اقتصاد

مسمار داعش!

علي هاشم:

 

ليس حدثاً ثانوياً أن تقاسم «دولة ثالثة» كل من العراق وسورية سيطرتهما على بوابة الشرق المشرعة على القارات الثلاث: أوروبا وإفريقيا وآسيا.. للمواقيت المتزامنة دلالاتها الفائقة في هذا الجانب، فمع اندفاعة القوى الناهضة -الصين وروسيا- لعبور بوابة الشرق (القدرية) في طريق عودتهما إلى سدة العالم، ثمة من يجهد لإقفالها في وجههم «ضرراً وضراراً»، وفي الواقع، لا شيء أقدر من مسمار «جحا الداعشي» الذي دق بعناية متوسطاً «البوابة» على إعادة الأحلام إلى قمقمها.. وحده «مسمار رخيص» كهذا، يمكنه تفتيت لحظات تجسد الحلم الصيني في استعادة «طريق الحرير» الذي خصصت 50 مليار دولار كي ترمق بكين من خلاله شواطئ المتوسط، ووحده له أن يؤثر على التطلع الروسي المجوقل على أجنحة «غاز بروم» لاختراق الفضاء الأوروبي، والحال كذلك، يمكن لقراءة هادئة لما طرأ من تبدلات جغرافية رسّخها التمدد «الداعشي» نحو تدمر والرمادي أن يكثف دلالات ارتباطها العضوي بمصالح الغرب، إن كان كذلك، فلربما بات يقيناً أن رمال تدمر تتمتع بقدرة مذهلة على ابتلاع أحلام «العالم متعدد الأقطاب» لمصلحة «قطبية أميركية» برهنت صاحبتها استعدادها التام لفعل ما لا يتخيله عقل لصونها.. روسيا والصين، ومعهما إيران، أكثر من تعلموا ذلك -بالطريقة القاسية- في أفغانستان.
مع «دولة مسمار داعش»، سيكون على الصين التحضر لطي أفكار «طريق الحرير» الذي شكلت تدمر مفترق شقيه: الشمالي نحو أوروبا والجنوبي إلى إفريقيا، وعليها أيضاً أن تطوي ما تصلح تسميته «الميزة التنافسية البرية» لاقتصادها «الأعظم في التاريخ قريباً» بعدما قطعت «الدولة المسمار» تواصله مع أسواقه الطبيعية. روسيا أيضاً عليها مراقبة أحلامها جيداً، فبعدما كشف قبولها باستبدال خط غاز «السيل الجنوبي» بـ«السيل التركي» عن تطلعاتها الحاسمة لدخول «غازبروم» إلى جنوب أوروبا، سيكون عليها أن تقلق من مشروع ما يسمى «السيل القطري» ويمتد من حقول «شيبة» السعودية و«بارتس» القطرية إلى أوروبا.. أنابيب من هذا الطراز تزيد خطورتها بأضعاف عن «نابوكو» التي قطعتها روسيا «بشق الأنفس» قبل مدها من قزوين غربا.. في الواقع، ثمة توق أوروبي لاستبدال «غازبروم» حتى «بالشيطان»، فما المانع ألا يمتد ذلك «السيل القطري» عبر «داعش» إن كان «التنظيم المسمار» يتمول بشكل أقرب للعلنية من أموال الإمارة المصنفة ثانياً في إنتاج الغاز، على حين لا يرى أردوغان تركيا في «داعش» شراً أكثر من إخلاله بمعايير التنافس في أسواق الطاقة، إلى جانب روسيا والصين، ثمة خاسر آخر جراء «االمسمار الداعشي»، فإيران، التي قد تعتقد بأن إنهاء اشتباكها مع الغرب سيتيح إعادة إحياء أنابيب «تاناب» الواصلة بين أذربيجان وأوروبا مروراً بالأرض التركية، ويشكل بديلاً مقبولاً من الأنابيب التي تم الاتفاق نهاية 2010 على تمريرها عبر العراق وسورية. لكن، الأحلام الجميلة لا تتحقق عادة. فمع الانخراط المصلحي المعلن للطبقتين السياسيتين والاقتصاديتين في تركيا وقطر تبدو الأحلام الإيرانية بعيدة التحقق ما لم تكن الدولة التائقة للتخلص من عقوبات الغرب، على استعداد لتكبيل قرارها الاقتصادي في طوق القيد التركي «الناتوي». ما يمكن تكثيفه وسط المساعي، والمساعي المضادة، هو أن بقاء الجغرافية السورية والعراقية نظيفة من «داعش/ مسمار الغرب» لهو خيار مصيري لكل من يتطلع للمضي إلى سدة العالم.. خاصة منهم، من لا يمتلكون «مساميرهم» الخاصة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن