الصفحة الأخيرة

«المخدوعون» برواتب ضخمة!

| حسن م. يوسف

يأمل الأميركان أن ينجزوا بالحرب الباردة ما عجزوا، هم وأدواتهم، عن تحقيقه بالحرب الساخنة، لذا يكثرون من إطلاق القنابل الصوتية بهدف الإرباك، فقد صرح مايكل هايدن، الرئيس السابق لوكالة المخابرات الأميركية، في لقاء مع قناة سي إن إن، قبل أيام، بأن «الذي نراه هو انهيار أساسي للقانون الدولي، نحن نرى انهياراً بالاتفاقيات التي تلت الحرب العالمية الثانية، نرى أيضاً انهياراً في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فيرساي وسايكس بيكو، ويمكنني القول إن سورية لم تعد موجودة والعراق لم يعد موجوداً ولن يعود كلاهما أبداً، ولبنان يفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة». والحق أن هايدن يمارس في كلام الأماني هذا، أقصى أشكال العهر، فهو يوحي أن الانهيارات الحاصلة تجري من تلقاء نفسها، لا بفعل أميركا وأدواتها!
وقد كانت وثيقة «وقفية راند» المعنونة: «خطة سلام من أجل سورية». هي أخطر القنابل الصوتية التي أطلق الأميركان نصفها أواسط العام الماضي ثم أطلقوا نصفها الثاني مؤخراً بعد عشرة أشهر.
صحيح أننا نعيش في عصر المفاجآت وخلخلة الثوابت، إلا أنني على الرغم من ذلك أوقن لأسباب كثيرة، بعضها واضح وبعضها لا يعدو كونه مجرد إحساس، أن مصير خطة راند هذه لن يكون أفضل من مصير مشروع الشرق الأوسط الكبير. الرامي لتفتيت سورية والمنطقة العربية والذي أعلنت كوندليزا رايس ولادته من بيروت عام 2006، ثم أجهضته المقاومة الوطنية اللبنانية في حرب تموز المظفرة. لكل ما سبق لن أتوقف عند خطة راند هذه بل سأتوقف عند تعليق واحد من رموز ما يسمى «المعارضة السورية» عليها.
أشار ميشيل كيلو في مقال له نشر مؤخراً إلى «ما يثير القلق والغضب حقاً» في الخطة الأميركية التي وردت في وثيقة راند، ورأى أن «تطبيق بقية بنودها يعني نهاية وطننا… الخ» وتوصل إلى أن «هيئات المعارضة وتنظيماتها أضاعت تماما الطريق… وأنها تتابع وهماً لم يعد له أي مرتكز أو مكان في الواقع الدولي والوطني، يسمونه «الحل السياسي وفق وثيقة جنيف والقرارات الدولية». وفي ضوء ما سبق استنتج كيلو أن هذا: «… يعني، أخيراً، أن «صديقنا الأميركي المخلص» نجح في الضحك علينا وخداعنا، طوال السنوات الخمس الماضية التي كنا في أثنائها في غفلةٍ أوقعتنا في حال من الغباء وسوء التقدير والفهم، ساقتنا إلى هاويةٍ تقدم لنا الخطة بعض تفاصيلها».
أحسب أن معظم (رفاق) كيلو سينزعجون كثيراً من هذه الاعترافات المتأخرة، وقد يدخلونه في حالة من انعدام الوزن! لكن هذا شأنهم.
الشيء الذي استفزني في كلام كيلو هو قوله إن الأميركان قد ضحكوا عليه، هو وجماعته، وخدعوه، والحق أن هذه كذبة كبرى. فشرط الخداع هو عدم معرفة المخدوع بحقيقة المخادع، ولو قرأنا كتابات ميشيل كيلو، وهي أكثر من الهم على القلب، لوجدنا فيها ما يملأ أكثر من كتاب عن طبيعة الإمبريالية الأميركية المعادية المخادعة الشريرة!
لا، يا سيد ميشيل، سامحنا في هذه. أنت وكل من يشبهونك، لم تكونوا يوماً مخدوعين بأميركا، فالمخدوع لا يتقاضى راتباً ضخماً ممن يخدعه! وسوف يجد لكم شعبنا الصفة التي تناسبكم.
أرجو ألا يفهم من كلامي هذا أنني أبرئ نفسي أو المخلصين من أبناء بلدي، فعندما تفشل أنت في إدارة شؤونك وموارد وطنك لما فيه مصلحتك وخير شعبك، سيقوم الغريب بدورك لما فيه مصلحته وخير شعبه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن