قضايا وآراء

معركة حلب وطبيعتها الإستراتيجية؟

| صياح عزام 

إن المتتبع للأحداث الجارية في حلب، ولاسيما بعد توقف الجولة الأخيرة من المفاوضات في جنيف، يلاحظ أن المعركة هناك تكاد تختزل الحرب الإرهابية الدائرة على سورية منذ أكثر من خمس سنوات، والبعض ذهب أبعد ذلك، مُعتبراً أنها معركة الإقليم بأسره، وهي بالفعل كذلك، إذ إن هناك دولاً عربية وأجنبية تزود المنظمات الإرهابية المسلحة الموجودة في حلب ومحيطها بالعتاد والمال والأسلحة، بدءاً من السعودية وقطر وتركيا، لتصبح المعركة ذات طبيعة إستراتيجية، حيث في ضوء نتائجها يتقرر ميزان القوى على الأرض، كما على مائدة التفاوض في جنيف وفيينا وغيرهما. ولهذا تعمل تلك الدول وسواها باتجاه زج كل ما تستطيع من سلاح ومقاتلين لدعم أدواتها الإرهابية في حلب ومحيطها. وبطبيعة الحال، فإن سورية التي تدافع عن شعبها وسيادتها وقرارها الوطني المستقل، يعمل جيشها والقوى المؤازرة له على عزل المسلحين في الأحياء الشرقية للمدينة حيث يوجدون الآن، ومواصلة التصدي للإرهابيين في الأرياف المحيطة بحلب وصولاً إلى الحدود التركية.
ولكن في الوقت نفسه تواصل سورية من جانب واحد الإعلان عن «الهدن» بين الوقت والآخر لمدد زمنية مُحددة، إلا أن الإرهابيين يخرقون هذه الهدن في حلب وغوطة دمشق وغيرهما من المدن والمناطق، بناءً على أوامر مباشرة من السعودية وتركيا وقطر.
وهناك معلومات مؤكدة بأن الأطراف الداعمة للإرهاب تعمل جاهدة لتحقيق أي مكاسب ميدانية على المحاور الساخنة، وتركّز على منع الجيش العربي السوري وحلفائه من تحقيق أي انتصار ذي طبيعة إستراتيجية، أو تسجيل أي خرق ملموس على جبهات القتال، وهذا ما كشفت عنه مصادر روسية مكلفة بمراقبة وقف الأعمال القتالية في سورية، حيث أوضحت هذه المصادر أن جبهة النصرة الإرهابية تسلمت مؤخراً أكثر من مئة صاروخ مضاد للطائرات وعشرات الدبابات عن طريق تركيا، الأمر الذي يشير إلى عزم رعاة الإرهاب على مواصلة المواجهات مع الجيش السوري والقوى المساندة له من أجل تحقيق مكاسب على الأرض.
تبدو الولايات المتحدة بعيدة نسبياً عن معارك حلب وريفها لانشغالها في دعم المعارك الأخرى في منبج وفي بعض أنحاء العراق، لكن الحقائق تؤكد أنها تراقب من كثب معارك حلب على مدار الساعة، ذلك أن مصادر أميركية وثيقة الاطلاع، أشارت إلى أن واشنطن ليست في عجلة من أمرها لحسم المعركة، بل هي مرتاحة للاستنزاف الدامي الجاري في حلب وخاصة الذي يصيب جميع الأطراف المتقاتلة، ويصب في نهاية المطاف في مصلحتها، لأنه ينهك الأطراف المتحاربة، أي إن واشنطن تعتمد إستراتيجية ينطبق عليها المثل الشعبي الدارج (فخار يكسر بعضو).
من جهة أخرى هي تطلب من روسيا الضغط على سورية لوقف ما تسميه القصف السوري للمجموعات المسلحة المعتدلة، وتؤمن الحماية لها، وبالتالي، يبقى الحال على خطوط التماس كما هو عليه.
لهذا كله، واستناداً إلى المعطيات السابقة، يقدر العديد من المحللين السياسيين والعسكريين أن المعارك في الشمال السوري ستتواصل على المدى المنظور، وقد تمتد حتى العام القادم، حيث تصدر الأوامر لمعارضة الرياض بمواصلة رفض الدخول في جولات جديدة للمفاوضات، ما دامت أدواتها لم تستطع إحداث تغيير استراتيجي ملموس على أرض المعركة، ليكون ورقة ضغط في عملية التفاوض، هذا مع استمرار العزف على وتر المطالبة بتسهيل إجراءات الإغاثة الإنسانية كما يسمونها، متجاهلين ما تقوم به المجموعات الإرهابية من النصرة وأخواتها من خرق لوقف الأعمال القتالية وقصف أحياء حلب بالقذائف الصاروخية المتطورة الذي يؤدي إلى المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين الأبرياء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن