خيار الضرورة الأميركي.. حاجة أم ازدواجية معايير..!؟
| عبد السلام حجاب
صحيح أن العالم تغير وأن قوى دولية ناهضة لن تتسامح مع العودة به إلى الوراء. لكن الصحيح أيضاً أن العالم يعيش على صفيح من الإرهاب، يمثل عنواناً للحرب خدمة لمصالح قوى فاعلة في أميركا والغرب الاستعماري وفي الكيان الإسرائيلي باعتباره الوجه الآخر للإرهاب.
وعليه ليس سذاجة سياسية القول بأنه من غير المفهوم لماذا يطلق مسؤولون أميركيون تصريحات تتناقض مع سياسات بلدانهم المعلنة في لحظة حرجة من توجهات التغير في الواقع الدولي. وهو ما بدا في شهادة أدلى بها أمام جلسة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، مبعوث الرئيس أوباما إلى ما سمي الحرب على تنظيم داعش الإرهابي. فهل كان غباءً سياسياً، وهو أمر مستبعد. أم إنه استرضاء لقوى داخلية، نافذة، أم إنها ترجمة واقعية لسياسة معايير مزدوجة في عكس اتجاه الحقائق السياسية والعسكرية التي يشهد العالم حركتها إلى الأمام في سورية والعراق وتداعياتها المحتملة في الإقليم والعالم. ما يوجب على أميركا الحاجة إلى خيار الضرورة استكمالاً للاستدارة الأميركية التي سبق أن بدأت في موسكو على خلفية انطلاق المحادثات بين لافروف وكيري لمرحلة نضجها السياسي لمحاربة الإرهاب على قاعدة القانون الدولي والتعاون الجاد والصادق مع الدولة السورية الشرعية. وقد أعلن الرئيس الروسي بوتين أن مستقبل سورية يمكن أن يغير مستقبل كل المنطقة، وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية واقعياً ومصيباً بقوله: «من الصعب القول ما الأسباب الداخلية التي دفعت بهذا المسؤول الأميركي للإدلاء ببيانه»!؟
لا جدال بأن أسئلة كثيرة يتزايد حضورها بتفاصيلها والشيطان فيها تجاه محاربة الإرهاب تطبيقاً لقرار مجلس الأمن 2253 وحقيقة من يغذيه بالمال والسلاح والمرتزقة عبر الحدود مع سورية كأنظمة الحكم في السعودية وتركيا وقطر- في وقت يصل الإرهاب حدود الانهيار بحسب اعترافات أميركية وغربية فأدخل أصحابه ورعاته نفقاً مظلماً، وصار البحث عن مخرج حاجة وضرورة، ما يعني أن الأسئلة المتداولة لن تبقى طويلاً من دون إجابات واضحة تجعل محاربة الإرهاب بكل مسمياته بعيداً عن الانتقائية والمعايير المزدوجة أولوية لا بد منها لفتح الطريق أمام استئناف العملية السياسية في جنيف للحوار بين السوريين الذين لم يبدأ بعد. ولعل ما يتم تداوله في قاعات الأمم المتحدة ومجلس الأمن يشي بإشارات تدلل على أن الحاجة للتخلص من الإرهاب تخطت خندق التلطي والمكابرة نظراً لواقعية المخاطر التي لا تستثني حتى أولئك الذين اختاروا النوم معه في غرفة واحدة، بحيث أصبح التسويف والألاعيب السياسية شكلاً لابتزاز يصب في خدمة التنظيمات الإرهابية وأطماعها الفاشية والفوضوية. وأكد الرئيس بوتين أن الإرهاب أصبح أكبر خطر يهدد الأمن الدولي مطالباً بضرورة التوحد لهزيمة خطر الإرهاب العالمي، وبعث الرئيس أوباما مقترحاً لمشاركة روسيا محاربة الإرهاب في سورية.
وليس بعيداً ما أكده الوزير لافروف في ختام لقاء وزراء خارجية الدول المطلة على البحر الأسود الذي حضره الوزير التركي على خلفية رسالة الاعتذار عن إسقاط المقاتلة الروسية سو24 فوق الأراضي السورية بـ«ضرورة الحيلولة دون استخدام الأراضي التركية للتسلل إلى سورية». وقال إنه تم الاتفاق على استئناف عمل فريق العمل الروسي التركي المعني بمحاربة الإرهاب. وإذا كان الإيحاء الأميركي أنجز فعلته في المرة الأولى فإن إيحاءً جديداً ليس غائباً عن رسالة الاعتذار التركي إلى الرئيس بوتين بل يمكن القول إنه يعكس أحد وجوه خيار الضرورة الأميركي الذي تقتضيه حاجة المصالح على حساب المعايير المزدوجة ولكن ما تزال في جعبة المشاريع السياسية والعسكرية الأميركية مصالح غير مستعجلة تدفع أميركا إلى المماطلة واللعب على هوامش قرارات مجلس الأمن ما يوفر لما تسمى معارضة الرياض إمكانية تقديم طروحات استفزازية لحل الأزمة في سورية وما يحوّل الاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية إلى دريئة للتصويب من التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي تصفها واشنطن «بالمعارضة المعتدلة» وفقاً لتصريحات لافروف وقال موضحاً: «إن إصرار واشنطن على تمديد المهلة المعطاة لها للانفصال عن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي تستهدف حماية الإرهابيين».
منطقياً إن السؤال المطروح. ماذا تنتظر أميركا لنقل خيار الضرورة وما تكشف عنه مؤشراته الأولية من مرحلة الإعلان المغلف بالأحاجي إلى التطبيق العملي؟ فهل تكون المحادثة الهاتفية الأخيرة بين لافروف ونظيره كيري هي خطوة في طريق طويل أم إن أميركا تريد الإبقاء على جعل القرارات الدولية ولا سيما القرار 2254 الخاص بعملية التسوية السياسية لحوار السوريين في جنيف رهائن لإرهاب ساخن بانتظار الانتخابات الرئاسية وهو انتظار ليس مضمون النتائج باعتباره لا يستقيم مع حسابات الجيش العربي السوري بدعم شرعي من الطيران الروسي بضرب الإرهابيين على اختلاف مسمياتهم بحكم تفويض القرار الدولي 2268.
وهو انتظار يلبي مصالح مثلث حلف الإرهاب السعودي التركي القطري الذي يريد مواصلة الرهان على الإرهاب. أم إن واشنطن تريد الإعلان عن خيارها في أيلول القادم خلال قمة العشرين في الصين ولن يكون مجدياً في سلوك خيار الضرورة الأميركي اقتراح التعاون لمحاربة الإرهاب في سورية الذي قدمته إلى روسيا وجاءت ردود الأفعال الروسية رافضة له. وبعد موقف وزير الدفاع شويغو الحاسم، أعلن رئيس لجنة الدفاع في الدوما الروسي أنه اقتراح تعاون وفق شروط غير مقبولة يشكل صلب أي تكتيكات أميركية. لافتاً إلى أن موسكو ترى التعاون والشراكة بشكل مختلف.
لا شك بأن أحداً موضوعياً لا يمكن أن يسعى لمناصبة أميركا العداء. وهي قوة دولية عظمى لكن أحداً من السوريين، المدافعين عن الحقوق الوطنية السيادية ويقدم الشهداء لتحرير كل شبر سوري لن يرضى بأن يكون تابعاً ذليلاً وخاضعاً لشروط الهيمنة الأميركية وأجنداتها الإرهابية الصهيونية مهما بلغت التضحيات وعليه أعلن الرئيس بشار الأسد «أن سورية ترحب بأي جهد لمحاربة الإرهاب على أن يكون حقيقياً وليس شكلياً أو استعراضياً. ومن خلال حكومتها الشرعية».
وقال مؤكداً في حديثه إلى قناة «إس بي إس» الأسترالية: «إن التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية يعني التحدث عن المصالح المشتركة ومناقشتها والعمل على تحقيقها، وليس عن مصالحها على حساب مصالحنا، تلك هي المسألة».