ثقافة وفن

خوفه من الزمن لم يمنعه من ابتداع الضحك وافتعال السخرية … رياض مرعشلي لـ«الـوطن»: منذ بداية الأزمة شعرت بالحزن الشديد وبالخجل من سرد النكت .. «صلحي الوادي» تلمَذنا في المعهد العالي على الالتزام والانضباط في المواعيد

| سوسن صيداوي

رياض مرعشلي دمشقي أصيل، ولد ومعه قلب كبير متمتع بالمغامرة والشجاعة، وهذا أمر طبيعي لأنه من مواليد دمشق-حي الشاغور، ترعرع في بيئة بسيطة عكست عليه جود الطيبة بالمعنى، فوالده كان مؤلفا للمونولوج، وشبّ مرعشلي حتى يكون سرُّ أبيه في المونولوج على التحديد، إضافة إلى قدرته التي ميزته عن أبناء جيله من الشباب، بأن يكون موسيقياً شاملاً بالغناء وبالتأليف وبالتلحين وبالعزف إضافة إلى التمثيل والإخراج، قام قبل دراسته للموسيقا بدراسة هندسة الكهرباء، لكن حبّه للفن والموسيقا منعه من متابعتها، واختيار المعهد العالي للموسيقا في مجال العزف على العود.

المرحلة… دراسية
أن يمتلك المرء القدرة على دراسة أكثر من فرع جامعي أمر جيد، ولكن في معظم الأحيان يأتي الإبداع والطموح الممزوج بالرغبة كي يُفاضل بينها، الفنان مرعشلي «كنت أدرس هندسة الكهرباء ووصلت إلى السنة الثالثة، وفي هذه الفترة كنت أدرس في المعهد العالي للموسيقا، ولكنني وجدت نفسي في النهاية غير قادر على المتابعة في الاثنين، كما كان من السهل عليّ الاختيار، فاخترت المعهد العالي في مجال العزف على العود، ولأنه كان علينا اختيار آلة أخرى فقمت باختيار آلة الفيولا».

القواعد تحد من الفطرة
هناك بعض الأشخاص ممن يجدون بأن القواعد تحدّ دائماً من فطرة كل ما ينطوي تحت ما يسمى إبداعا، وهذا رأي مرعشلي «أثناء دراستي في المعهد العالي صادفني أمر يمكنني أن أسميه «الحد من الفطرة في اللحن» فاللحن يأتي بالفطرة، ولأن المعهد يعطينا القواعد الناظمة للألحان والنوتات، الأمر يقتضي منا التعديل على بساطة اللحن الموضوع، سأوضح أكثر، عند حضور حفلات موزّعة سماعيا أو موشحا، يكون هناك إتقان وانسجام، ولكنّ العرض الموسيقي يفتقر إلى الروح، فتركيز العازفين يكون على القواعد والالتزام بدقتها، هذا أمر جميل، ولكن إذا عدنا لزمن الطرب الأصيل ففي عهد أم كلثوم لم يكن هناك «نوتات» يتبعها العازفون بل كان هناك «هارموني داخلية يتبعونها».

تعدد الاختصاص… يُفقد الهوية
أن يكون المرء متعددا للمواهب هو أمر نادر، وإذا شاءت الأقدار، أن يكون ناجحا رغم تنوعها، هذا هو الأمر الأكثر نُدرة والأكثر تعقيدا وصعوبة، وبالتالي تنوع المواهب وتعدّدها بين التأليف الموسيقي والتلحين والإخراج المسرحي وحتى العزف، لها حسناتها وسيئاتها، مرعشلي «هناك من اكتفى بمجال واحد في المعهد العالي كأن يكون اختصاصه العزف على آلة محددة، وطبعا هذا الموضوع له إيجابياته وسلبياته، فمثلا العازفون أبناء جيلي هم اليوم من أشهر العازفين، وكانوا يتدربون لمدة عشر ساعات في اليوم، وفي هذا الوقت كنت أتدرب مثلا على التمثيل في المسرح أو كنت أقوم بتأليف الأغاني وتلحينها أو أقوم بالإخراج في مسرح الأطفال، ومن ثم كنت أعود كي أتابع التدريب بالعزف على آلة العود والتي هي اختصاصي، برأيي كل هذا التنوع هو إيجابي وسلبي بذات الوقت، لأن هويتي غير محددة عند الآخرين فالبعض يعرفني كمخرج مسرحي أو ممثل، والبعض الآخر يجدني «مونولوجسيت»، في حين آخرين يرونني ملحنا أو مؤلفا موسيقيا، هذا التنوع يحتاج إلى تركيز كبير، وأحياناً أتمنى لو أنني ركزت واجتهدت فقط على اختصاص واحد».

فترتنا في المعهد… كانت محظوظة
دوام الحال من المحال ولكن التغيير لأجل الأفضل هو طموح منشود لكل من هو ساع رغم تغيير الظروف وتبدّلها، ودائما هناك عصر ذهبي أو عصر ازدهار مرتبط بكل مجال في كل مكان، مرعشلي «الفترة التي درسنا فيها في المعهد كانت محظوظة، فلقد كان لدينا خبراء أجانب للموسيقا الشرقية والغربية، كما كان هناك بشكل دائم ورشات عمل، وذات مرة جاء الموسيقار وعازف العود المشهور «منير بشير» في ورشة لتعليمنا العزف على آلة العود وكانت الورشة لمدة عشرين يوما، وتميّز عهدنا بالجو الذي يحتضن فيه كل من في المعهد سواء عازفون أم ممثلون، وبالمقابل كان هناك أمر سلبي، إذ لم يكن هناك قسم لتدريس الغناء الشرقي، ولكن رغم ذلك كان هناك أشخاص جادون بتقديم الأفضل وبالابتكار فمثلاً قام «سليم سروة» بتأليف فرقة أوركسترا وكانت تضم عازفين هم اليوم من أهم العازفين وأشهرهم في الساحة».

الخريجون الأصغر سناً…
أقل انضباطاً
العقلية وطريقة السلوك وحتى التفكير تختلف باختلاف الأجيال، الأمر الذي ينعكس على الثقافة وعلى التعاطي في مسؤوليات الحياة وواجباتها، رياض مرعشلي «موسيقيا هناك الكثير من الشباب الخريجين، ولكن من خلال التعامل مع بعضهم، هناك أمر نلاحظه نحن الخريجين الأقدم، وهو عدم الانضباط في العمل، سواء في المواعيد أو بحب الموسيقا أو العطاء من أجلها، وللأسف نجدهم يسعون للربح المادي، وطبعا بالإمكان الحصول على المادة من خلال جودة العمل الموسيقي والاجتهاد في سبيله، في حين دائماً يكون الالتزام واضحاً من زملائي الموسيقيين بالمواعيد أو بالبروفات، حتى إنهم يأتون قبل موعد البروفات، على حين الجيل الجديد من الممكن أن يأتي بعد انتهاء الحفل، هنا لا بد لي من أن أتذكر مدير المعاهد «صلحي الوادي» لقد تتلمذنا على يديه بأن نكون ملتزمين ونحترم المواعيد الدقيقة وأن نكون منضبطين مهما كان الظرف الذي يواجهنا، لقد كان قدوة لنا، والذي لا يمكنني نسيانه كان دائم الحضور في المعهد ابتداء من الساعة السابعة والربع صباحاً، والدوام الرسمي في الساعة الثامنة، وهيبته الكبيرة هي التي كانت تدفعنا من دون تردد سواء كنا طلابا أم خبراء موسيقيين لعدم النشوز عن الالتزام في مواعيد الحصص، لأنه بطبيعة الحال كان باب الفصل يُغلق ولا يمكن للمتأخر الدخول لحضور الحصة، ولكن هذا لم يُغيّب عنه الجانب الإنساني الكبير الذي كان يتمتع به، لأنه كان يجمع كل الطلاب حوله بما يحضره من مأكولات وحلويات بمناسبة أو من دون مناسبة».

حزن الأزمة.. أوقف «مزاج»
هناك فن لأجل الفن، وهناك فن لأجل الربح المادي وهناك فن يُقدم لأجل المرح، ولهذا السبب تم تشكيل «فرقة مزاج»، رياض مرعشلي «كانت الغاية والهدف من تشكيل فرقة «مزاج» لـبث الضحك، وكنا نقدم في عروضنا في مطعم، ونوعية الفن فيها غير معروف في سورية بعكس لبنان، وكان في وقتها مدة العرض أربع ساعات، مقسم على عدة فقرات مدة كل واحدة نصف ساعة تقريبا، وكان أعضاء الفرقة يقدمون الغناء الطربي، ثم هؤلاء الأشخاص ذاتهم، يقومون بتغيير ملابسهم ويقدمون فقرات أخرى كوميدية أو درامية، وأنا قمت من خلال فقرات الفرقة بتقليد فنانين وذلك بوضع كلمات جديدة على أغان دارجة ومعروفة، كما قدمت النكت والمسابقات، في ذلك الوقت كان من السهل ضحك الجمهور اختراق صمته المشدود إلى خشبة المسرح، ولكن وللأسف منذ بداية الأزمة صرت أشعر بالحزن الشديد وبالخجل من سرد نكتة، كما صرت أشعر بنوع من الذنب إذا قدمت شيئاً مضحكا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن