اقتصاد

حكومة (لبنية)!

| علي هاشم

لم يكن قرار رفع أسعار المشتقات النفطية هو «الكارثة» التي ارتكبتها الحكومة بحق الاقتصاد الوطني، هو مجرد مآل قسري – واقعي- لما سبق أن فرضه تراكم سياساتها الفاشلة من شل لقدراتها – القلقة أساسا- في التعاطي مع أي تبدل في الإنفاق.
فبعيداً عما ساورنا جميعاً من إحساس عميق بالقهر، كان قرار الرفع صحيحا تماما من وجهة النظر التجريدية!، ووفق حسابات معيشية دقيقة، سيكفل التعويض الذي أقره السيد رئيس الجمهورية تعويض أثره السلبي المتوقع على السواد الأعظم من المواطنين، مشكلتنا الوحيدة معه تتلخص في قاعدته الجبرية التي ارتكزت إلى فدائحيات الأخطاء الحكومية في إدارة دفة اقتصادنا الكلي، وما تبريرها له كنتيجة واقعية للتبدلات المتدحرجة في سوق النقد، سوى كلام اقتصاد حق (يراد به باطل) للتستر على فشلها في حمايته وتحفيز أدائه، إذ خلف تراجع قيمة العملة الوطنية يصطف طابور طويل من (بلاياها) في سوء الاضطلاع بمسؤولياتها وفق الحد الأدنى المتناسب مع مفرزات الحرب: بدءا من فشلها الذريع في تحفيز الإنتاج وطلاقها البائن مع مؤسساته ورجالاته، مرورا بانجذابها المحموم إلى الاستيراد وتقديس ممارسيه وحيتانه، وصولا لتغاضيها المرير عن تعاظم التهريب ومنعكساته.
إبان تشكيلها الأول، كان الجميع على اطلاع تام بأن حكومتنا الحالية أقرب ما تكون إلى (اللبنية) المؤقتة، ومع تعاظم الحرب وتطاول أيامها، وتغلغل مفرزاتها التقليدية في صميم الاقتصاد الوطني، بقيت سياساتنا الاقتصادية رهينة (لبنيتها) تلك!، ورغم اهتمامها المتزايد بتطوير خطابها الإعلامي التبريري وتفريغ كل ما لزمها من وقت لصقله ودعم احترافيته، فقد داومت على الإشاحة بوجهها عن القضايا الجوهرية متجاهلة تدهور الإنتاج الوطني بطريقة لا مسؤولة قلصت- بل حطمت- تطلعات المواطنين إلى شخصيتها وأطاحت بثقتهم في سلوكياتها لمصلحة حسابات جانبية خفيفة، وبين هذا وذاك، ضيعت الفرصة في مشاركة المنتجين الوطنيين عقولهم وخبراتهم لتكوين نواة إنتاجية تساهم (في حدها الأدنى) بإسناد الليرة خلال معركتها القاسية، لا أن تجثم فوق صدرها، كما هي حالنا اليوم!.
صدر قرار رفع أسعار المشتقات، وباعتباره إجراء حتمياً لتصحيح الخلل القائم، فكلنا يعلم خطر التراجع عنه أمام التحديات التي تتربص بالاقتصاد الوطني وفي مقدمها بقاء الاستهلاك (المدعوم) على وتائره القديمة في ظل التبدلات المستجدة التي طرأت على سوق النقد، والتصاعد المتوقع في التهريب – جيئة وذهابا- كأداة حرب أثبتت فاعليتها في استنزاف قدراتنا بشكل مذهل.
ولأنه قرار نهائي في ضروراته، وسواء بقيت حكومتنا (اللبنية) الحالية أم هي أفسحت المجال لأخرى أكثر ثباتا، فما يجب فعله اليوم هو تطعيم تشكيلتها بـ(أضراس دائمة) قادرة على طحن المعوقات التي ما زالت تعرقل نهوض الإنتاج الوطني بأقصى سرعة وقوة ممكنتين كشرط لازم لرأب ما أصاب الاقتصاد الوطني من ثغرات خطيرة.. وهذا الأخير، شرط متعد كي لا تصفعنا الأيام القريبة بقرار مشتقات (حتمي) آخر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن