ثقافة وفن

يواظب على استبدال أو قتل الشخصيات … «باب الحارة».. «الدركي مزين فتوح» يثير حفيظة الحلبيين.. وأخطاء تاريخية ومغالطات فكرية

| وائل العدس

استغل القائمون على مسلسل «باب الحارة» إقبال الناس على الموروث للحياة السورية في فترة مقارعتها للاستعمار الفرنسي أوائل القرن الماضي، وحاولوا اللعب على عواطف الناس وحبهم للحياة الشامية القديمة لينتجوا جزءاً ثامناً ويتفقوا على إنجاز التاسع بعد عيد الفطر.
الجمل الحوارية في الجزء الجديد أصبحت مكررة وأداء البعض صار بالغ الاصطناع، والعمل من تأليف سليمان عبد العزيز، وإخراج ناجي طعمي، وبطولة: عباس النوري، وصباح الجزائري، ومصطفى الخاني، وكندا حنا، وميلاد يوسف، ووفاء موصللي، وشكران مرتجى، ومحمد خير الجراح، وآخرين.
وتدور أحداث الجزء الثامن خلال حقبة ثلاثينيات القرن الماضي، مع نقلة زمنية بحدود العام تقريباً، ضمن الإطار ذاته للحكاية وشخوصها، تلك الحكاية الشعبية التي تستوحي مفرداتها من التاريخ الاجتماعي لدمشق.
وطرأت على العمل بجزأيه الجديدين تغييرات كثيرة، ليس أولها استبعاد المخرج عزام فوق العادة الذي أنجز الجزأين الأخيرين، واستبداله بالمخرج ناجي طعمي الذي خاض عدة تجارب سابقة في الأعمال الشامية منها «طاحون الشر».
إضافة إلى ذلك عاد بسام الملا ليشرف على الإخراج بعد غيابه لجزأين، كما تم الاعتماد على كاتب واحد فقط هو سليمان عبد العزيز بعدما تشارك في تأليف الجزأين السادس والسابع مع عثمان جحى.

الخطوط العريضة

في الخطوط العريضة للعمل، يبدو «أبو عصام» أكثر انفتاحاً، ومواكبة لتطورات الزمن مقارنة بولديه، فيشجع «عصام» على أخذ عائلته إلى السينما، ويتفهم رفع ابنته «دلال» الغطاء عن وجهها، لكن علاقته بـ«سعاد» تشهد توترات جديدة، حيث تستمر في التصرف من دون الرجوع إليه.
يقع «عصام» في الحب، وتمر شخصيته بتطورات كبيرة وطريفة، ويعيش الكثير من المغامرات خارج حدود حارة «الضبع»، ونشاهده يتنقل على الدراجة، في حين تستمر المناكفات الطريفة بين زوجاته الثلاث اللواتي يضيق بهن منزله الصغير.
أما «العكيد معتز»، فيستمر في إخفاقه التجاري، وتتأزم علاقته مع «عبدو» ومع زوجته «خيرية» (قبل وفاتها) التي تشعر بالغيرة من محبته لـ«سارة»، والأخيرة تصطدم بعداء رجال الحارة لكونها «يهوديّة»، حيث يرفضون تعامل نسائهن معها، بعد أن تفتتح ورشة خياطة.
تعاني «دلال» كثيراً من زوجها «سمعو» الذي يصبح أكثر تشدداً، وتصبح الأجواء مشحونةً جداً بينهما إلى درجة تفوق احتمالها واحتمال عائلتها، وتمر شخصيتها بتحولاتٍ جذرية.
لا يتوقف «النمس» عن مشاكساته، وحيله، ولعبه على الحبلين، ونكتشف اسمه الحقيقي حينما يترشح للبرلمان، ويقع في حب «عيشة».
يبحث «أبو بدر» عن عمل جديد، ويحاول أن يكون «عامل ديلفيري» بمقاييس ذلك العصر، لكنه يفشل كالعادة، ويمر بمشكلة كبيرة مع زوجته «فوزية» يتولى حلّها «أبو عصام» وتتأذى «سعاد» بسبب ذلك كثيراً، لكن لا تلبث أن تعود المياه إلى مجاريها، بين الزوجين الطريفين بعد أن يتبدل حالهما كلياً بإرث خالته البالغ 5000 ليرة سورية.
يكشف «النمس» سر «كاعود» ابن «أبو ظافر» ما يضعه في موقف محرج أمام وجاهات الحارة، ويستمر الأخير بعدائه غير المعلن لـ«أبو عصام»، ونيته المبيتة بانتزاع الزعامة منه، ويتزوج «فريال».
تحل سلاف فواخرجي ضيفةً على العمل وقد ربطت النجمة السورية مشاركتها بتغيّر الرؤية الفكرية للعمل، والصورة التي يقدمها عن المرأة الشامية، وتؤدي شخصيّة «جولي» المحامية، وأستاذة الحقوق في الجامعة السورية، والناشطة بمجال حقوق المرأة، تتعرف إلى أهالي حارة «الضبع» عبر صديقتها «خالدية» (ندين تحسين بيك)، وتحظى بثقتهم، وتغيّر حياة «دلال»، و«شريفة» (ابنة أبو حاتم) ونساء أخريات، عبر توعيتهن لحقوقهن، وتشجعيهن على التعلم.
يدخل المهندس المعماري العائد من فرنسا «زهدي» (فادي صبيح)، على خط الأحداث في الجزء الثامن، ويكون لديه مشروع لتنظيم الحارة، لكن هذا المشروع ليس إلا واجهةً تخفي مطامعه بالتنقيب عن الآثار تحت بيوتها القديمة.
يذهب الشيخ «عبد العليم» للحج، وفي هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، يظهر الشيخ «فكري» (زيناتي قدسية) الذي يخفي وراءه سراً كبيراً، ويحمل فكراً متطرفاً، ويهاجم مثقفي الشام، ويقع تحت تأثيره بعض الشباب كـ«سعيد»، و«عبدو»، و«سمعو»، لكن وجهاء الحارة يقفون له بالمرصاد، ومنهم «أبو حازم» (عبد الهادي الصباغ) شقيق «أبو حاتم».
وبين الشخصيات الجديدة التي ظهرت «لبن» (كفاح الخوص)، و«البصارة فاطمة» (غادة بشور)، أما إحدى مفاجآت الجزء الجديد فهي عودة المغني السوري نعيم حمدي للظهور كممثل بشخصية «أبو فاروق».

وجوه بديلة
كما في أجزاء سابقة من «باب الحارة»، تم استبدال ممثلين يؤدون شخصيات معروفة بالمسلسل، ومنهم الممثل أسعد فضة «أبو ظافر» (بديلاً لأيمن زيدان)، روبين عيسى «دلال» (بديلةً لأناهيد فياض)، أريج خضّور «لطفية» (بديلةً لليليا الأطرش)، ريم نصر الدين «هدى» (بديلةً لراما الراشد)، ناهد الحلبي «أم حاتم» (بديلة لصباح بركات)، ويؤدي دور «العكيد معتز» الممثل الشاب مصطفى سعد الدين الذي ظلم نفسه قبل أن يظلم الشخصية حيث تحول إلى مجرد خيال بأداء ركيك، وحل جوان الخضر بديلاً لأسامة حلال بشخصية «بشير».

هفوات إخراجية
بعد ظهور الفنان محمد الشماط «أبو مرزوق»، في الحلقة السادسة من الجزء السابع في عزاء «نادية» على الرغم من اختفائه في الجزء السادس، أشرك الفنان عبدالهادي الصباغ في هذا الجزء بشخصية «أبو حازم» علماً أنه أدى دور الشيخ الضرير «فهمي» وهو الذي قتل في الجزء السادس على يد «الواوي».
وعادت الفنانة ناهد الحلبي بشخصية «أم حاتم» بعد أن قدمته في الجزء الخامس، واستبدالها بصباح بركات في السادس والسابع.
ويواظب المسلسل على استبدال أو قتل الشخصيات ومن أبرزها موت «أم ظافر» و«أبو حاتم»، و«أم بشير».
أخطاء تاريخية

لم يسلم من الأخطاء التاريخية، إذ يذهب عصام إلى سينما «أمية»، علماً أنها في زمن العمل كان اسمها «كوزموغراف» ولم يتحول اسمها إلى «أمية» إلا في منتصف عام 1946.
هذه السينما لم تكن الأولى في دمشق بل سبقها «سينما جناق قلعة» في حي الصالحية، و«سينما زهرة دمشق» في ساحة المرجة، و«سينما الفردوس» في الحجاز، و«سينما النصر» في سوق الناصري، و«سينما أوبرا العباسية» في شارع فيكتوريا، و«سينما الأمبير» في بوابة الصالحية.
وأيضاً وضع ملصق «تحت سماء دمشق» (1932) كأول فيلم سينمائي سوري، علماً أن «المتهم بريء» سبقه بالعرض عام 1928.

«تجحيش»
قرر القائمون على العمل هذا العام الخروج من الرتابة والروتين، فلم يجدوا أمامهم سوى «أبو بدر» و«فوزية» كي يخرجاه من هذا المأزق.
في الحلقة العاشرة فوجئ المشاهدون بمشهد طلاق «أبو بدر» من «فوزية» الأمر الذي اعتبره البعض غير منطقي، لأن الأخير معروف في الأجزاء السابقة بخوفه الشديد منها.
لاحقاً، أدخلوا في الحلقة الحادية عشرة، «أبو عصام» في القصة، فطلب «أبو بدر» منه أن يتزوج طليقته لمدة يوم واحد فقط من دون أن يمسها، كي يتمكن من إعادتها أو زواجها مرة أخرى، مبرراً ذلك بأن الشرع الإسلامي يقتضي ذلك.
إذاً استعجل وطلَّقها بالثلاثة، فحرمت عليه، والحل وفق الشرع أن «يجحّشها» رجل آخر، وبعد «التجحيش» يقع الطلاق منه، فيحقّ لها الزواج مجدداً من شريك العمر الذي لو طلّقها مرة أو مرتين لما وصل أحد إلى هنا، لكن للطلاق بالثلاثة حُكماً شرعياً آخر (كل ذلك جاء في سياق العمل).
القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي علق على بعض أحداث المسلسل فقال لـ«الوطن»: إن الطلاق المقرون بالثلاثة يعتبر بقانون الأحوال الشخصية السوري طلقة واحدة، علماً أن جمهور الفقهاء اعتبر أن مثل هذا النوع من الطلاق ثلاث طلقات، وبالتالي فإنها تحرم على الزوج المطلق إلا بعد أن تتزوج من غيره زواجاً طبيعياً، مشيراً إلى أن القانون راعى مصلحة الناس حينما أخذ بالرأي الأول.
وأكد أن قانون الأحوال الشخصية السوري مستمد من الشريعة الإسلامية وبالتحديد من المذهب الحنفي إلا أن ليس جميع مواده مستمدة بالمذهب المشار إليه مثل حالة الطلاق المقرون بالثلاثة، فالحنفية اعتبروا هذا النوع من الطلاق يقع ثلاثاً وهذا ما كان معمولاً به زمن الاحتلال الفرنسي لسورية.
وفيما يتعلق بموضوع المحلل أوضح المعرواي أن مسألة المحلل منهى عنه في الشرع وذلك بأن النبي صلى اللـه وعليه وسلم وصفه «بالتيس المستعار»، مضيفاً: إن القانون وحتى الشرع اعتبره زواجاً صحيحاً إلا أنه يبطل شرط التوقيت فيه، ضارباً مثلاً إذا قال الزوج الأول للمحلل «ستتزوجها وبعدها ستطلقها بعد أيام لتحليلها لي» فإن العقد صحيح إلا أن الشرط باطل فهي يجب أن تعيش معه حياة أبدية لأن من شروط عقد الزواج التأبيد.
وبين المعراوي أن الفقهاء في مسألة المحلل انقسموا إلى رأيين الأول قال إنه زواج باطل، والثاني إنه صحيح والشرط باطل، والقانون أخذ بالثاني لأنه يمكن إلغاء الشرط، مؤكداً أن المحلل يأثم ديانة على فعله لأن النبي صلى اللـه عليه وسلم نهى عنه بشكل واضح، مشيراً إلى أن ما تعرضه بعض المسلسلات حول هذا الموضوع لا يمثل رأي الشرع حتى ولا المجتمع، وخصوصاً بورود بعض المصطلحات المسيئة للرجل والمرأة مثل «جحش زوجة فلان» فهذه الألفاظ غير واردة في الشرع والقانون، ومن ثمَّ تشكل إهانة كبيرة للرجل قبل المرأة لأن الذي يطلق هذا اللفظ كأنه يقول للرجل «أنت جحش».
ولفت المعراوي إلى أنه لا يجوز للزوجة أن تعود لزوجها الأول بعد طلقها من الثاني إلا بعد أن يدخل بها، مبيناً: أن النبي صلى عليه وسلم حينما سئل عن ذلك قال بمعنى الحديث لا «تحل له إلا بعد أن تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها» أي إنه يجب أن تعيش حياة طبيعية مع زوجها الثاني وفي حال طلقها فإنه بهذه الحالة يحق لها أن ترجع لزوجها الأول.

كوميديا ساذجة
أثارت شخصية «الدركي مزين فتوح» (مصطفى المصطفى) حفيظة المشاهدين عموماً والحلبيين خصوصاً على اعتباره أدى دوره بلهجة حلبية مبالغ فيها وبكوميديا ساذجة جداً.
وفي هذا السياق كتب فارس شهابي عضو مجلس الشعب منشوراً عبر صحفته الخاصة على «فيسبوك» قال فيه: «قبل أن يسخر منتجو باب الحارة من لهجة أهل حلب وهم تحت القصف والمعاناة.. عليهم أن يراجعوا التاريخ جيداً ليتأكدوا أي المدن السورية كانت سباقة في المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، ولن ننسى الإساءة لدمشق والمرأة السورية لسبع سنوات».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن