إرث ثقيل يواجه الفريق الاقتصادي … هل سنشهد تغيرات .. أم بقاء للمشهد الاقتصادي الصعب..؟!
| هني الحمدان
لم تفلح السياسات الحكومية السابقة في التخفيف من أثار الظروف الصعبة التي تمر بها سورية على المواطنين وأقصد هنا ما يتعلق بالشق الاقتصادي والمالي وانعكاس السياسات المتعلقة بهذين القطاعين على معيشة المواطن.
في الاقتصاد هناك من يخطئ ومن يصيب، ولا يمكن معالجة الاختلالات المزمنة والحديثة في الاقتصاد الوطني من دون الاعتراف بتلك الأخطاء التي ارتكبت سواء عن قصد أم غير ذلك.. فهو أي الاقتصاد خليط من السياسات والإجراءات التي تتخذها الحكومات على مدى سنوات، أصاب بعضها الفشل وبعضها النجاح، ولا يعني في الحالتين أن الأمور انتهت وتوقف العمل، جراء إخفاقات حدثت في هذا المرفق أو ذاك بقصد، أم بغير قصد، أو ربما كانت الظروف أكبر ما استدعى اتخاذ قرارات تركت استياءً وربما نفوراً وحالة من عدم الثقة.
بصراحة أكبر.. ترك قرار رفع أسعار المحروقات الأخير تداعيات على الأمن المعيشي للمواطنين، وباتت هناك حالة ثقيلة من التضخم التي انبعثت عن كلف الإنتاج في القطاعات الاقتصادية التي تشكل الطاقة نسبة كبيرة من مجملها، وانعكس تالياً على أسعار المنتج بشكل نهائي وصولاً إلى المستهلك الذي لم يرتفع دخله بما يتناسب مع معدلات التضخم.. التخوف هل ستستمر الحكومة الجديدة على نفس موال ما اتبعته الحكومة السابقة..؟ أم هناك آليات جديدة في التعاطي السليم مع قرارات اقتصادية ومعيشية..؟! كانت الكلمة التوجيهية للسيد الرئيس حاملة الكثير من الدلالات المهمة والتي تصب في خدمة المواطن وتسهيل الإجراءات وتخفيف الأعباء عنه… وهنا يأتي دور الحكومة والفريق الاقتصادي على برمجة تلك التوجهات المهمة على أرض الواقع وبما يريح المواطن ويقلل من فاتورة معيشته.
لا ننكر أن هناك جملة من التحديات الضاغطة وهناك إرث كبير من المشكلات التي ستواجه الفريق الاقتصادي، فهناك تغيرات شهدها الاقتصاد الوطني وانخفاض المردودية والخطوات البطيئة بمجالي الإصلاح المالي والإداري وغيرها من المسائل الشائكة الأخرى.. أمام وزير المالية الجديد مسؤوليات عديدة وإرث لا يحسد عليه، لكن لغة التفاؤل لابد منها بوقت تشتد الصعاب، فالوزير مأمون حمدان القادم من سوق الأوراق المالية ليس بشخص بعيد عن العمل المالي والمصرفي، شخص متمرس بالعمل المالي وقريب جداً من السياسات الاقتصادية والمالية، شغله لوزير المالية يضعه أمام تحديات كبيرة للغاية تتطلب منه إعادة تقييم بعض الإجراءات والسياسات التي كانت قائمة، لكي نرى بصمات فيها كما هو المأمول، هو من سيكمل تنفيذ الموازنة المالية الحالية، هو من سيتخطى بعض العثرات، فالظرف الذي يمر به الاقتصاد استثنائي يتطلب ذلك إدارة غير تقليدية وغير نمطية، تستدعي التوافق الحقيقي بين كل القطاعات التنموية وتعزيزها، وهذه مهام منوطة بوزير المالية بحكم سيطرته على الملف المالي.
بصراحة أكثر تركت السياسات المالية السابقة خللاً نتيجة العملية الجبائية البحتة التي كانت متبعة لمعالجة تشوهات الموازنة والحد من عجزها المزمن والمقدر في الموازنة للعام الحالي 621 مليار ليرة سورية.
ما أحدث ارتفاعاً بعجز الموازنة بوقت قلت الإيرادات «لأسباب قد يكون بعضها مبرراً» لجأت الحكومة إلى سياسة رفع الأسعار تحت مظلة ما يعرف بإزالة الدعم، علماً أن إجمالي الدعم الاجتماعي الوارد في موازنة العام الجاري كان 192 ملياراً مقابل مبلغ 232 ملياراً عام 2015، وكأنه أي الدعم خلل في الاقتصاد ولا يصح بقاؤه ومن هنا بدأت رحلة البحث عن الحلول والتي للأسف جاءت على حساب رقبة المواطن ومن ثم بدأ مسلسل ارتفاع الأسعار..!.
بدأت الحكومة بسحب بساط الأمان الاجتماعي أولاً بأول تحت ذرائع متنوعة «وكأن الدعم عقدة اجتماعية» للسياسات الاقتصادية، وبالفعل تأثرت شرائح كبيرة من المجتمع بعملية التراجع من دون أن يكون هناك عملية إحلال أو بدائل للشرائح تجنباً من وقوعها بانعكاسات سلبية ومن دون أن يتم التوسع بفرص الاستثمار أو فرص العمل.. فكانت النتيجة تأثيرات قاسية دفعها المواطن…! لم تفلح المالية بعد بتفعيل جهاز الاستعلام الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي بما يؤدي إلى الكشف عن المطارح الضريبية المخفاة، خطواتها تجاه مسائل تطبيق الفوترة والتراكم الضريبي والتسديد الإلكتروني لضريبة الدخل المقطوع وريع العقارات عن طريق وسائل الدفع الالكترونية الحديثة، ومعالجة القروض المتعثرة، والتأخير في تنفيذ آليات الربط بين الاعتمادات المرصدة والاعتمادات المنفذة. فالقطاع المالي والمصرفي لم يدعما إعادة حركة الإنتاج وتأمين التمويل اللازم لذلك.
إرث وزارة الاقتصاد ليس سهلاً والذي استلم زمام قيادتها الدكتور أديب ميالة، والمعلوم أن وزارة الاقتصاد تسعى بكل أجهزتها وحسب مهامها إلى الوصول لمبدأ يحقق الاستقرار التجاري والاقتصادي مستجيباً لمتطلبات التاجر ورضا المستهلك، وهذه المعادلة لم تتحقق بعد، أمام الوزير الجديد مسؤولية تعزيز الإنتاج الوطني وتطويره من خلال ترشيد الاستيراد وتعزيز الاقتصاد التنموي والإنتاجي، والعمل على تفعيل مكونات الاقتصاد بين القطاعات الثلاثة، ورسم إستراتيجية وطنية للتصدير وتعزيز المنتج الوطني.. كذلك إرث وزارة التجارة الداخلية ثقيل.. الأسواق والغلاء لهما قصة ذات طعم خاص، تجار يتلاعبون ويغشون، ومواد وسلع رديئة وعمليات احتكار وسمسرة، لم تتمكن من تأمين كامل الاحتياجات من السلع الأساسية وبالأسعار المناسبة. فلا التاجر راض ولا المواطن بل استغل الأخير أبشع استغلال..! لقد تراجع إنتاج النفط ولم يعد يلبي حاجة القطر لتنفيذ الاحتياجات هذا إرث ثقيل يواجه وزير النفط السيد علي غانم الوافد من محروقات، فهل يقدر غانم عبر إستراتيجيته وخططه على إنجاز إنتاج أكثر من 27 مليون برميل من النفط حسب ما ذهبت إليه خطة الحكومة السابقة وإنتاج 6 مليارات م3 من الغاز الطبيعي…؟ هل سيكمل المشوار.. أم هناك حسابات أخرى…؟!
عاد لوزارة الصناعة من جديد الوزير أحمد الحمو بعد ما تقلد المنصب سابقاً.. فهو ليس بغريب عما تعانيه الصناعة السورية بشقيها… وأكاد أجزم أن مسببات قصور الصناعة السورية لم تعد غير معروفة… شركات خرجت عن الخدمة ولا أحد يعرف أين السبيل والمآل….؟! شركات تئن وتستصرخ قلة الأيدي العاملة وهجرة العمالة…! شركات تحتاج لنيات مخلصة للعمل من أجل تبديد بعض صعوباتها البسيطة لتعود لها حركة الإنتاج.. إدارات مترهلة كانت وما زالت سببا في خسائر الصناعة.. فجوة كبيرة بين القطاع الخاص وغرف الصناعة والوزارة فغاب التنسيق وكثرت المشكلات!
أشكال العبثية في قطاع النقل تتمثل في أوجه عدة لا يمكن حصرها، لكن باستطاعة أي مواطن تلمسها عند مروره فقط بأي طريق ليكتشف سريعاً أي فجوة نعيشها في قطاع النقل، لا يوجد وسيلة نقل عام أو خاص تلتزم بمواعيد معينة لنقل الركاب وهذه أبسط قواعد تطوير النقل. ولا ننسى القصور في النقل الجوي والبحري…!
يبقى القول إن النجاح سيكون حليف الحكومة الجديدة إذا أحسنت العمل المبرمج والمدروس والذي يعزز مكانة الوطن والمواطن عبر تحسين المستوى المعيشي للمواطن وتعزيز الإنتاج الوطني والإصلاح الإداري ومحاربة الفساد في القطاعات جميعاً.