التطبيع الروسي التركي.. انعكاس إيجابي على الأزمة السورية ميدانياً وسياسياً
| الوطن- وكالات
أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، أمس، أول حديث هاتفي منذ إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية في سورية في تشرين الثاني 2015، وذلك في إطار مساعي تحسين العلاقات بين البلدين، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس بشكل ايجابي وسريع على الأزمة السورية، ميدانياً وسياسياً. وقال مسؤول تركي للصحفيين في أنقرة، وفق ما نقلت وكالة «أ ف ب» للأنباء: «انتهى للتو الاتصال الهاتفي مع الرئيس بوتين. أجرى الرئيسان محادثة بناءة وايجابية جدا، وسيصدر بيان قريبا» بهذا الشأن.
وأكد الكرملين المحادثة وقال: إن «بوتين عبر كذلك خلال مشاركته في حفل مدرسي في موسكو في وقت سابق الأربعاء عن تعاطفه مع تركيا بعد الاعتداء الذي أودى بحياة أكثر من أربعين شخصاً في مطار أتاتورك مساء الثلاثاء».
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: إن «بوتين قدم تعازيه لشعب تركيا إثر الاعتداء الإرهابي الوحشي».
ومن المقرر أن يجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين في الصين في أول لقاء ثنائي بعد أشهر من القطيعة، وفق ما نقلت «أ ف ب» عن مسوؤل تركي أمس طالباً عدم الكشف عن اسمه.
وأرسل أردوغان الإثنين رسالة إلى بوتين قالت موسكو إنها تضمنت اعتذاراً عن إسقاط الطائرة، وقالت أنقرة: إن أردوغان عبر عن «أسفه» للحادث في رسالته إلى بوتين وقال لعائلة الطيار الذي قتل برصاص من الأرض أثناء هبوطه بالمظلة «اعذرونا» لكنها لم تؤكد صراحة تقديم الاعتذار عن إسقاط الطائرة.
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، وفق ما نقلت وكالة «الأناضول» التركية للأنباء، إن الرئيس التركي، أعرب في الرسالة عن «حزنه العميق حيال حادث إسقاط المقاتلة الروسية» العام الماضي، مشيراً أن أردوغان قال في رسالته: «أتقاسم آلام ذوي الطيار الذي قُتل في الحادث، وأتقدّم بالتعازي لهم وأقول لهم: لا تؤاخذونا».
ويبدو لافتاً أن يعلن الكرملين عن المحادثات الهاتفية بين بوتين وأردوغان في الوقت الذي ما زالت فيه تلك المحادثات مستمرة وهذه سابقة في السياسة الإعلامية للكرملين، إن دلت فهي تدل أيضاً على اهتمام روسي بتطبيع العلاقات، وقطع الطريق على ما تتناقله وسائل الإعلام من أخبار ووجهات نظر قد تؤثر سلبا على التطورات الروسية التركية.
كما ذكر ديوان الرئاسة التركية، وفق ما نقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء، أن الرئيسين بوتين وأردوغان اتفقا على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيع العلاقات بين البلدين. وأكد الرئيسان الروسي والتركي أيضاً على أهمية التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتسوية الأزمات الإقليمية.
وشهدت العلاقات بين أنقرة وموسكو توترًا، على خلفية إسقاط الطائرة، حيث أعلنت رئاسة هيئة الأركان الروسية، قطع علاقاتها العسكرية مع أنقرة، إلى جانب فرض قيود على البضائع التركية المصدّرة إلى روسيا، وإيقاف تأشيرات الدخول للأتراك إلى روسيا وإيقاف الرحلات السياحية.
ويتوقع أن تنعكس عودة العلاقات بين موسكو وأنقرة بشكل ايجابي وسريع على الأزمة السورية، نظراً للتأثير الذي تمارسه كلا الدولتين فيها، سواء فيما يخص الوضع الميداني أو الوضع السياسي، فيما يتصل بالعودة إلى محادثات جنيف، وسينعكس تأثير عودة العلاقات ميدانيا على كامل الجبهات التي تمتد على طول الحدود السورية التركية حيث تعتبر أنقرة أن أي تحرك على طول هذه الحدود يمثل تهديداً لأمنها القومي.
ربما تقود عودة العلاقات إلى تخلي تركيا عن فكرة المنطقة العازلة نهائياً، وإلى إيقاف تدفق المقاتلين والسلاح إلى التنظيمات المسلحة في تلك المناطق، في مقابل ألا يحصل السوريون الأكراد على كيان سياسي في الشمال السوري، وأن يتم إيقاف معركة حلب التي تقض مضاجع أردوغان. من جهة أخرى قد يدفع التقارب الروسي التركي السعودية للعمل على التوصل إلى حل للازمة السورية، فيما إذا تراجع الدور التركي المتفق في نبرته وأساليبه مع الرياض.
ويبدو أن العزلة التي دخلت فيها تركيا مع دول المنطقة دفعتها لمراجعة حساباتها مع جيرانها في المنطقة. إذ تشهد علاقات تركيا مع محيطها فتورا، حيث تأزمت العلاقات مع القاهرة بسبب موقف الحكومة التركية الحازم ضد النظام المصري بعد الانقلاب على الرئيس المصري السابق محمد مرسي. كما لم تكن العلاقات مع طهران في أفضل حالاتها بسبب مواقفهما المتناقضة من الأزمة السورية. إضافة إلى الشد والجذب مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي بسبب أزمة اللاجئين.
ولما تأزمت العلاقات التركية الروسية فقدت تركيا توازنها في علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية، وصارت بحاجة لقوتها في مواجهة الروس، وبالتالي جنوح السياسة التركية للتوجهات الأميركية في الأزمة السورية، حيث ضعفت توجهات أنقرة في التعامل مع الأزمة السورية ولعب دور في حلها.
وبعد انتقال «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي في سورية والذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، إلى غرب الفرات والذي كان عبوره خطًا أحمر بالنسبة لأنقرة، وإن كانت تركيا أخذت ضمانات من الأميركان بإعادة التنظيم إلى مواقعه بعد هزيمة التنظيمات الإرهابية غرب الفرات، إلا أن المشهد السياسي وحالة العزلة النسبية التي تمر بها أنقرة، يعد كافيًا للأميركان بألا يقيموا اعتباراً لأنقرة، ما دفعها لإعادة علاقاتها مع موسكو للضغط على واشنطن، كما تصبح أكثر قوة في مواجهة الاتحاد الأوروبي الذي يبتز أنقرة في عزلتها.
كما أن عودة العلاقات بين أنقرة وإسرائيل دفع موسكو للقبول بالاعتذار التركي والإسراع في إعادة تطبيع العلاقات بينهما خشية من مرور أنابيب الغاز الإسرائيلية إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
وبذلك شكل التوجه السياسي الجديد في العلاقات السياسية الخارجية لتركية مسعى من قبل صناع السياسة التركية لفك العزلة النسبية التي تعاني منها أنقرة في علاقتها الخارجية، والتخلص من تداعياتها السلبية على الدور التركي في سورية والتي تخص بشكل مباشر الأمن القومي لتركيا، هذه الانعكاسات تجبر تركيا على إعادة برمجة توازناتها الأمنية فيما يتعلق بالأزمة السورية.