سورية وتجميع الخطوط
| مازن بلال
تسارعت ردود الأفعال على عودة العلاقات الروسية – التركية، ورغم أن الجغرافية السورية كانت مسؤولة عن التصعيد الحاصل بين البلدين؛ إلا أن السؤال يبقى عن إمكانية تجميع الخطوط السياسية من جديد فوق الجغرافية نفسها، فالتزامن بين الهجوم على شمال اللاذقية وتحسن العلاقات بين موسكو وأنقرة يمكن النظر إليه ضمن العديد من الاحتمالات، في وقت لم تقدم الخطوط العريضة للتفاهمات بين وزيري خارجية البلدين أي تصورات جديدة حول الأزمة السورية، وإذا كان من الصعب حدوث تحولات في المواقف الروسية، لكن موسكو تتحرك وفق سيناريو جديد يسعى لتغيير المعطيات الإقليمية، في حين يجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه مضطرا للتعامل مع ظرف إقليمي ومحلي؛ يدفعه باتجاه إستراتيجية آسيوية أو حتى «وسيط أورواسي» في ظل توترات في وسط أوروبا.
بالتأكيد فإن طبيعة العلاقات الروسية في المنطقة لا تنطلق من التفاصيل، وعلى الأخص في سورية حيث ينظر الكرملين إلى معركته فيها وفق أساس ينطلق من نقطتين:
– الأول: هو النموذج الدولي للعلاقات الإقليمية في ظل الحرب على الإرهاب، فالأزمة السورية بالنسبة له مرتبطة بالأمن القومي الروسي لجهة مكافحة الإرهاب، في حين يبقى الحل السياسي شأنا مرتبطا بتفاهمات سورية بالدرجة الأولى، وبنظام إقليمي قادر على دعم مهام الدول من أجل الوصول إلى الاستقرار.
– الثاني: نوعية المنافسة على «أوراسيا» في ظل هشاشة النظام الدولي من جهة، والحالة الصعبة التي يمر بها الاتحاد الأوروبي، وإعادة العلاقات مع تركيا مفصل مهم في استعادة التوازن لبوابة أوراسيا ابتداء من سورية ومرورا بهضبة الأناضول.
عمليا فإن «السيناريو» الروسي الحالي لا يمكنه تقديم مساحات جاهزة لحل الأزمة السورية، فهو يدخل ضمن نطاق تهيئة بيئة استقرار وتأثير، وينطلق من التعقيدات الحاصلة على الحدود السورية – التركية، فالتداخل الدولي يقدم مؤشرات عن إمكانية الصراع على هذا الحزام الذي يشكل مدخلا لإعادة رسم الشرق الأوسط؛ الأمر الذي جعل تركيا ضمن ضغط حاد وقلق من «حزام كردي» يغير من معطيات الصراع القائم، فأنقرة التي فشلت في التأثير القوي على امتداد سنوات خمس؛ أتاحت المجال لتدخل دولي أقوى وفي كسب حلفاء إقليمين مثل حزب «الاتحاد الديمقراطي».
السياسات الروسية اليوم تتمركز في عمق الأزمة السورية، فهي تشكل تحركا مختلفا في إدارة الصراع اعتمادا على رهانات في تكوين نظام أمن إقليمي بالدرجة الأولى، في حين تتخذ الولايات المتحدة من الحرب على الإرهاب مسارا لتكوين الدولة الإقليمية من جديد، فالنظام الدولي اليوم يعود إلى منطقة «المسألة الشرقية» التي كانت تبدأ من ملء الفراغ نتيجة ضعف السلطنة العثمانية، وهذه «المسألة» اليوم تتموضع في سد الفراغ الذي سيخلفه انهيار مناطق الإرهاب، فبينما ترى روسيا ضرورة تثبيت علاقات تضمن أمنا إقليميا أقوى، فإن الولايات المتحدة تبحث عن أحزمة جيوستراتيجية جديدة ما بين إيران وشرقي المتوسط، وتجميع الخطوط في سورية سيشكل حالة دولية قد تطول حتى يستقر النظام الدولي القادم.