الأولى

البحرين: الاستدراج السعودي لإيران

| بيروت – محمد عبيد

يبدو أن صلف النظام السعودي لن يقف عند حدود سياسية أو إنسانية أو حقوقية أو حتى سيادية. فمنذ دخول قوات هذا النظام أراضي البحرين تحت مسمى «قوات درع الجزيرة» وهو يعيث فساداً في الجسد الوطني البحريني على المستويات الأمنية والطائفية والاجتماعية في مواجهة استباقية خاسرة لمنع ارتدادات ما يمكن أن تحمله رياح التغيير البحرينية إلى المجتمع السعودي.
والأخطر أن النظام السعودي يضع مكونات مملكة البحرين السياسية من عائلة حاكمة ومعارضة معاً في سلة المواجهة الإقليمية ضد إيران. ذلك أنه مهما كانت نتائج الحرب الباردة القائمة بين الرياض وطهران في أكثر من ساحة عربية وإسلامية أو أياً كانت مخرجات التسوية المفترضة بينهما، فإنه بات من الصعب إن لم يكن من المستحيل تجاوز الأهداف التي حققتها حركة المعارضة الوطنية البحرينية وأبرزها منع النظام السعودي من فرض مَنطِقِه التقسيمي الطائفي على شرائح المجتمع البحريني والأهم إسقاط كل محاولاته لجر حركة المعارضة السلمية النبيلة إلى امتهان «العنف الثوري» وسيلة لتحقيق المشاركة السياسية لجميع شرائح المجتمع من دون تمييز ووفقاً لآلية دستورية شفافة قائمة على الانتخابات.
إلا أن اللافت أكثر هو قيام النظام السعودي بالاقتصاص من القوى والشخصيات الوطنية البحرينية المنفتحة على الحوار مع «العائلة الحاكمة» والتي نجحت لسنوات طويلة في ممارسة العملية الديمقراطية ترشحاً وانتخاباً وتكريساً للوحدة الوطنية بالتوازي مع إبقاء الحراك الشعبي مدنياً وتحت سقف مبدأ إعادة تكوين السلطة وليس الانقلاب عليها، وهو بذلك يهدف إلى جر الشارع البحريني المعارض إلى توسل العنف فتنجح بذلك في «شيطنته» وتصنيفه في خانة التبعية لإيران وتلقي الأوامر منها بهدف إثبات الدعاية السياسية السعودية بأن طهران تسعى إلى التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج لقلب الأنظمة فيها!
في حين أن أركان النظام السعودي كافة يتباهون في سعيهم لدعم المجموعات الإرهابية التكفيرية في سورية وفي تآمرهم مع الولايات المتحدة الأميركية والنظام التركي وحتى مع كيان العدو الإسرائيلي لإسقاط الدولة في سورية ومعها محور المقاومة، ناهيك بعدوانهم الإجرامي على الشعب اليمني وإرسالهم الانتحاريين المُفَخّخِين بالمتفجرات لقتل الشعب العراقي.
على أي حال، لم يكن النظام السعودي ليجرؤ على الإقدام على خطوة إسقاط الجنسية عن المرجع البحريني الشيخ عيسى قاسم لولا ثقة بعض قادته وفي مقدمتهم ولي عهد النظام ووزير حربه محمد بن سلمان بأن الاعتراض الأميركي لن يتجاوز الحث على مراعاة مبادئ حقوق الإنسان، على الرغم من أن مراجع ديبلوماسية أكدت أن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت تقريراً الأسبوع الماضي إلى الكونغرس تضمن انتقادات شديدة لنظام البحرين، إضافة إلى افتتاحيتي صحيفتي «الفايننشال تايمز والواشنطن بوست» اللتين دعتا الإدارة الحالية إلى تجميد تزويد هذا النظام بالأسلحة الأميركية.
من المؤكد أنه لا مصلحة لواشنطن في خسارة تابع ضعيف كالنظام البحريني شرع جُزُرَه لأسطول البحرية الأميركية الخامس وبالطبع لن تفكر في خسارة تابع أكبر كالنظام السعودي وهي على أبواب تزكيته كملك لهذا النظام بعدما تراجعت حظوظ الخيار السابق ولي العهد محمد بن نايف وبعدما أدى بن سلمان جميع فروض الطاعة خلال زيارته الأخيرة الرسمية والتي توجها بلقاء الرئيس باراك أوباما والحميمية التي برزت من خلال استقبال وزير الخارجية جون كيري له في منزله على غير العادة الأميركية المتبعة.
غير أن الأهم أن الإدارة الأميركية الحالية لم تكن لتفكر في خسارة أو إضعاف أي من أتباعها في المنطقة وهي على أبواب انتخابات رئاسية تحاول معها إسقاط عُرفٍ درجت عليه السياسة الأميركية بشكل عام لجهة تداول الإدارة بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي كل دورتين رئاسيتين وذلك عبر السعي للإتيان بإدارة ديمقراطية جديدة ومخضرمة، وفي وقت تعثرت فيه كل مراحل ما بعد الاتفاق النووي بينها وبين القيادة الإيرانية وفي مرحلة تتأرجح فيها علاقاتها مع الشريك اللدود والمستجد: روسيا.
قد تكون المصلحة الأميركية في دفع السعودية لاستدراج إيران، ولكن هل يمكنها تحمل تبعات هذا الاستدراج في حال قررت طهران الرد على هذا الاستدراج في الاندفاع نحو تغيير وقائع ميدانية على أكثر من جبهة إقليمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن