ثقافة وفن

اليوم العالمي للموسيقا

| د. علي القيّم

يحتفل العالم في /21/ حزيران، من كل عام، باليوم العالمي للموسيقا، وتعد فكرة هذا العيد، فرنسية المولد، انطلقت بدعوة من وزير الثقافة الفرنسي «جاك لانج» في عام 1982، وعممت في أوروبا عام 1982، بعد أن تبنتّها المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» في العام نفسه، وانتشرت عالمياً بعد عام 1985، حيث يحتفل أكثر من /150/ دولة بهذا العيد الجميل، الغني، المتنوع، بهدف التقارب بين الشعوب، وتقوية التعارف والتعاون بين المؤسسات الموسيقية الوطنية والعالمية، وتشجيع المؤتمرات الموسيقية والمهرجانات والمسابقات واللقاءات بين عظماء وخبراء الموسيقا.
ويعد اليوم العالمي للموسيقا، مناسبة للتنافس، بهدف النهوض بالذوق الفني والثقافي بين الناس، من خلال التواصل والمشاركة، وتبادل الأفكار… فالموسيقا، تساهم بدور فعال وحيوي في خلق الأجواء الثقافية والحضارية التي يطرح في ظلّها العديد من المواقف والآراء والتوجهات الفكرية والثقافية، التي يبادر الجميع إلى محاولة جعلها مجالاً للتنافس والحضور، سواء من خلال الفعاليات والنشاطات الثقافية، أو وسائل الإعلام، أو مؤسسات الدولة المختلفة، التي تتنافس في تنظيم المهرجانات المختلفة، والخاصة بالموسيقا والحرف والتقاليد والعادات الموسيقية..
في كل سنة تختار لجنة عالمية من كبار الموسيقيين المعروفين، موضوع الاحتفال بشرط أن يساهم مساهمة فعالة في خلق الأجواء المساعدة على ربط الموسيقا بالجمال والثقافة والتربية والتذوق الفني والثقافي والحضاري والحوار بين الشعوب والأمم، وقد احتل موضوع «التذوق الموسيقي» الاهتمام الأكبر في عدة سنوات، لما له من أهمية كبيرة في النفاذ إلى أعماق العمل الفني، أي حصول اتصال وجداني بين العمل الفني والمتلقي، أو استحسان وتعاطف يسمحان بإدراك معنى العمل والكشف عن نواحي الثراء الفني فيه، ومظاهر الجمال التي يحتويها…
التذوق ليس تقبلاً ثقيلاً، سلبياً لعمل فني، بل هو تقبل وإعجاب قائمان على إدراك وتقويم، والأذواق لا تناقش، ولا تصح مناقشتها… فما يروق لفرد، قد لا يروق لآخر.. فالمتذوق قد يتأمل العمل الفني الموسيقي، ولا يبحث عن أسباب إعجابه أو عدمه، وهو كثيراً ما يعتمد على رأي النقاد.. أما هؤلاء فعليهم التأمل والتحليل العلمي، ليستطيعوا وضع تقويم علمي لما حققه المؤلف أو الملحن من حسن الصياغة، ووضوح المضمون، وترصيع العمل باللمسات الجمالية…
يرى نقّاد الموسيقا أن تربية التذوق الموسيقي، يستحسن أن تبدأ من مرحلة الطفولة، كوسيلة لإيقاظ الإحساس بالجمال الموسيقي تدريجياً، فيتفتح وينمو مع الطفل، ولذلك من الضروري أن نهيئ للطفل البيئة التي تتيح له أن يتلمس بنفسه مظاهر الجمال فيها، وبعد اكتساب الطفل أو الشاب هذه القدرة، يصل إلى مرحلة المقارنة بين الجميل والقبيح، وتعد عملية تكرار المعاينة للشيء نفسه، أو الاستماع للعمل الموسيقي نفسه، من أهم وسائل تربية التذوق، وتنمية الإحساس بالظواهر الجمالية، والأثر الكبير يأتي من البدء بالاستماع إلى أقل أنواع الموسيقا تعقيداً، أي المؤلفات البسيطة الصغيرة التي اصطلح الناس العاديون على اعتبارها جميلة…
إن التذوق الموسيقي، يمكنه أن يفتح المجال واسعاً أمام المستمع للغوص في معرفة الانفعالات التي تحدثها الموسيقا في النفس… وهي القادرة على الإمتاع، وإضفاء جو المرح والسرور… كما أنها بالمقابل قادرة على إحداث انفعالات مختلفة في النفوس… لا بل دبّ الاضطراب والتوتر إذا ما اقترنت بالنبرات القوية، والإيقاعات العنيفة الصاخبة المتنافرة في بعض الأحيان.. وهنا يبرز دور التربية الموسيقية، وما يمكن أن تلعبه في تعليم العزف على الآلات الموسيقية، وفي تكوين المستمع المثقف الواعي الذوّاق..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن