تداعيات اقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
| د. قحطان السيوفي
ولد الاتحاد الأوروبي كأحد أهم التكتلات الاقتصادية العالمية في أعقاب الحرب العالمية الثانية كوسيلة للتخلص من إرث الصراعات العنيفة التي امتدت لقرون عديدة في أوروبا، بعد حربين عالميتين… ما دفع الأوروبيين لتبني سياسة التعاون كأساس للنظام السياسي الجديد.
هناك أسباب عديدة دفعت البريطانيين للتصويت مع الخروج من الاتحاد الأوروبي. منها: الاستثنائية البريطانية… والدخل الثابت، وسياسة التقشف ما بعد الأزمة وغيرها…. ومشاعر القلق المتعلقة بالهجرة وتدفق العمال من الدول التي تعاني صعوبات اقتصادية، والأهم كان الاستياء العميق من النظام السياسي والاقتصادي. بالمقابل (خروج بريطانيا زلزال سياسي هزاته الارتدادية تضرب في الاتجاهات كافة…) كما جاء في الفاينانشال تايمز كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قراراً بريطانيا، ولكنه كان صدمة عالمية. وستكون أقوى الآثار المترتبة على ذلك في بريطانيا نفسها. ومع ذلك ستهتز أيضاً أوروبا وباقي بلدان العالم وسينتج عنه أكبر انهيار للجنيه الإسترليني، أصبح من الواضح الآن أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يقسم فقط الاتحاد الأوروبي، بل سيقسم المملكة المتحدة نفسها. بالمقابل التصويت البريطاني يمثل جزءا من ظاهرة عالمية حديثة، تتلخص في ردود أفعال شعبية في السياسات الغربية.
ويمثل خروج بريطانيا أيضاً هزة عميقة للاتحاد الأوروبي، الذي يعاني أصلاً مشاكل عميقة. الاتحاد الأوروبي منقسم بحدة، حول أزمة اليورو، وحول أزمة الهجرة. وكان القرار البريطاني بالخروج من الاتحاد ضربة إضافية موجهة للثقة والتماسك في الكتلة الأوروبية. أصبح اليوم التفكك الكامل للاتحاد الأوروبي إمكانية حقيقية، وسيصبح الحفاظ على الوحدة الأوروبية أكثر صعوبة في عصر ما بعد خروج بريطانيا. فقد ساعد الخوف من الإرهاب بعد تكرار الهجمات الإرهابية في المدن الأوروبية على إذكاء التوترات السياسية والاجتماعية في أوروبا وفي رغبة بريطانيا في إنشاء بعض المسافة بين المملكة المتحدة وأوروبا القارية.
للقرار البريطاني آثار على أوروبا وأيضاً بالنسبة للاقتصاد العالمي. خروج بريطانيا حدث سياسي عالمي عمل على تصعيد عدم اليقين، ما جعل الأسواق في موقف سيئ. بالكاد تعافى العالم من الأزمة المالية التي تعرض لها في عام 2008، وستكون هناك الآن مخاوف من تجدد الركود في الاتحاد الأوروبي، الذي هو، بمجمله، أكبر سوق في العالم، ومن المرجح أيضاً أن يتم تفسير التصويت البريطاني على أنه جزء من رد فعل أوسع نطاقا للموجودين في الغرب الذين يشعرون بأنهم تم التخلي عنهم بسبب العولمة. وهم يطالبون بفرض قيود على الهجرة ويشعرون بارتياب متزايد في التجارة الحرة. من المرجح أن تحد تسوية قرار المغادرة من حرية حركة اليد العاملة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وأن تؤدي إلى إمكانية إعادة فرض تعرفات في الوقت الذي تغادر فيه بريطانيا السوق الموحدة. وأي تحركات كهذه ستراقب بحذر في جميع أنحاء العالم على أنها نذير محتمل لرد فعل أوسع نطاقا ضد العولمة. كانت حكومة المملكة المتحدة على الدوام صوتا للاقتصاد الليبرالي داخل أوروبا، ومن دون وجود بريطانيا، يصبح الاتحاد الأوروبي أكثر احتمالا لأن يتحرك نحو الحمائية. بالمقابل فإن دور الحي المالي في لندن باعتباره مركزا للتمويل العالمي أصبح موضع تساؤل الآن، نظرا لأهمية إمكانية الوصول إلى السوق الموحدة في الاتحاد الأوروبي بالنسبة لكثير من المؤسسات التي يوجد مقرها في لندن.
قبل الأزمة المالية في عام 2008، ربما كان للحي المالي كثير من التأثير بالنسبة للناخبين، لكن الضجة التي أثيرت ضد الشركات المالية القوية شكلت جزءا من الثورة المضادة للنخبة التي أشعلت وأثارت خطوة المغادرة.
تم قطع المفصل بين الاتحاد الأوروبي والقوى الناطقة باللغة الإنجليزية مع خروج بريطانيا، وربما هذا هو الحدث الوحيد الأكثر كارثية في تاريخ بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية. للوهلة الأولى أفضل خيار بالنسبة لبريطانيا قد يكون: العضوية في المنطقة الاقتصادية الأوروبية، التي من شأنها أن تسمح بعضوية السوق الموحدة. في أحسن الأحوال، قد تشارك المملكة المتحدة في منطقة التجارة الحرة في السلع، لكن الخدمات، التي تعتمد عليها، ستستبعد من السوق الموحدة وسيتم تقويض دور الحي المالي في التداول في الأصول المقومة باليورو. لقد حسم البريطانيون أمرهم وقرروا الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويصرون على العودة مرة أخرى إلى إغلاق حدودهم لمواجهة تحدياتهم الداخلية لتصبح الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس جزيرة على أطراف الأطلسي أضعف على الساحة الدولية.
ترى هل يمثل خروج بريطانيا ( انسحابا أو ابتعادا عن العالم ) كما جاء في الفاينانشال تايمز؟؟