حكام دمشق بعين المعجمية والتوثيق…نقل عن المصادر وما من إضافة جديدة
دمشق، المدينة، العاصمة، الحاضرة في تاريخ البشرية، في تاريخ سورية والعرب اليوم وأمس وغداً، وفي التاريخ العالمي حضارة وتاريخاً وعلماً وتحضراً، مرت هذه المدينة العاصمة في تاريخ البشرية في عهود عديدة، ذهب من ذهب ممن حكموا دمشق، ومعهم رحلت أجسادهم، وبقيت أرواحهم تحلق في هواء المدينة، وتلحق بهذه الأرواح أعمالها، فمن خدم الناس والمدينة، وقدّس الأرض يبقى ذكره حميداً يحوم فوق دمشق، وآثاره وأعماله تشهد بما قدمه من خدمات، ومن لم يكن جديراً، فجار وظلم، وكان غير جدير بمكانته تلحقه معايب أعماله، وتشهد بضعفه ولا مبالاته في خدمة المكانة التي أخذها.
حكام دمشق
وقعت يدي على كتاب (حكام دمشق) لموفق فوزي الجبر، وهو معجم لولاة وحكام دمشق منذ الفتح الإسلامي وحتى اليوم، ويتضمن الكتاب: دمشق والجذور التاريخية، ولاة صدر الإسلام، ولاة الدولة الأموية، ولاة الدولة العباسية، ولاة الدولة الفاطمية، ولاة الدولة المملوكية، ولاة الدولة العثمانية، حكام الحكومة العربية، الحكام في ظل الاستعمار الفرنسي، الحكام في عهد الاستقلال، تاريخ الحكومات السورية 1918- 2015 والكتاب وإن حمل اسم معجم إلا أنه لم يتبع الترتيب المعجمي بالحرف، بل اعتمد المنهج التاريخي للمراحل التي مرت بدمشق بدءاً من صدر الإسلام وحتى اليوم، وإضافة إلى الحكام والولاة فقد أردف المصنف كتابه بالحكومات السورية من عام 1918.. ومع أن دمشق ليست وليدة المرحلة الإسلامية، إلا أن المؤلف اختار زمناً محدداً من الفتح الإسلامي، وفي الوقت ذاته لم يغفل مرحلة ما قبل الإسلام، فقدم في صفحات عديدة لدمشق وجذورها التاريخية.
تاريخ غير محدد
لم يجزم المصنف بنشوء دمشق، إذ يذكر أن النشوء يعود إلى تسعة آلاف سنة قبل الميلاد، وقد اختلفت الروايات التاريخية في تحديد معنى تسميتها، والأرجح أنها كلمة ذات أصول كلدانية قديمة تعني الأرض الزاهرة أو العامرة.. رجح سبب التسمية، لكنه لم يجزم بتاريخ نشوء مدينة دمشق، ثم يقدم المصنف الجبر تطوافة تاريخية قصيرة تنتهي بالصفحة 17، ثم يدلف إلى ذكر الولاة والحكام، عند كل عصر أو حقبة يقدم بإيجاز ليبدأ بذكر الولاة.
التصنيف المعجمي
برزت المعجمية في التأليف في هذا الكتاب من هيئة التراجم التي اعتمدها المؤلف، فهي عبارات موجزة ومختصرة، إن كان بالإمكان هناك تحديد للمكان والزمان والولادة، فلم يلجأ إلى التطويل في التراجم مع إمكانية فعل ذلك، فنحن أمام شخصيات صنفت حولها كتب ودراسات، لكن المنهج الذي اختاره المصنف ألزم نفسه به، وكان الفعل حسناً حتى لا يتم التضخيم في حجم الكتاب وتراجمه، وعلى سبيل المثال جاءت أول ترجمة في الكتاب لأبي عبيدة بن الجراح «هو عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، وهو واحد من العشرة المبشرين بالجنة وأحد الأمراء الذين تولوا فتح دمشق، وأسندت إليه إمارتها، وذلك في العام الرابع عشر للهجرة، وهكذا تنتهي الترجمة التي أدت الغرض من المعجمية التي قصدها المصنف، أما من يريد تراجم أطول أو معلومات أغزر يمكن أن يعود إلى مصنفات أخرى.. وفي الكتاب تراجم أطول من غيرها، اقتضتها أعمال الحاكم أو الوالي، وإنجازاته وطول مدته في الحكم.
كنت أرغب في أمرين في هذا الكتاب، ويمكن تداركهما في طبعة قادمة:
1- جاءت التراجم وافية ومناسبة للمعجمية، ولكن غاب عن أغلبها ذكر تاريخ الوفاة لعدد من الحكام والولاة، ولم يذكر الوفاة إلا إذا كانت قتلاً أو مرضاً، ومع ذلك غاب عنه ذكر التاريخ، وقد وردت تعابير خاصة من الكتب التي نقل عنها، وهي بحاجة لشرح مثل: كان بطّالاً.
2- لا ريب في أن المصنف عاد إلى كم كبير من الكتب والمصادر والمراجع، ومنها استقى معلوماته وتراجمه، ولكنه لم يذكر أي مصدر أو مرجع، وهذا يؤثر في مناح عدة منها: إعادة المعلومة إلى صاحبها سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة، وإعطاء صاحب المعلومة حقه، وتوثيق المعلومة، وإعطاء القارئ الباحث عن المزيد من المعلومات فرصة للاستزادة، وخاصة أن العمل المعجمي يمثل مفتاحاً للباحثين والدارسين. بقي أن أشير إلى أن المؤلف تبنى في بعض التراجم آراء أصحاب الكتب التي نقل عنها، بل واحتفظ بأخطاء بعض الكتب، فظلم أشخاصاً حين أخذ أحكام الكاتبين عنهم، وجعل ثانوية جول جمال في القرداحة بدل أن تكون في اللاذقية، ويظهر ذلك من أن النقول احتفظت بأخطائها اللغوية التي جاءت في المصادر والمراجع، فأضاف إلى الأحكام ما ورد فيها من هفوات.. فهل هناك مصادر محددة أم ماذا؟!
حكام دمشق يلفت الانتباه بعنوانه، ويظن القارئ أنه كتاب تاريخي، ليفاجأ القارئ بامتداد المساحة الزمنية من العصر الإسلامي وإلى وقتنا الحاضر.