ثقافة وفن

دعونا نذهب إلى سورية

| د. اسكندر لوقا 

الذين يطالبون بالذهاب إلى سورية، هم الفرنسيون الذي كانوا يعيشون في سورية، في أربعينيات القرن الماضي، حلم جميل بكل تأكيد، لأن سوية، في كل زمان تبقى هي هي أرض الأحلام الجميلة، كما تبقى هي هي أرض الرخاء والنعيم. وكذلك ستبقى أبدا.
ففي سياق مؤتمر بوتسدام الذي عقده قادة كل من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي في عام 1945 لتقييم الأوضاع في الشرق الأوسط، بعد الحرب العالمية الثانية، يذكر رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل مخاطباً كلاً من زميله الروسي جوزيف ستالين والأميركي هاري ترومان بأن للفرنسيين في سورية مدارسهم ومعاهدهم وأن كثيرين من الفرنسيين يعيشون فيها منذ زمن طويل جداً.
ويذكرهم أيضاً بأن لدى الفرنسيين أغنية تقول «دعونا نذهب إلى سورية» وأن علاقاتهم بتلك المناطق تعود لعهد الصليبيين. وكأنه بذلك يبرر مطالبة الفرنسيين بالذهاب إلى سورية، ليس لسبب سوى الحنين إلى أرض الأحلام الجميلة والرغبات الوردية.
وإذا كنا لا نعتب على الفرنسي الذي يحب سورية ويريد الذهاب إليها أو العيش فيها، لاعتبارات لا تتصل بالطمع السياسي أو العسكري وسوى ذلك، فإننا نعتب على الإدارات الفرنسية التي عاشت على أرض سورية ولم تقدّر نعمة العيش فيها والاستمتاع بفصولها الأربعة التي يندر أن يراها المرء في أماكن أخرى في العالم، فضلا عن كونها مبينة على أرضية حضارية لا مثيل لها في العالم، أعطت البشرية ما لم يكن ممكنا أن تحظى به من غيرها.
لقد عاش الفرنسيون في بلادنا سنوات عدة كما نعلم، ولكن قياداتهم العسكرية بدءا من جورج بيكو «1918 – 1919»، وصولا إلى الجنرال بينيه «1944 – 1946» مرورا بقادة عسكريين آخرين وأكثرهم حضورا على الساحة الساخنة الجنرال غورو «1919 – 1922»، كانوا يعيشون على أرض سورية بعقلية غزاة ومحتلين فأورثوا بلدهم العار وأخرجوا من سورية تلحق بهم اللعنات. ولسوء حظ فرنسا، فإن زعماءها، إلى اليوم، يمارسون سياسة المستعمر ويحاولون العودة إلى مطلع القرن العشرين وكأنهم بذلك ما زالوا ينشدون العودة إلى سورية ولكن سورية لا تدعهم يأتون إليها بل تقول لهم صراحة: لا عودة إلى أرض الكرامة والكبرياء لأن شعبها خرج من مربع الخوف والتردد والخنوع إلى مربع قراره الوطني المستقل.
ولهذا الاعتبار تبقى الأغنية التي ذكرنا بها تشرشل، عالقة يتردد صداها في عقول المرضى من أحفاد الفرنسيين الذين يطلبون اليوم العودة إلى سورية لكن مدججين بسلاح الحقد لا أكثر.
وفي سياق هذه الإشارة إلى أغنية «دعونا نذهب إلى سورية» أتذكر قول الروائي والكاتب المسرحي الفرنسي تريستان برنارد «1866 – 1947»: إن الجاهل وحده الذي يعتمد فقط على أمله، وأما العاقل فاعتماده يكون على عقله.
ترى ألا تصدق هذه الحكمة على رئيس فرنسا هولاند وأفراد إدارته الحاليين؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن