قضايا وآراء

سباق يتسارع على الأرض

| عبد المنعم علي عيسى

تتضارب التقارير الصادرة عن مدينة منبج، فالبعض منها يقول إن قوات سورية الديمقراطية قد استطاعت السيطرة تماماً على المدينة مع ساعات الفجر الأولى ليوم 24/6/2016، على حين أن بعضها الآخر يقول إن المدينة لا تزال تشهد حرب شوارع مستعرة، إلا أن ذلك التضارب ليس مهماً كثيراً بل حتى لو كانت التقارير الأخيرة أكثر مصداقية فإن ذلك لا يغير من الواقع كثيراً انطلاقاً من أن حرب الشوارع لن تستمر في المدينة طويلاً فداعش منذ سيطرت على منبج لم تهنأ يوماً واحداً في تلك السيطرة ولربما كان أهل المدينة أول من أعلن احتجاجه على حكم داعش في أيار من العام 2014 ولذلك فداعش نفسها تدرك أن لا حضن دافئاً يمكن أن تلجأ إليه في منبج إلا أن استمرار القتال يكون ذا مرامٍ أخرى لا تتعلق بقضايا المكاسب أو الخسائر.
كانت معركة منبج (تكويعة) لها مراميها الجغرافية فالمدينة تشكل همزة وصل مهمة بين عين العرب وبين عفرين وتزداد أهميتها إذا ما تمت السيطرة على بلدة جرابلس على الحدود التركية السورية وهو أمر يبدو أن الأميركان قد وعدوا حلفاءهم به كما قال الباحث اللبناني محمد نور الدين المتخصص بالشؤون التركية على قناة الميادين 24/6/2016.
تعاطت واشنطن –ومثلها الأكراد- مع التصلب التركي بتروٍ واضح يقوم على قناعة الطرفين بأن عمليات الترويض والاستجابة التركية لها هي الكفيلة للوصول إلى مواقف تركية مرنة وخصوصاً في ظل انحسار كبير للدور الإقليمي التركي الذي لم يعد ما يجري في الخارج (على أهميته القصوى) يمثل الهم الأول، فما يجري في الداخل يكاد يكون الشغل الشاغل أقله بالنسبة لأردوغان ثم إن التجربة (أو التجارب) مع أنقرة تقول إن الإغراءات معها تنفع، ألم تقف صامتة أمام نفط رخيص بنصف القيمة مضافاً إليه ربط عجلة الإقليم الكردي في شمال العراق مع الدينمو التركي ولا بأس في إعطائها رقابة على الأسلحة التي يمكن أن تدخل إلى هذا الأخير؟ ثم ما المانع من تكرار التجربة في الجغرافيا السورية الملتهبة؟ وخصوصاً أن أنقرة كانت تنظر بالكثير من الاسترخاء وهي ترقب تساقط خطوطها الحمر واحداً بعد الآخر والتي كان آخرها عبور الوحدات الكردية إلى غربي نهر الفرات مطلع حزيران الجاري.
كان خبر زيارة الجنرال جوزيف فوتيل قائد قوات التحالف إلى عين العرب في 21/6/2016 خبراً معلناً إلا أن غير المعلن الذي تسرب قبل يومين هو أن الجنرال فوتيل قد زار عين العرب مرتين الأولى في التاريخ السابق وقد التقى قادة أكراد فيها ثم طار إلى أنقرة للقاء أردوغان وإطلاعه على ما في جعبته وتقول التسريبات إن باراك أوباما قد اتصل بنظيره التركي فور انتهاء أردوغان من لقاء ضيفه وفي ذلك الاتصال قال أوباما لأردوغان إن المهلة المعطاة لأنقرة ولحلفائها لإنجاز المهمة الموكلة إليها (6 أشهر) قد انتهت وأن واشنطن قد قررت القيام بتلك المهمة مع حلفائها على الأرض وهي على ثقة في قدرتها مع حلفائها على دحر داعش من ريف حلب الشمالي، بعدها (تضيف التسريبات) عاد فوتيل إلى عين العرب ليطلعهم على ما دار في أنقرة وليعمل على تشكيل وفد كردي رفيع المستوى للقاء وفد تركي نظير له وقد جرى اللقاء في قاعدة أنجرليك التركية برعاية أميركية مطلقة، كان ذلك اللقاء قد أسفر عن توافق بين الطرفين على إطلاق المفاوضات التركية الكردية التي أوقفها أردوغان منتصف العام 2013 عندما كان يرى أنه لا جديد يمكن أن تقدمه تلك المفاوضات إليه، أما الآن فالظروف قد انقلبت جذرياً وهو (أردوغان) قد اضطر إلى الذهاب إلى كينيا في أقصى الجنوب الإفريقي أواخر أيار المنصرم للبحث عن أسواق جديدة لتصريف البضائع التركية، تضيف التسريبات أن أنقرة وافقت على إخراج عبد الله أوجلان من سجنه في إيمرالي ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وبغض النظر عن دقة تلك التسريبات أو وجود نقاط ضعف فيها فإن أنقرة اليوم تبدو أكثر قبولاً لفكرة قيام كيان كردي بصيغة ما في الشمال الشرقي السوري وهو ما يمكن تلمسه في مواقفها من معركة منبج ذات المعاني الجيوسياسية وذهاب أردوغان لتبرير موقفه بالقول إنه يدرك أن عصب القوات التي ستقتحم منبج هي قيادات عربية وأنه حصل فعلاً على أسماء قيادات الألوية والكتائب في تلك القوات وهي تعود إلى أشخاص غير مشكوك في عروبتهم!! وهو تبرير مغلوط (هو يدرك ذلك إلا أنه يسعى إلى تسويقه) إذ لا أهمية تذكر لتناسب القوى الذي ذكره (2500 مقاتل كردي + 1500 مقاتل عربي) لأن تلك المعادلة كلها محتواة في الوعاء الأميركي وهذا الأخير هو من يحدد كفة من ترجح على كفة الآخر، أما في قوّاد الفصائل فهو نفسه كان قد مارس تلك الخديعة قبل أربع سنوات عندما أشار على المجلس الوطني السوري 2/10/2011 إلى انتخاب د.برهان غليون العلماني كرئيس له، على حين أن أصغر موظف في المجلس كان يدرك أن د.غليون واجهة لا حول لها ولا قوة والهدف منها مغازلة الغرب فقط. تماطل واشنطن وهي تثبت في كل خطوة من خطواتها أنها راهنت على الهدنة السورية لإنجاز تحولات جيوسياسية فخديعة تلة العيس وخان طومان لم تنقضِ تداعياتها بعد والحملة التي أطلقها الجيش السوري قبل أيام 24/6/2016 تهدف بالدرجة الأولى إلى إعادة الأمر إلى ما كان عليه قبيل تلك الخديعة. أما ما جرى في 18 حزيران 2016 فقد وصفته صحيفة لوس أنجلوس بأنه كان يحمل جنين حرب عالمية ثالثة ففي 16/6/2016 قامت الطائرات الروسية بقصف مواقع قالت واشنطن إنها لفصائل حليفة لها ثم حذرت موسكو من مغبة تكرار الحادثة إلا أن موسكو (تضيف الصحيفة) لم تستجب للتحذيرات ما أدى إلى شبه تصادم روسي أميركي جوي يوم 21 حزيران بعدها اقترحت موسكو على واشنطن فصل الفصائل الحليفة لها عن جبهة النصرة لكي يتم التعامل مع هذه الأخيرة والمفاجأة كانت كبيرة بالرد الأميركي بأن واشنطن تحتاج إلى مهلة (3) أشهر للقيام بتلك المهمة!!
من الثابت أن هناك توافقاً أميركياً تركياً قد لا يكون كبيراً لكنه موجود أما ما أبعاده فهي الأخرى غير واضحة تماماً.
على كل فإن السباق على الأرض يتسارع ورهان المتصارعين بات يتضح شيئاً فشيئاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن