصارنا من صديقي إلى عدوي الذي يصرُّ على استمرار العداوة، على الرغم من وجود صديق في المنتصف؟ وهل يقدر صديقي على لعب دور إعادة حقوقي الجغرافية من عدوي، لينهي العداوة، وتنعدل المعادلات، أم إننا سنبقى تحت رحمة انفلات عالمي مذهل ومرعب في الأخلاقيات، لا تراعى فيه القيم والمبادئ، ليتحول إلى عالم لا أخلاقي بامتياز، هل هي دورة الحياة التي ينبغي أن نمرَّ بها؟ أي إنه زمن سواد الشر على الخير، حيث لابد من سيطرته لحين تعود الدول العظمى إلى أخلاقياتها الظاهرة، لكونها فقدتها، فظهرت شرورها جلية بعد أن أخفتها لحين، وأخذت بتعميمها بلا هوادة، والسبب الدائم طبعاً الجشع الاقتصادي الذي يدعوها للاستمرار في نهب مكونات دول العالم الثالث، وكل من يفكر منه في التقدم إلى الأمام ترمى عليه الشرور، وتحاك له المكائد، وتنصب أمامه الأشراك، وتثار حوله الزوابع، واتهامه جاهز بحقوق الإنسان والديكتاتورية والشمولية والطائفية، وتسجيله ضمن قوائم الدول الإرهابية أو المصدرة للعنف.
أتوقف هنا وأسأل: لماذا وإلى أين بعد أن عادت بي الذاكرة التاريخية إلى العهود القيصرية التي عاملت المرابين من شعب الله المختار أسوأ معاملة نتاج امتصاصهم لقوت الشعب ومتاجرتهم بدمائه، حتى وصلت القرارات لمنعهم من السير على الأرصفة والإشارة إليهم بالدون، طبعاً اشتغلوا من جراء ذلك على قلب المعادلة القيصرية، وأظهروا منظومة الديالكتيك التي خلقت أفكار الأممية العمالية وعالمية اتحاد وشغيلة العالم، وقدمت البلاشفة إلى سدة الحكم، حيث كان العديد من قواد تلك الثورة منهم، إن لم يكن جلّهم، حتى إن زعيمهم حذفت ديانته بسبب نظرية الأممية التي قامت بدورها في كشف اتفاقية سايكس بيكو 1916، وكذلك فضح وعد بلفور، ولنستذكر أيضاً أنَّ الانسياب الأول ليهود الخزر كان من روسيا القيصرية والقفقاس، مروراً بآسيا الوسطى، ومنهم كانت أيضاً زعامات وصلت إلى مراتب الملوك في الجزيرة العربية، فما الذي يجري اليوم وبعد قرن كامل على انتصار تلك الثورة وفشلها بين ثمانينيات القرن الماضي وإعلان نهايتها بشكل كامل مع بداية التسعينيات من ذاك القرن، المهم الآن ونحن نشهد هذه العلاقة الصداقية بين عدوي وصديقي، أين نكون نحن ضمن هذه المعادلة المركبة والغريبة، هل لأن ما يعصف بنا من أزمات، وتكالب المحيط لجغرافيتنا، وعمل الجميع بما فيه عدونا الأول لتدمير بنانا التحتية والفوقية وشرذمة وجودنا بغاية إضعافنا وتحويلنا إلى دولة فاشلة، تسهل اصطيادنا متى شاء هذا العدو، أليس كل ما يجري يصبُّ في مصلحته بالدرجة الأولى والأخيرة.
أجل لقد أحزنني كثيراً المشهد الصارخ الذي حدث، ورسم بهجة انتصار عدونا على ما آلت أمورنا إليه، هذا الذي وقف إلى جانب صديقي يرفع إشارة النصر التي أحزنت كل الشرفاء من أبناء وطني والعالم، ولو أنه حدث في الجانب الأميركي لكان أكثر من عادي، لكوننا نعرف الحماية والدعم الهائل منهم، وعتبنا يحضر من باب صداقتنا التاريخية، وبأن الحوار المنطقي يستدعي حضوره بين الأصدقاء، وتبادل النقاش والعتب سواء أكان كبيراً أم صغيراً، والغاية دائماً هي الحفاظ على هذه الصداقة وتطويرها وعدم خضوعها لتجاوز السيادة التي بنيت من أجل أن نعتز بها، ولا نفرط فيها مهما انتابتنا الصعاب، لأننا تعلمنا الدفاع والهجوم، وبينهما كانت مقاومتنا للتخلف والتبعية، وإيماننا بمعادلة الصمود والثبات، كل هذا يدعونا للتوقف أمام انقلاب المعادلات والمصطلحات، حيث نرى اليوم عنواننا ينقلب على كامل المعادلات، ليظهر كما عنونَّاه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن