هل هناك خلاف روسي إيراني في سورية؟!
| خالد العبود
قبل الجواب عن هذا السؤال لابدّ من الإجابة عن سؤال آخر، له علاقة بالدور الإيراني والروسي في سورية، إضافة إلى إستراتيجية الحضور الإيراني ثم إستراتيجية الحضور الروسي، إذ إنه لا يمكن للدور الإيراني والدور الروسي أن يكونا متشابهين أو متطابقين، إضافة إلى إستراتيجية حضور كلّ منهما، فإنّه ليس من المعقول أن يتبع كل من الروسي والإيراني الإستراتيجية ذاتها، في المعركة ذاتها التي تحصل على مستوى الوطن السوري.
نعتقد في هذا السياق أن مهمة السوري في المرحلة الأولى من مواجهة العدوان كانت في العمل على تحديد معالم وحقيقة وجوهر المعركة التي تحصل على أرضه، وهي مهمة في غاية التعقيد والدقة، قدّم فيها السوري تضحيات هائلة، إضافة إلى طاقة كبيرة تم صرفها، حتى استطاع أن يضع الملامح الأساسية لطبيعة وشكل العدوان الحاصل عليه، من خلال تفكيك خرائط أمنية معقّدة كانت قد أعدتها أطراف العدوان.
لقد استطاع السوري أن يقدّم المشهد الحقيقي للعدوان عليه بعد سنوات طويلة من المواجهة والقتال، وبعد أن تمكّن من وضع لبنات حقيقية في جدار الصدّ الذي بناه في مواجهة هذا العدوان، حيث استطاع أن يسقط القناع عن وجه العدوان، وأن يكشفه تماماً أمام حلفائه، إضافة إلى البسالة التي قدّمها في صدّه لهذا العدوان، عندها تماماً حاول أن يذهب إلى عنوان حاكم للمعركة ومفاتيحها، وذلك من خلال العمل على توسيع رقعة هوية المواجهة، بالاستفادة من طاقة الحلفاء والأصدقاء، بعد أن عمل على «تدويل المعركة»، أو «تدويل المواجهة»، بعيداً عن معنى «تدويل الملف»!.
لا يمكننا أن نتجاوز لحظة وتاريخية الحضور الإيراني، وحتى شكل هذا الحضور الذي جاء بعد الحضور السابق لحزب الله، والحضور اللاحق للروسي والذي توّج بعاصفة السوخوي، فلكل حضور شكله وغاياته، ومن ثم إستراتيجيته، بمعنى أن هناك أهدافاً تكتيكية ومساحة أهداف لا يمكن لها أن تكون متشابهة أو متطابقة، فالمشاركة للمقاومة اللبنانية الباسلة كانت لها أهدافها التي تختلف عن أهداف مشاركة الآخرين، باعتبار أن طاقة فعل وتأثير المقاومة لا يمكن أن تشابه طاقة وفعل وتأثير الإيراني أو الروسي، فالمقاومة لها حساباتها المباشرة والتي لا ترتبط كثيراً بحسابات إقليمية مركبة، يمكن أن تخضع لها المشاركة الإيرانية أو المشاركة الروسية، وهما بدورهما لا يمكن لطاقة وفعل وتأثير كلّ منهما أن تكون متشابهة، لكون أن كلاً منهما له مساحة تأثير وشبكة علاقات وخرائط تأثير وتأثر مختلفة، ومن ثم فإن إدارة المعركة لا يمكن أن تكون متجانسة الأهداف، خاصة لجهة عناوين تكتيكية تخدم الأهداف البعيدة للمعركة.
صحيح أن الصراع واحد، وأن المعركة واحدة، لكنّ ملحقات المعركة وتبعاتها ليست كذلك، بالنسبة لكل طرف من هذه الأطراف المتحالفة، فحسابات المقاومة اللبنانية إلحاق الهزيمة بأدوات العدوان، إسقاطه تماماً، قبل أن يهدّد أجزاء أخرى من المنطقة، أو قبل أن يستثمر في هذه الهزيمة لما هو أبعد من تصفية حسابات إقليمية محدودة، في حين أن الإيراني يتطلع إلى ما هو أعمق من ذلك، لأن طبيعة الدولة وحساباتها لا يمكن لها أن تتطابق مع طبيعة مؤسسة المقاومة وحساباتها، وكذلك بالنسبة للروسي الذي لا يمكن لحساباته أن تبقى في حدود فضاء الإقليم، أو في حدود الأهداف التي تتطلع إليها المقاومة، أو تلك التي يتطلع إليها الحضور الإيراني.
هذا الأمر لا يتعلق بتناقض الأهداف، بمقدار ما يتعلق بموقع ودور وإمكانية استثمار ناتج المعركة وصرفها في عناوين ومواقع أخرى، ربما تبدو غير متطابقة، فحزب اللـه لا يعنيه الوصول إلى «تحالف دولي» لمواجهة الإرهاب، بمقدار ما يعنيه هزيمة الإرهاب وإسقاطه، لأنه يرى بسقوط وهزيمة الإرهاب هزيمة للمشروع العابر للمنطقة، في حين أن الإيراني يتطلع إلى الاستثمار في هذا الصراع للتأثير في خرائط إقليمية لها علاقة بالدور الذي سوف تلعبه قوى إقليمية، في ظل نشوء أو صعود خرائط جديدة، يساهم هو في ترسيخها أو التأثير فيها بشكل أكبر، فهو يعمل على الاستثمار في الصراع نفسه، وصولاً إلى أهداف أوسع لها علاقة بمستقبل الإقليم وعلاقته بفضاءات دولية أخرى.
في حين أن الروسي يعتبر أن المواجهة في المنطقة جزء من مواجهات عديدة على مستوى العالم، وهو بذلك يخوض هذه المعركة باعتبارها جزءاً من معارك أخرى، لا يمكن له أن يفصل فيما بينها، فهي مترابطة ومتشابكة، وهو بحاجة أن يستثمر فيها جميعاً.
من هنا يمكننا القول: إن الخلاف الروسي الإيراني أخيراً هو خلاف ليس على الأهداف بمقدار ما هو خلاف له علاقة بمجريات المعركة وسياقاتها، وطريقة الاستفادة منها، في ظل صراع مركّب، البعض يحتاجه على مستوى الإقليم، والآخر يحتاجه لخدمة الصراع الكبير على مستوى العالم!!..