من دفتر الوطن

تراجيديا بتفاصيل سورية

| حسن م. يوسف 

بعينين مبللتين خرجت كما كثيرين غيري من فيلم «أنا وأنتِ وأمي وأبي» للمخرج المبدع عبد اللطيف عبد الحميد الذي كان عرضه الافتتاحي في اللاذقية يوم الخميس الماضي. تحدث عبد اللطيف عن مدينته ببساطته الآسرة تاركاً فيلمه يقدم نفسه للجمهور، وعندما قدمت له مديرية الثقافة طاقة من الزهر قام بلفتة رقيقة نحو الحب، الذي هو موضوع فيلمه وجوهر حياته وفنه عموماً، إذ أهدى الطاقة لزوجته مصممة الأزياء لاريسا عبد الحميد التي اختارته رفيقاً وعاشت عمرها معه بعيداً عن وطنها وأهلها.
يوصف عبد اللطيف عبد الحميد بأنه مخرج غزير الإنتاج، إذ تمكن خلال أقل من ثلاثة عقود أن ينجز أحد عشر فيلماً روائياً طويلاً جميعها من تأليفه وإخراجه، صحيح أن هذا الرقم قد يبدو كبيراً بمعايير إنتاج السينما الجادة في سورية والوطن العربي، فالراحلان شادي عبد السلام ورياض شيا لم ينجز كل منهما سوى فيلم واحد طوال حياته، إلا أن الرقم يبدو أقل من عادي بالمعايير العالمية.
أول ما استوقفني هو أن عنوان فيلم عبد اللطيف يتصادف مع عنوان رواية شهيرة للأديب الجورجي نودار دومبادزة «أنا وجدتي وإيليكو وإيلاريون»، والحق أن عبد اللطيف عبد الحميد لم يخف يوماً إعجابه بروح السينما الجورجية. التي تنبثق فيها الضحكة الطيبة من عمق الألم.
قبل نحو عقدين نشرت الباحثة الإنجليزية آندي ميدهيرست دراسة لافتة في الملحق الفني لجريدة الأوبزيرفر البريطانية بعنوان (الرائعون السبعة، يستمرون ويستمرون) وقد قالت في مقدمة بحثها: «لم تعد هناك أفكار جديدة، هناك طرق مختلفة لقول الأشياء نفسها» بعد ذلك تشير الباحثة إلى سبع حبكات أساسية تكمن في قلب أي نوع من الكتابة النثرية. وتورد تلك الحبكات من خلال أسماء أشهر الأعمال التي تعبر عنها. أولاً – حبكة روميو وجولييت. ثانياً -حبكة الطرف الثالث، ثالثاً-حبكة العنكبوت والذبابة. رابعاً-حبكة الضعف القاتل. خامساً-حبكة الصفقة الشيطانية. سادساً -حبكة كانديد أو انتصار البراءة. سابعاً -حبكة ساندريلاَّ.
وأنا أتفق مع هذه الباحثة فيما ذهبت إليه، فالفنانون الأوائل، اكتشفوا الحبكات الكبرى كلها، كما اكتشف الجغرافيون الأوائل القارات كلها، ونحن الآن، في الجغرافيا والفن، نعيش عصر اكتشاف التفاصيل!
في ضوء ما سبق يمكننا القول إن فيلم عبد اللطيف يعيد بناء حبكة روميو وجولييت بتفاصيل سورية، فعلى خلفية مشابهة من العداء داخل أسرة واحدة، نعيش في فيلم عبد اللطيف عبد الحميد قصة حب رهيفة تجري في ظل الحرب الراهنة التي تعصف بنا، بين الشاب طرفة الذي هو ثمرة زواج بين الداخل والساحل العابر للطوائف وللجغرافيا وبين الفتاة الدمشقية عفاف، وفي النهاية يتحالف الجهل والتعصب والكراهية ضد العاشقين السوريين ليواجها مصيراً لا يقل قسوة وإيلاماً عن مصير روميو وجولييت.
قبل نحو مئة وخمسين عاماً قال ليف تولستوي: «إن المهمة الحقيقية للفن في زمننا هي نقل الحقائق من مجال العقل إلى مجال الأحاسيس» وقد نجح عبد اللطيف عبد الحميد، عبر الاشتغال على التفاصيل الحميمة ونقلها إلى مجال الأحاسيس أن يجسد بنجاح الحالة المتفجرة التي تعيشها ثلاثة أجيال من أبناء سورية، لقد دخل عبد اللطيف عبد الحميد في حقل ألغام الواقع الراهن وخرج منه سالماً متألقاً بقوة الحب وبفضل أداء يامن حجلي، ومرام علي لدوري العاشقين، وأداء سوزان نجم الدين وسامر عمران لدوري الأم والأب، وأداء بشار إسماعيل، وحسام تحسين بك لدوري الجدين.
في الختام أتمنى على ممثلاتنا وممثلينا، وخاصة الشباب الذين في أول الطريق، ألا يحدثوا تغييرات عميقة في أجسادهم، من النوع الذي يصعب الارتداد عنه. فالممثل لا يعيش في العصر الراهن فقط، بل هو يتأرجح باستمرار بين مختلف الأزمنة والعصور، ومن غير المقنع أن نرى زنوبيا، مثلاً، وقد نفخت شفتيها ونتفت حاجبيها ورسمتهما بالتاتو!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن