هل سيصبح الإرهاب معرفاً؟
| عبد المنعم علي عيسى
من الناحية العملية إن الأنظمة أو الحكومات ليست هي من يحدد الخيارات الفكرية أو حتى نمطية الحياة التي يحياها الأفراد أو المجتمع في بلدين أو بلدان معينة، ومن يحدد هذه الخيارات الأخيرة (وتوابعها من الأحزاب والمنظمات والحركات) هي النخب الفكرية وتحديداً منها من يتربع على الذروة في مرحلة ما من المراحل أو في عصر معين وعلى عاتق هذا الأخير تقع عمليات الإجابة عن أسئلة عصره الملحة وهذه الأخيرة تشكل الأرضية التي تتحدد على أساسها ملامح الحياة وطبيعة الأفكار السائدة بل تتحدد طبيعة المزاج السائد بما فيه العادات والتقاليد الاجتماعية وأنواع الثياب التي يرتديها الناس.
قبل أن نذهب إلى ما نحن ذاهبون إليه نرى من المفيد أن نقول إننا في منطقتنا لا نزال نعيش اليوم في الذروة الفكرية التي وضعها (وتربع عليها) كل من جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده وهي على أهميتها في حينها لم تزل تمثل الخزان الذي نستمد منه أفكارنا وتصوراتنا لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية وفي الذروة من هذه الأخيرة تأتي مسألة عجز النخب الفكرية مثل (فرج فوده، نصر حامد أبي زيد، صادق جلال العظم) عن إنتاج منهج معرفي متقدم يفوق نظيره في القرن التاسع عشر يجيب عن أسئلة العصر الراهن وليس الماضي ويحمل في مساره المهام الملقاة تاريخياً على عاتقه.
في منتصف الثمانينيات تحديداً 1986 وفي أتون اختلاط الحابل بالنابل بين مفاهيم مقاومة الاحتلال والإرهاب أطلق الرئيس الراحل حافظ الأسد (ت 2000) دعوة لانعقاد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب على الرغم من أن أميركا لا يمكن أن تذهب باتجاه خسارة سيف قاطع مسلط على الرقاب التي تهدد المصالح الأميركية في أي مكان على امتداد هذا العالم وفي أي زمان كان.
مناسبة هذا الكلام هو أن المفكر الأميركي نعوم تشومسكي (الذي تربع على ذروة الفكر الغربي جنباً إلى جنب مع صموئيل هنتغتون وفرانسيس فوكوياما) كتابه الأخيرة «من يحكم العالم؟».
الكتاب على درجة عالية من الأهمية وما يهمنا منه هو في عجالتنا هذه هو ما ذهب إليه في تعاطيه مع مسألة الإرهاب التي تعتبر اليوم الخطر الأكبر الذي يهدد الحضارتين الغربية والإنسانية، يقول: تشومسكي إن الموازن الأخلاقي للحضارة الغربية (الأميركية تحديداً) بات يواجه تناقضاً أساسياً خطيراً ما لم يستطع حراك الأمة إيجاد حلول له فإنه يهدد الحضارة الإنسانية برمتها، هذا التناقض ناجم من ازدواجية المعايير التي تتعاطى واشنطن عبرها مع فصائل الإرهاب فهي (الأمثلة لتشومسكي) تقول إن عملية تفجير المارينز في بيروت 1983 هي إرهاب موصوف إلا أنها لم تعتبر مجازر صبرا وشاتيلا 1983 كذلك، وهي اعتبرت أن عملية 11 أيلول 2001 إرهاب مؤكد إلا أنها لم تقل إن ما دعمته في التشيلي 11/9/1973 كان كذلك فقد قام الجنرال أوغستو بينوشيه المدعوم أميركيا بانقلاب على الزعيم اليساري سلفادور الليندي حيث سيقوم (قائد الانقلاب) بإعدام ثلاثة آلاف مواطن في الساعات الأولى من نجاح الانقلاب ولم يقف الأمر عند ذلك فقد قال الرئيس ريتشارد نيكسون في تبريره للموقف الأمريكي الذي اعتبره في إطار (قتل الفيروس قبيل أن ينتشر) ليخلص (تشومسكي) إلى القول: إن أمريكا باتت تتراصف جنباً إلى جنب مع المنظمات الإرهابية الموصوفة عبر تصنيفها لتلك المسألة إلى إرهاب (حميد) وإرهاب (شرير) فهي تقول إنها تمارس الإرهاب الحميد والمنظمات الإرهابية أيضاً تقول إن ما تمارسه وإن كان يؤدي إلى إراقة الدماء إلا أن الغايات المرجوة منه هي غايات نبيلة، ليخلص تشومسكي إلى القول إن هذا التناقض الأخير أفضى إلى تناقض لا يقل خطورة هو الآخر فقد ذهبت الولايات المتحدة في سياق حربها المعلنة على الإرهاب إلى ممارسة القوة المفرطة التي ستكون لها تداعيات خطرة على الداخل الأميركي ومنظومة القيم الأخلاقية.
عندما يقول تشومسكي إننا بتنا بحاجة إلى تعريف الإرهاب فهذا يعني ضرورة ذاتية ملحة تعادل عشرات أضعاف دعوات الدول ويجب أن نتوقع اندفاعة أميركية في هذا السياق لكن ليس قبل «تمهيد الأجواء»!.