القارة العجوز تزف كأسها إلى عريسها الليلة في باريس … الديوك لصيحة ثالثة والسيليكسيون لصناعة تاريخ جديد

| خالد عرنوس

تتزين أوروبا الليلة لتزف كأس أممها الكروية إلى عريسها الخامس عشر فتقام مراسم الأفراح على أرض ملعب فرنسا الدولي في سان دوني قرب العاصمة باريس والذي سيرتدي حلته الأجمل منذ نهائي مونديال 1998 ليكون لائقاً لكتابة مجد جديد بتاريخ القارة العجوز.
فبعد شهر عاشت فيه مختلف المدن الفرنسية على وقع أحداث نسخة 2016 عبر 50 مباراة حفلت بكل ما هو شائق ومثير والكثير من المفاجآت وصل منتخبا فرنسا والبرتغال إلى النهائي حيث سيحسم أحدهما أمر اللقب، فإما نشهد تتويجاً ثالثاً للديوك بحيث يلحق بكل من ألمانيا وإسبانيا في صدارة الفائزين بالبطولة الأقوى بين نظيراتها القارية، وإما يحقق السيلكيسيون لقبه الأول على صعيد البطولات الكبرى. كل ما سبق من البطولة أصبح من الماضي والليلة سننتظر بطل أوروبا الجديد الذي سيخلف اللاروخا الإسباني وإذا كانت التكهنات قبل انطلاق (فرنسا 2016) كانت تقول إن المنتخبين المتأهلين إلى مباراة التتويج مرشحان لبلوغها فإن أحداث البطولة أوحت بغير ذلك خاصة للمنتخب البرتغالي الذي سار على الطريقة الإيطالية بخطوات بطيئة نحو مواجهة سان دوني ما سيجعل نجمه رونالدو يجدد حلمه الضائع بعد 12 عاماً من الانتظار، وبالمقابل فإن تتويج الفرنسيين تحت قيادة المدرب ديديه ديشان سيمثل حدثاً خاصاً للأخير لكونه سيصبح الثاني بعد الألماني بيرتي فوغتس الذي سيتوج باللقب لاعباً ومدرباً.

على طريقة آتزوري 1982
لم يكن مشوار المنتخب البرتغالي نحو النهائي بالسهل على الرغم من الثبات عبر الأداء المتحفظ والأكثر ميولاً نحو الدفاع والخروج بنتيجة إيجابية بعيداً عن جمالية العروض وقوة الأداء المهاري للاعبي المدرب فرناندو الذين قدموا مباريات تجارية أتت أكلها في النهاية، ففي الدور الأول استذكر الجميع ما فعله منتخب إيطاليا عام 1982 عندما أنهى الدور الأول لمونديال إسبانيا بثلاثة تعادلات ولم يتأهل يومها إلى دور الـ12 سوى بفارق الأهداف عن الكاميرون قبل أن ينتفض منذ الدور الثاني وينهي البطولة بطلاً للعالم، واليوم فعل السيليكسيون البرتغالي الشيء ذاته مع فارق أنه نال بطاقة دور الـ16 بفضل نظام البطولة وبفضل مشاركة 24 منتخباً في النهائيات الفرنسية.
بدأ رونالدو ورفاقه منافسات المجموعة السادسة بالتعادل مع نظيره الآيسلندي بهدف لمثله وسجل له ناني ثم جاء التعادل السلبي مع النمسا ليزيد الأمور غموضاً للبرتغاليين مع إخفاق رونالدو بترجمة ركلة جزاء أضاع من خلالها الفوز مؤجلاً أمر التأهل، وفي المباراة الثالثة واجه الفريق الملقب بـ(برازيل أوروبا) متاعب جمة قبل أن يخرج بأسهل الحلول لحجز بطاقة ثمن النهائي بالتعادل مع نظيره المجري 3/3 وكان الأخير يتقدم دائماً وشهدت تلك المباراة الظهور الرسمي لرونالدو بتسجيله هدفين في حين سجل ناني الثالث.

أحكام الكرة
في أول أدوار الإقصاء عانى البرتغاليون طويلاً أمام الناري الكرواتي الأفضل ونجحت إستراتيجية المدرب بالوصول إلى التمديد وهناك نجح البديل كواريزما بتسجيله هدفاً غالياً على عكس المجريات كان كافياً لبلوغ ربع النهائي.
الخصم التالي كان البولندي وقدم الفريقان مباراة تكتيكية رفيعة المستوى لم يستطع أحد حسم الأمور في الوقتين الأصلي والإضافي فانتهيا سلباً ليحتكما إلى ركلات الترجيح التي ابتسمت للبرتغاليين بواقع 5/3، وفي نصف النهائي وجد المدرب فرناندو أن الصلابة الدفاعية ومحاولة الخطف هدفاً على غرار مباراة كرواتيا هو الحل الأفضل أمام فريق ويلزي لا يهاب الخسارة بعدما وصل بشكل مفاجئ إلى هذا الدور، وبالفعل نجح رونالدو وناني في خطف هدفين سريعين بفارق 3 دقائق مطلع الشوط الثاني ما سهّل المهمة وكان التأهل إلى النهائي بالطريقة الإيطالية.
على طريق الآباء
بالمقابل بلغ المنتخب الفرنسي بطريقة أفضل وأكثر توهجاً من نظيره البرتغالي مستفيداً من الأرض والجمهور وهنات بعض الخصوم في أحيان وعلى طريقة كل من يصل المباريات التتويجية فلابد من بعض الحظ والتوفيق في أحيان أخرى.
وعلى الرغم من أن الزرق (لو بلو) حققوا 5 انتصارات في 6 مباريات حتى الآن في البطولة إلا أن عدم الرضا الكامل ساد أجواء الفرنسيين خاصة على صعيد وسائل الإعلام والنقاد خاصة في الدور الأول الذي أنهاه متصدراً للمجموعة الأولى بفوزين وتعادل، الفوز الأول جاء بالافتتاح وبطريقة لم تخل من الصعوبة على حساب رومانيا بهدفين لهدف وكان باييه نجم الليلة بتسجيله هدفاً وصناعته للثاني الذي افتتح به غيرو أهداف البطولة.
التعادل مع سويسرا سلباً أمن التأهل إلى دور الـ16 لكنه لم يطمئن الجماهير الفرنسية المتعطشة لعروض كبيرة وانتصارات عريضة تذكرهم بأيام طيب الذكر بلاتيني وجيله الذهبي، وزاد التخوف من القادمات الفوز الصعب والمتأخر على ألبانيا الضيف الطارئ على البطولة بهدفي غريزمان وباييه.

صورة أزهى
انقلبت الصورة إلى ألوان أكثر نصاعة مع أدوار الإقصاء حيث أظهر أولاد ديشان رباطة جأش وقوة مطلوبة عندما تقدم عليهم الإيرلنديون بهدف مع الدقيقة الثانية فأعطت العودة بهدفي غريزمان كل الفرنسيين طمأنينة إلى حد كبير ولاسيما على الصعيد الهجومي وردة الفعل المناسبة.
ومن حسن حظ بوغبا ورفاقه أن خصمهم التالي كان الآيسلندي الذي وصل إلى مواجهة ربع النهائي وقد اكتفى لاعبوه نفسياً بالفوز التاريخي على الإنكليز فكان أن استسلموا بالنتيجة باكراً لتبلغ في النهاية 5/2 أثلجت قلوب المنتخب ومناصريه، وسجل الأهداف الفرنسية (غريزمان وباييه وبوغبا وغيرو 2)، إلا أن الهدفين اللذين هزا شباك لوريس شكلا علامة استفهام كبيرة على الرغم من توقيتهما بعد التقدم بالأربعة.
علامة الاستفهام والخشية من السقوط زالا مع تألق الفريق من الناحية الدفاعية والحارس لوريس في لقاء نصف النهائي أمام المانشافت وخاصة في الشوط الأول عندما كانت الأفضلية ألمانية، وبطريقة الفوز خطفاً نجح غريزمان في خطف هدفين قاد بهما (الإيكيب) للثأر من منافسه وفك عقدة ألمانية قائمة منذ مونديال 1958 ومسجلاً الوصول الثالث للديوك إلى نهائي اليورو.

الحكم لسان دوني
لقد نجح المنتخبان الفرنسي والبرتغالي بالنهاية في بلوغ النهائي وهو المهم حتى الآن بالنسبة لعشاق الفريقين ونجومهما والأهم بالطبع هو الفوز بالقمة والتتويج بالكأس الغالية، وبنظرة سريعة إلى وضع الفريقين نرى أنه من الصعوبة تفضيل أحدهما في المباراة التي يستضيفها ملعب سان دوني، مع التذكير بأن الورق يرجح كفة أصحاب الأرض لهذا السبب بالذات وبفضل الجماهير وأيضاً طريقة وصول كل منهما إلى لقاء التتويج.. يبقى الأمر نظرياً حيث الغلبة ستكون للفريق الأكثر توازناً بين الدفاع والهجوم وخاصة في الشق الأول الذي كان حاسماً في جل مباريات هذه النسخة، وعلى هذا الصعيد أثبت الفريقان قوتهما خاصة عندما يعود بيبي لقيادة دفاع السيلكيسيون وكذلك كارفاليو الصغير وكلاهما غاب عن نصف النهائي، ولا يقل الدفاع الفرنسي شراسة بحضور كوسيليني وأومتيتي (أو رامي) وإيفرا وسيسوكو، ولا ننسى تألق الحارسين لوريس وباتريسيو.

الأقوى والأغلى
وفي الخطوط الأمامية تبدو الكفة متوازنة بشكل كبير مع ترجيح الكفة الفرنسية مع كثرة الخيارات بين بوغبا وباييه وغيرو والهداف غريزمان وجينياك، وعلى الجبهة الثانية يقود رونالدو الكتيبة البرتغالية إلى جانب المخضرم الآخر ناني ومعهما الشاب الصاعد سانشيز والبديل الأساسي كواريزما ومن ورائهم موتينيو.
في الأغلب ستحضر التفاصيل الصغيرة التي طالما شكلت عاملاً حاسماً في المناسبات الكبرى لكن العمل الكبير هو الذي سيقدمه من على الخطوط المدربان، ديديه ديشان الذي نجح حتى الآن في تفادي المشاكل بعدما حورب بشكل علني على خياراته في البطولة، وعلى الرغم من وصوله إلى النهائي فإن خسارته ستضع رقبته على المقصلة، ومن حسن حظ ديديه الذي كان قائداً للمنتخب المتوج بطلاً للقارة في نسخة 2000 أن خياراته كانت صائبة حتى الآن، أما فرناندو سانتوس فيحسب له أنه لم يخسر في أي مباراة رسمية حتى الآن (13 مباراة، 9 انتصارات و4 تعادلات) وقدم رسوماً تكتيكية ناجحة أوصلت البرتغال إلى النهائي الثاني بتاريخه بعد 12 عاماً من إنجاز سكولاري وبقي عليه صنع التاريخ في ليلة قد تكون تاريخية للنجم الأعلى رونالدو.