قضايا وآراء

الكاستيللو وميدعا: من خطوط التماس إلى نقاط العزل

| عامر نعيم الياس

منذ أكثر من شهر نجح الجيش العربي السوري في فرض طوق ناري جوي على طريق الكاستيللو في عاصمة الشمال الذي يفصل الريفين الجنوبي والغربي لحلب المحافظة عن الأحياء الشرقية لحلب المدينة، التقدّم في مزارع الملاح وفي منطقة معامل الليرمون حوّل الكاستيللو إلى مصيدة موت للقطعان الإرهابية التي فككت معامل حلب وحرقت تراثها، ولا تزال ترتكب المجازر بحق المدنيين العزّل كرمى لعيون رجب طيّب أردوغان.
الجيش قطع الكاستيللو بالنار، وذكرنا على صفحات «الوطن» أن المرحلة الثانية لن تكون ذات جدوى إلا في حال تطبيق الحصار البري على الكاستيللو، حيث إسوارة العروس تعيد لتحيي آمال السوريين المرابطين داخل سورية بقرب النهاية والخروج من الاستنزاف، والأهم من ذلك منع سيناريو التقسيم.
مما لا شك فيه أن إنجاز حلب وقطع طريق الكاستيللو إستراتيجي بكل المقاييس بدءاً، وهنا النقطة الأهم، باتخاذ قرار التقدم الذي لا رجعة عنه، مروراً بحيثيات المعركة الدولية في سورية ومركزها حلب حيث رهان حلف شمال الأطلسي، وليس انتهاءً بمستقبل العلاقات الروسية الأميركية والتفاوض الدولي الإقليمي حول سورية في مرحلة ما بعد الرئيس الأميركي باراك أوباما. هذا الأخير الذي يبدو أنه غير مستعد لتقديم اتفاق لموسكو يرضي طموحها في المنطقة ويعترف بدورها في صياغة النظام الإقليمي على قاعدة الشراكة ثنائية القطبية.
يطرح العديد من علامات الاستفهام حول العلاقة التي تربط التقارب الروسي التركي، وغض الطرف الأميركي عن الإنجاز الذي تم تحقيقه في حلب، حيث لا يزال البعض يراهن حتى اللحظة على سيناريو غض الطرف الدولي والإقليمي مقابل مكتسب هنا وتعويض هناك، لكن في المعارك المصيرية والإستراتيجية لا مجال للتفاوض أو حتى مراعاة متطلبات الطرف المقابل، فالمهم أولاً البدء في المعركة وتغيير التوازن على الأرض عبر كسر الخط الأحمر الأكثر محورية لدى العدو، ومن ثم من الممكن العودة إلى العمل السياسي وبادرات حسن النية من الطرف الذي اتخذ قرار الهجوم. هذا بالضبط ما ينطبق على حلب التي شكّلت محور هدنة شباط المنصرم في سورية، تلك الهدنة التي أوقفت كامل العمليات الهجومية للجيش السوري والقوات الرديفة في مجمل الأراضي السورية، وتحديداً باتجاه نقطة الكاستيللو في ريف حلب الشمالي، لتي تعد الأكثر إستراتيجية في معركة حلب قاطبةً، فالحصار سيجبر الأطراف كافة على مراجعة حساباتها السورية، وفي حلب تحديداً يجبر الأطلسي على مراجعة حساباته، لكون معركة حلب هي معركة الأطلسي في سورية، وهي المعركة الإستراتيجية الكبرى لمحور المقاومة وفق تعبير السيّد حسن نصر اللـه.
لا قرار بالتعاون في ما يخص حلب حتى اللحظة، والتركي عاجز عن المواجهة المباشرة مع موسكو، اختار أن يضرب في ريف اللاذقية الشمالي، لكن الضرب في الكاستيللو أعقد وهو مرهون بعوامل صمود وفّرها التركي والسعودي للجماعات القاعدية في فترة الهدنة، لكن الهجوم المركز للجيش السوري، والتغطية الجوية النارية الكثيفة لسلاح الجو الروسي أرخى بظلاله على المشهد الحلبي.
إلى جنوب البلاد حيث دخل الجيش إلى بلدة ميدعا مستكملاً قضم قطاعات الغوطة الشرقية والاقتراب من دوما عاصمة ريف دمشق، حيث الثقل الحقيقي والمركزي للنفوذ السعودي في سورية ممثلاً بميليشيا «جيش الإسلام»، تمهيداً لتطويقها، فالجيش والقوات الرديفة يدركون أن تغيير التوازن الميداني له أولوية على ما سواه، وهو الضامن الوحيد للمرحلة الجديدة المقبلة مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، بغض النظر عن الإدارة الأميركية القادمة، فالمطلوب هو قلب الطاولة والاستعاضة عن خطوط التماس في بعض المناطق الإستراتيجية، وتحديداً في العاصمتين السياسية والاقتصادية، بنقاط العزل حيث فصل الخطر الإرهابي وتجفيف خطوط الإمداد، والاستنزاف المضاد لمحاولات فك الطوق التي لن تكون عشوائية، لكن مصيرها لن يكون أفضل من مصير ما جرى إبان طوق حمص منذ أكثر من عامين.
كاتب ومترجم سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن