قضايا وآراء

الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي… خلفياته وتداعياته؟

| د. صياح عزام

في الثالث والعشرين من شهر حزيران /2016/ صوّت البريطانيون لمصلحة خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي من خلال سؤال بسيط، لكنه غاية في الأهمية والتأثير على أوضاع بريطانيا وأوروبا بشكل عام، «هل أنت موافق على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟».
وقد نشرت صحيفة «ديرشبيغل» الألمانية مؤخراً تقريراً عدّه عدد من الباحثين تضمن مجموعة من الأفكار التي تتعلق بالاستفتاء المذكور وخلفيّاته، فماذا جاء في هذا التقرير بإيجاز؟
بداية، الخروج من الاتحاد الأوروبي يُعْرَف إعلامياً بـ«BRexit» يجمع الكلمتين «BRITAIN» أي بريطانيا و«exit» أي خروج. ولكن السؤال المهم هو: كيف وصلت بريطانيا إلى هذا الموقف؟ قبل الانتخابات البرلمانية في عام 2015 أعلن رئيس الوزراء «كاميرون» أنه سيُنفِّذ الاستفتاء إذا ما فاز حزبه، حزب المحافظين؛ وهو وعدٌ يلبي المطالب التي رفعها معارضو الاتحاد الأوروبي في الحزب لسنوات طويلة. أما (كاميرون) نفسه فكان يتمنّى أن يقرر البريطانيون البقاء في الاتحاد الأوروبي، وهذا ما دفعه إلى إجراء مفاوضات عديدة مع القادة الأوروبيين ليقدموا تنازلات تُغري بريطانيا بالبقاء في الاتحاد الذي تأسس عام 1993 مثل: تقليص المساعدات الواجب على بريطانيا تقديمها للأوربيين غير البريطانيين المقيمين فيها، وحريات أكبر للبنوك البريطانية حزب العمال كان يشن حملة انتقادات ضد كاميرون لأنه في رأيه يُعرض مستقبل بريطانيا للخطر، أما حزب المحافظين، فكان منقسماً بهذا الشأن (أي البقاء في الاتحاد أو الخروج منه).

دوافع الخروج:
والآن ما دوافع البريطانيين للخروج من الاتحاد؟
– يقول تقرير /ديرشبيغل/ «إن بريطانيا لم تكن تنظر لنفسها في أي وقت مضى باعتبارها جزءاً من كيان يجمعها بالدول الأوروبية».
– ومع أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق «وينستون تشرشل» قد دعا إلى نوع من (الولايات المتحدة الأوروبية)، إلا أن بلاده لم تكن مُتحمّسة للانضمام إلى أي كيان أوروبي موحد فهي لم تشارك في مفاوضات «الجماعة الأوروبية للفحم والصلب» في عام 1951، ولا في مباحثات تأسيس «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» التي أعقبتها والتي مهدت لتأسيس الاتحاد الأوروبي، بل أسست كياناً معارضاً لها حمل اسم «اتحاد التجارة الحرة الأوروبي» في عام 1960 مع ست دول أخرى، ولم تنضم إلى الجماعة الاقتصادية إلا بعد أن تدهور الاقتصاد البريطاني، وبعد أن ثبت تفوق «الجماعة» على الاتحاد الذي أسسته بريطانيا. ولكن هذه الصداقة لم تدم طويلاً أيضاً.
– أيضاً لم تنضم بريطانيا إلى اتفاقية «شنغن» والسفر بين الدول الأوروبية من دون تأشيرة في عام 1985، ولم تغيّر عملتها إلى «اليورو».
– كذلك من القضايا التي كانت تزعج بريطانيا بشأن سياسات الاتحاد الأوروبي، هي قضية الهجرة حيث ازداد تدفق المهاجرين من دول أوروبا الشرقية إلى بريطانيا، وهذا الاستياء من تدفق المهاجرين انتهى إلى تأسيس حزب سياسي حمل اسم «حزب استقلال المملكة المتحدة» الذي تزايدت شعبيته ليحصد 13 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة.

امتيازات بريطانيا
والجدير بالذكر، أن بريطانيا تتمتع بحقوق مميزة في الاتحاد الأوروبي دون غيرها من دول الاتحاد أهمها:
1- بعض قوانين الاتحاد الأوروبي لا تفرض بالضرورة في المملكة المتحدة، بل هي تختار ما ترغب في تطبيقه.
2- يحق لبريطانيا ألا تقدم مساعدات اجتماعية كاملة للمهاجرين إليها من دول الاتحاد الأوروبي.
3- لا تتعامل بريطانيا بالعملة الأوروبية الموحدة «اليورو» بل لها عملتها الخاصة.
4- تتمتع بريطانيا بسياسات مالية ومصرفية متحررة من قيود البنك المركزي الأوروبي.
5- بريطانيا ليست جزءاً من منطقة «شنغن» الخاصة بالتنقل بين الدول الأوروبية.
6- تستعيد بريطانيا ثلثي المساهمات التي تقدمها للاتحاد الأوروبي، لأنها لا تستفيد من الدعم الذي يقدمه الاتحاد للزراعة مثل الدول الأخرى في الاتحاد.
والآن، هل الجزر البريطانية كلها مؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبي؟
– تستفيد (اسكتلندا، وويلز، وإيرلندا الشمالية) من الدعم المالي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لبريطانيا بدرجة أكبر مما تستفيد منه «إنكلترا»؛ ما يجعل هذه الدول تميل إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي. أما (اسكتلندا) فسيكون وضعها أكثر سوءاً بعد الخروج، وستضطر إلى إجراء استفتاء شعبي على الاستقلال عن بريطانيا، فإذا وافق الاسكتلنديون على الاستقلال من بريطانيا، فستتقدم بطلب منفصل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
إيرلندا تتمتع بعلاقات اقتصادية قوية مع بريطانيا، لكن التجارة بين البلدين ستتدهور بنسبة قد تصل إلى 25% بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

آثار الخروج من الاتحاد الأوروبي على بريطانيا؟
– حرمان بريطانيا من ميزة كبرى وهي القدرة على الدخول إلى السوق الداخلي الأوروبي، حيث يجب على بريطانيا بعد الخروج الانسحاب من الأسواق الأوروبية في غضون سنتين، وبعد ذلك ستكون عودتها صعبة، أو أمراً مشكوكاً فيه، لأن دول الاتحاد ستخشى تنامي دعوات الخروج منه في دول أخرى.
– سيتوجب على بريطانيا أيضاً الدخول في مفاوضات منفصلة مع دول أخرى لتوقيع اتفاقيات للتجارة الحرة، وهو أمر قد يكون صعباً في الوقت نفسه.
– ستتأثر مكانة بريطانيا بشدة على الساحة الدولية سياسياً، إذ إن دول العالم تنظر إلى بريطانيا باعتبارها دولة لها صوت قوي داخل الاتحاد الأوروبي.
آثار الخروج على الاتحاد الأوروبي:
وفيما يتعلق بعواقب انسحاب بريطانيا على الاتحاد الأوروبي يمكن إيجازها بما يلي:
– بالطبع لم تعد بريطانيا قوة عالمية عظمى كما كانت من قبل، لكنها تبقى دولة مؤثرة قوية في الثقافة والاقتصاد والمجالات العسكرية، وسيكون الاتحاد الأوروبي أضعف وأصغر من دون بريطانيا، وسيضطرب التوازن السياسي الذي كان يضمنه وجودها مع ألمانيا وفرنسا داخل الاتحاد، لكن قضية أخرى مؤكدة تجعل انسحاب بريطانيا نذير خطر لجميع دول الاتحاد، حيث ستنمو الأصوات الداعية إلى الخروج من الاتحاد في دول أخرى غير بريطانيا في وقت حرج بالنسبة لأوروبا التي تواجه فيه أزمة اليورو وأزمة اليونان وديونها، وقضايا الهجرة والمهجرين واللاجئين.
هذا وستتأثر لندن العاصمة البريطانية بهذا الانسحاب بشكل خاص، لأنها تعد أكبر مقدم للخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي، حيث إن بنوكاً ومؤسسات مصرفية عالمية كثيرة تدير جزءاً من أعمالها من بريطانيا لضمان ما يُعَرف بـ«حقوق جواز السفر» أي أن تُنشئ فروعاً لها في لندن يسمح لها بالدخول إلى السوق الأوروبية كلها، ولكن بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد ستضطر هذه المؤسسات والبنوك إلى إنشاء فروع لها في دول أوروبية أخرى؛ الأمر الذي سيؤدي إلى هبوط بنسبة 50% في الخدمات المالية المقدمة من لندن إلى الاتحاد الأوروبي، أي خسارة /10/ مليارات جنيه إسترليني سنوياً.

آثار أخرى:
– وبالنسبة لأوضاع مواطني الاتحاد الأوروبي المقيمين في بريطانيا، حيث يبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين شخص يتمتعون بجميع الحقوق التي يضمنها الاتحاد الأوروبي لمواطنيه؛ هؤلاء ستتم مراجعة أوضاعهم بعد الخروج. كذلك بعد الخروج، سترتفع الأصوات باتجاه إجبار ثلاثة ملايين الأجانب هؤلاء على مغادرة بريطانيا، وهذا ما سيحرم البريطانيين أنفسهم من حق المعيشة والعمل في دول الاتحاد على مبدأ المعاملة بالمثل.
أخيراً تختتم المجلة تقريرها باستعراض أثر الخروج البريطاني على جارتها ألمانيا، وهما الدولتان اللتان تتمتعان بعلاقات ثنائية مُميزة تقود دفّة الاتحاد الأوروبي خصوصاً في السياسات الاقتصادية، حيث تدرك ألمانيا أن الاتحاد الأوروبي سيكون أضعف من دون بريطانيا، وسيؤثر هذا الخروج أكثر على رجال الأعمال في بريطانيا وألمانيا قبل كل شيء، حيث توجد أكثر من /2500/ شركة ألمانية في بريطانيا يعمل فيها /370 ألف/ شخص وتملك بريطانيا /3000/ شركة في ألمانيا. ولكن خروج بريطانيا من الاتحاد سيعود بفائدة على ألمانيا، حيث ستكون صاحبة النصيب الأكبر من التأثير والزعامة في أوروبا كلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن