اقتصاد

التشاركية مع أم من دون رقابة؟ … عبد الرؤوف: القانون لم يقدم أسساً واضحة تضمن رقابة حكومية فعالة

| محمد راكان مصطفى

أصدرت وزارة الصناعة مؤخراً قائمة تضم 27 شركة ترغب في طرحها للاستثمار وفق قانون التشاركية الذي صدر مؤخراً، ومن الشركات المطروحة للتشاركية شركة سكر تل سلحب في محافظة حماة، ومعمل خميرة شبعا بريف دمشق، والشركة الوطنية لصناعة الشمينتو ومواد البناء إسمنت دمر بدمشق، إضافة إلى شركة الرستن لصناعة الإسمنت ومواد البناء بحمص.
كما قامت الحكومة مؤخراً بتصديق عقد التشاركية المبرم بين شركة عدرا لصناعة الإسمنت ومواد البناء ومجموعة فرعون للاستثمار التجاري المحدودة المسؤولية لتأهيل إسمنت عدرا بقيمة 75مليون يورو.
عن الرقابة الحكومية على القانون رقم 5 لعام 2016 (قانون التشاركية) بين الدكتور رياض عبد الرؤوف الأستاذ المتخصص بالرقابة المالية في كلية الاقتصاد أن القانون لم يقدم أسساً واضحةً تضمن رقابة حكومية فعّالة على إجراءات التشاركية، ولا على المشاريع أو العقود التي تتم وفقاً له، علماً أن التشاركية قد تكون في مرافق وجهات عامة هي بالأساس أموال عامة لا بد من الرقابة عليها لضمان حسن استخدامها وفعّالية هذا الاستخدام.
كما أن الإطار التنظيمي والمؤسسي الذي وضعه القانون لم يلحظ مشاركة لأي جهة رقابية فمجلس التشاركية وفقاً للمادة 7 من هذا القانون يتألف من عشرة أعضاء يمثلون معظم المؤسسات والجهات العليا ذات العلاقة لكنه لا يضم أياً من المؤسستين المعنيتين بالرقابة في سورية وهما الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، علماً أن الهدف من إحداث مجلس التشاركية هو، بحسب المادة ذاتها، ضبط وتنسيق مشاريع التشاركية بين القطاعين العام والخاص في المجالات كافةً، ويبدو بديهياً أن أحد أهم أوجه الضبط والتنسيق يتعلق بالرقابة المالية والإدارية على هذه المشاريع.
وتساءل عبد الرؤوف حول الجهة التي ستقوم بتدقيق عروض المشاريع المقترحة للتشاركية ومن سيدقق عقودها وأنظمتها، ومن سيدقق أعمال المشاريع المشمّلة بالتشاركية ولاسيما أن إدارتها قد تكون بيد القطاع الخاص، وهل من سيقوم بعمليات التدقيق هذه يمتلك من الخبرة والكفاءة ما تجعله قادراً على القيام بها على أفضل وجه؟
وأن قانون التشاركية في المادة 8 أشار إلى إحداث مكتب التشاركية لدى هيئة التخطيط والتعاون الدولي للمساعدة وتقديم الخبرات اللازمة في عدة مناح ومنها تدقيق مشاريع التشاركية وعروضها وعقودها والأنظمة التي تحكمها، إلا أن مكتباً من الخبراء لن يكون قادراً، من الناحية المهنية والتنظيمية، على ضمان تدقيق فعّال ومستقل وشامل كما الحال لو تولّى الجهاز المركزي للرقابة المالية مثلاً هذه الرقابة ولاسيما أن الجهات العامة التي قد تكون بموضوع التشاركية تخضع بمعظمها أساساً لرقابته وبالتالي فهو الأدرى بها.
مضيفاً إنه حتى لو لم تكن هذه الجهات خاضعة لرقابته، أو كانت التشاركية بهدف إيجاد مشروع جديد وتشغيله، فسيبقى الجهاز المركزي للرقابة المالية بحكم تراكم الخبرات لديه هو الأقدر على تدقيق وضبط هذه المشاريع لأن عدم وجود رقابة صارمة، فعّالة، ودقيقة في هذا السياق قد يسمح بانسياب الأموال العامة والتكوين الرأسمالي المهم الموجود في شركات ومؤسسات القطاع العام إلى الجهات الخاصة الداخلة في مشاريع التشاركية.
وبين عبد الرؤوف إلى أن المادة 44 أحاطت بموضوع مشاركة الجهات العامة في أسهم شركة المشروع، وأن مشاركة الجهة العامة يمكن أن تكون نقدية أو عينية، وفي حال كانت هذه المشاركة عينية «يوضع العقار أو المنشأة أو المتجر اللازم للبنية التحتية للمشروع ولتقديم الخدمة بتصرف شركة المشروع طوال مدة المشروع، وفي مثل هذه الحالة يتم تقييم العقار والعناصر الأخرى الملازمة له من مكتب تدقيق مستقل ويشار إلى هذا التقييم في طلب العروض»، أي إن الجهات العامة يمكن أن تساهم في رأس مال شركة المشروع من خلال تقديم عقارات ومنشآت وبنى تحتية تستخدمها شركة المشروع في عملها، لكن تقييم مساهمة الجهات العامة العينية من الأصول المختلفة يتم بحسب هذا القانون، الشيء الذي يثير التساؤل، كما أنه من الواجب دراسة وتدقيق هذه التقييمات المعطاة لأصول القطاع العام من جهة ما معنية بالتدقيق، ولاسيما أن هذه التقييمات هي التي تحدد مقدار مشاركة الجهة العامة في رأس مال شركة المشروع.
موضحاً أن القانون قد أناط في المادة 65 منه، تدقيق حسابات شركة المشروع بمدققي الحسابات المستقلين فقط عندما أوضح أن تدقيق القوائم المالية لشركة المشروع يتم وفقاً للقانون 33 لعام 2009 وتعديلاته (وهو قانون تنظيم مهنة المحاسبة وتدقيق الحسابات في سورية) علماً أن ملكية شركة المشروع هي للجهات العامة وللقطاع الخاص، وكان من باب أولى أن يناط هذا التدقيق أيضاً بالجهاز المركزي للرقابة المالية إضافة إلى مدققي الحسابات المستقلين نظراً لوجود أموال عامة في شركة المشروع تستوجب الرقابة عليها من أجهزة الرقابة الحكومية.
وبين عبد الرؤوف أن القانون جاء ليسمح وينظم العلاقات التعاقدية بين جهة عامة وشريك من القطاع الخاص. ويهدف القانون وفقاً للمادة الثانية منه إلى تمكين القطاع الخاص من المشاركة في تصميم أو إنشاء أو بناء أو تنفيذ أو صيانة أو إعادة تأهيل أو تطوير أو إدارة أو تشغيل المرافق العامة أو البنى التحتية أو المشاريع العائدة ملكيتها للقطاع العام.
مشيراً إلى أن قانون التشاركية سيفرز أنماطاً من التعاون بين القطاعين العام والخاص لم تكن موجودة مسبقاً من حيث بنيتها التنظيمية ومن حيث القواعد والإجراءات الناظمة لها، وبالتالي فلا بد لأجهزة الرقابة الحكومية التي تمارس تدقيقها بشكل تقليدي أن تعمل على تطوير منهجيات عملها وتحديث الآليات والإجراءات الرقابية التي تعتمد عليها لأنها، بحسب ما أثبتته حالات الفساد والاحتيال المكتشفة، غير فعّالة ولم تكن كافية لمنع وقوع حالات الخلل هذه.
كما أنه على أجهزة الرقابة الحكومية أن تطور إستراتيجيات تدقيق ورقابة خاصة بعقود التشاركية والشركات التي قد تنتج عنها لتجاري ما سينتج عن هذا القانون من تغييرات في الهياكل التنظيمية التي قد تصبح مسؤولة عن تقديم جزء مهم من الخدمات والسلع في الاقتصاد الوطني لضمان الرقابة على الأموال العامة كجزء من عملية التنمية الاقتصادية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن