ثقافة وفن

الارتقاء بالدراما بعيداً عن ثوب التبعيّة … هل تؤدي الدراما السوريّة دور الخادمة لأفكار الآخرين؟ لإنشاء محطات خاصّة سوريّة دور في تعافي درامانا

| عامر فؤاد عامر

هل يقتضي الحديث عن الدراما أن نستعرض مسلسلاتها فقط؟ أو ننتقد مستواها في الموسم الرمضاني مع المواسم التي سبقته، إن كان في الإيجاب أو السلب؟! لا حكماً فالمادّة غنيّة جداً، ويبقى الفكر منشغلاً في قضايا تمسّها بصورةٍ مباشرة. وهذه الكلمات لن تقترب للمساس بأي مسلسلٍ من مسلسلاتها، بل على العكس هي تحمل أفكاراً للدفع بأصحاب القرار فيها، للتفكير من جديد بحلول، تحمل هذه الحالة الإبداعيّة السوريّة لمكانٍ تعيش فيه أقصى مدّةٍ ممكنةٍ.

على مزاج غريب
بدأت الفكرة من منطق أن المُنتِج غير السوري هو من يدفعُ بمحركات المُنْتَج الإبداعي السوري لأن يقدّم نفسه كمادّة ترضي الذوق الآخر من العرب، أي إن اليدّ صاحبة الإنتاج، والمقدرة على تقديم المال، هي من تفرضُ رغبتها على الكاتب، والمخرج، وفي النهاية على الممثل السوري، لأن يقدّموا مادّة على مزاجه هو لا على مزاج، وفكر، وذوق السوري.

مربط فرس
يبدو أن مربط الفرس هذا، يحلّ الكثير من القضايا، التي نتجادل فيها كلّ موسم، وكلّ عام، فعندما يكون لدينا المقدرة على وضع بصمة سوريّة متكاملة الشكل، والمضمون، والأبعاد، عندها سننقذ الدّراما السوريّةّ من مستنقعٍ تحدّث عنه الكثيرون، ومازالوا يتحدّثون. ولا بدّ من أن هذه الفكرة ليست بالهدف المنشود من هذا الحديث. ما قصدّته وأرمي إليه هو «السوق الداخليّة».

محطّات خاصّة
كيف يمكن لنا أن نحقق سوقاً داخليّة سوريّة الملامح؟ الجواب الذي نلمسه بصورة جليّة هو في دعم المحطّة الخاصّة في الداخل السوري، أي فتح الباب ليكون لدينا محطّات تلفزيونيّة جديدة وخاصّة في سورية، وهذا هو أحد الحلول لأزمة الدّراما، إن لم نقل هو الحلّ الذي يمكن الاكتفاء به سنواتٍ طويلة.

رحلة المنافسة
عندما يكون لدينا عدد كبير من المحطّات والفضائيّات على الأرض السوريّة، ولنقل عشراً أو خمس عشرة منها، ستبدأ رحلة المنافسة الداخليّة المُنقذة للإنتاج السليم والسويّ، ويمكن عندها أن تكون الدّراما السوريّة واجهة ثقافيّة حقيقيّة، ومؤثرة بقوّة، حتى في التربيّة المنزليّة السوريّة، كما يودّ البعض أن يحمّلها هذه المسؤوليّة، وإن لم أكن مع هذا الاتفاق يوماً!.

عمل وحيد!
فَتحْ محطات خاصّة، يعني فتح مجال لشراء الأعمال الدراميّة السوريّة كلّها. فلا مجال لدخول مخاطرة في إخفاق عمل، أو عدم عرضه، وما إلى ذلك من هموم. في الوقت نفسه ستبدأ المنافسة الداخليّة بين الأعمال لتظهر الإبداعات السوريّة كما اعتدنا عليها سابقاً، إذ يؤسفنا اليوم ألا يكون لدينا– في هذا الموسم- إلا عمل درامي وحيد يتفق عليه أغلبيّة المشاهدين بأنه عمل متكامل، في حين الثلاثون المتبقية، فعليها الجدل الكبير، ولا اتفاق على أي منها.

غير مالكين للقرار
لن نكون مضطرين في تلك الخطوة أن نكتب للخليج ما يحلو لهم من أعمال سواء اجتماعيّة، أو كوميديّة، أو أعمال البيئة الشاميّة، والأمثلة على ذلك كثيرة كمسلسل «صبايا» و«باب الحارة» وغيرهما، فنصل إلى الصورة المترديّة، وتشويه للدّراما السوريّة المبدعة مقارنةً بتاريخها. ولن نضطر حينها إلى الاشتراك في العمل اللبناني في الظهور لقبض أجور أعلى أو أغلى من الأجور الدّاخليّة، على حساب الفائدة الكبيرة، التي يسرقونها بمشروعيّة من أكتاف نجوم الدّراما السوريّة، نجوم الصف الأول، أو المخرجين السوريين المميزين عربيّاً، أو الكوادر التقنيّة والفنيّة التي تنافس أينما حلّت. عندها لن نشعر بالتبعيّة، وبأننا غير مالكين للقرار، وبأن الظرف الخارجي هو من يتحكّم فينا. إضافة للفوائد الكبيرة التي ستقدّمها هذه المحطّات الخاصّة، من فرص عمل لكثير من الشباب، الذين دائماً يفكّرون في السفر، وارتقاء محطّات ومنابر إعلاميّة خارج الوطن، وغيرها الكثير من الفوائد، التي لا تعدّ، ولا تحصى.

ليست معضلة
أطرح هذه الأفكار بجديّة. دون رمي اللوم على أحد، ولا بتوجيه انتقاد لأي كان. فالمسألة بعرض جوانبها تحتاج للحلّ، وإلا فستصبح معضلة لا حلّ لها، وعندما نفكر بوضع الدراما السوريّة، لا يمكن اعتبارها مسألة معقدة أو معضلة لا حلّ لها، بل الحلّ واضح، وجليّ، ويحتاجُ إلى دراسةٍ وجدّيّة في التطبيق، وليس أكثر من ذلك، وبعدها نعود بالفوائد للجميع.

بوابة كبيرة
عندما نتخيل وجود مثل هذه الخطة القابلة للتطبيق سنضع المزيد من احتمالات النجاح، إذ يمكن التفوّق بها، لدرجة أن نجعل الخارج يتعلّم منّا، ويتربى على أيدينا، ونفتح أفقه ليرتقي من خلال درامانا، ومع مرور الوقت ستكون الدراما السوريّة البوابة الأهمّ، والنافذة الأكبر، التي يمكن لأي متابع عربي؛ أن يحلم عبرها بالتعرف إلى الأرض السوريّة، وإلى الشخصيّة السوريّة.
الغربلة

إن كثرة المحطّات، ستجعل من المنافسة مسألة حقيقيّة بين أعمال الدراما السوريّة فيما بينها، فعمليّة الغربلة ستأتي بصورة عفويّة، والمخرج الأهمّ سيعلو شأنه، والكاتب الأهمّ كذلك الأمر، والممثلون ستبدأ تصنيفاتهم الحقيقيّة بالظهور، وسيكون للجميع فرصته، وهذا ليس بخيال بل واقع يحتاج إلى دراسة ودقة في التطبيق، فكثرة المحطّات والفضائيّات الخاصّة ستشرع الباب للإنتاج الحقيقي، والإنتاج الأكثر إبداعاً، دون أن يتحكّم جانبٌ ما بالجوانب الأخرى، أو يسيّطر أحدها على الآخر، ويخرب على الجميع في النهاية.

لبنان ومصر
لنقارن التجربة في لبنان، والذي لم تأخذ فيه الدراما اللبنانيّة معالم واضحة إلى اليوم. إلا أن وجود قرابة 12 محطّة يساعد أي عملٍ يُنتج هناك إلى الاستمرار، والحضور ضمن الساحة الداخليّة فيه. بالانتقال إلى مصر يمكن اتضاح الصورة أكثر، فوجود قرابة 90 محطّة، هو مسألة غنيّة جداً للبيع والشراء، فلا يمكن أن يكون هناك عمل مصري خاسر، لأن السوق حيٌّ لديهم بسبب المحطّات الخاصّة والكثيرة.

سما
جعلتني هذه المقارنة أن أنظر للسوق الداخليّة في بلدي، فوجدتُ الكثير من الفقر فيها، فالمحطّة الخاصّة الوحيدة هي «سما». التي تسيطر بهذه الخصوصيّة في كلّ شيء، فهي من يتحكّم بذوق المتابع والمتفرج، وعلى الرغم من اجتهاد فريقها في التميّز، إلا أن وجودها كمحطّة خاصّة يتيمة في الميدان يجعلها تَعرض أي شيء، حتى لو كان دون المستوى، فالمتفرج السوري سيتابعها حكماً، أو لديه حلّ آخر بالهروب إلى محطّات خارجيّة خاصّة.

مقارنة
قادتني كلّ هذه المقارنات إلى تذكّر الخادمات اللواتي يأتين من الفلبين، واللواتي يخدمن في بيوت بعض السوريين. إنهنّ يعملن بشقاء، مقابل مردود مادّي بالنسبة إليهن مرضٍ جداً، ولربما ثروة بالنسبة لأخرياتٍ منهن. لكن ما الذي يدفع بهنّ للسفر من الفلبين إلى سورية للعمل؟! الجواب هو عدم وجود سوق عمل وفرص عمل لهنّ في بلادهنّ.

تابعة
تسافر الدراما السوريّة كالخادمة لمحطات الخليج وغيرها، لتخدم المتابع هناك، بل وتُنتج على حسب الذوق هناك، والذي غالباً ما يكون مختلفاً كثيراً عن القيمة الحقيقيّة التي يمكن للدراما السوريّة أن تقدّمها. متى إذاً سننتهي من دور هذه التبعيّة هل يليق بالدراما السوريّة التي قدّمت أهم الأعمال التاريخّية في تاريخ الدراما العربيّة، والتي جسّدت أهم الروايات التي أحبّها القارئ العربي، وصنعت تحوّلاً في الصورة الكوميديّة، وغيرها من أنواع الإنجازات التي تدل على التفوّق والتميّز، هل يليق بها أن تكون دراما تابعة!؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن