اقتصاد

أهو إخفاق أم عدم تناغم؟

| عامر شهدا

يعاني الاقتصاد السوري اليوم من التضخم والبطالة بشكل خطر إضافة إلى ضعف في السياسة النقدية التي من المفترض أن تكون المحدد الأول لنجاح الحكومة في القضاء على مثل هذه المشاكل حيث تم اعتماد النظام الاقتصادي الذي يعتمد على آلية السوق أي نظام الاقتصاد المفتوح أو الحر فقد تم التدخل المباشر من خلال طرح كميات من العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية، تم اتباع سياسة نقدية انكماشية من خلال سحب كميات من العملة الوطنية لخفض المعروض منها تبعها تغيير في معدلات الفائدة، هذه الإجراءات لم تستطيع أن تثبت سعر الصرف منذ عام 2012 ولغاية تاريخنا هذا. تبعها عدم تمكن القائمين على السياسة النقدية من بث الثقة بالعملة المحلية، وما لحق ذلك من قرارات كان لها أثر سلبي في العملة المحلية وعلى القطع الأجنبي. السؤال: هل النظام الاقتصادي في سورية نظام اقتصادي مفتوح يعتمد آلية السوق؟ وهل كان السوق قد نضج بشكل يسمح باعتماد مثل هذه الإجراءات؟ ما نعلمه أن النظام الاقتصادي في سورية نظام مركزي يفرض القيود في معاملاته الجارية من حيث الانفتاح الاقتصادي. ومثل هذا النظام يجعل الأسواق أكثر تجاوباً لأي إجراء وذلك بسبب سيطرة الحكومة الكاملة على الأمور النقدية. وما يساعد أيضاً على ضبط السعر أن سوق العملات الأجنبية صغير ومحدود. فطرح كميات مدروسة من القطع الأجنبي في السوق و(منع تهريب العملة أو خروج العملة المحلية إلى الخارج وطرحها بأسعار منخفضة ووضع القوانين المناسبة لمنع عملية إغراق العملة المحلية في الأسواق المجاورة. هذه الأمور مجتمعة كفيلة في حماية العملة المحلية)، والسؤال: بين عامي 2012 و2014 من لديه الرقم الصحيح للكتلة النقدية التي خرجت من البلاد عن طريق التهريب أو عن طريق اللاجئين؟ واقع الحال يشير إلى أن العملة المحلية أصبحت خارج نطاق السيطرة ما أفشل الإجراءات التي كانت تتخذ للحفاظ على سعر صرف ثابت، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه التدابير والإجراءات لا يمكن الاعتماد عليها على المدى الطويل لأنها تؤدي إلى انعكاسات سلبية على الاقتصاد كله وقد حصدنا انعكاساتها السلبية التي ترجمها ارتفاع الأسعار وذلك لعدم تزامن هذه التدابير مع سياسات اقتصادية تؤمن استقرار سعر صرف العملة وضبط الأسعار بشكل حقيقي.
ونتيجة التوغل بهذه التدابير والإجراءات والسياسات والافتقار إلى رؤية وسيناريوهات فإن السياسة النقدية خلقت العوالم المساعدة لهذه الانعكاسات السلبية، بدءاً من عدم تمكن المصرف المركزي من ضبط ومراقبة الكتلة النقدية التي طالما طالب خبراء بضرورة الإعلان عن كميتها ومراقبتها بشكل دقيق وذلك لتأثيرها في سعر صرف الليرة السورية. وما ساعد في تعميق المشكلة هو سوء الإدارة النقدية وبالأخص إدارة السيولة التي كانت سبباً في خلق مشاكل كثيرة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي وعلى سبيل المثال لا الحصر اعتماد شحن الفئات النقدية الكبيرة إلى المناطق المتأزمة من دون وجود رؤية لعودة نسبة كبيرة من هذه النقود إلى الخزائن، فالقاطنون في المناطق المتأزمة لا يدفعون ما يستحق عليهم من بدل خدمات للدولة كفواتير المياه والهاتف والكهرباء والضرائب وغيرها. فأين الكتلة النقدية التي تم شحنها إلى هذه المناطق وما مصيرها وما انعكاسات وجودها خارج نطاق الرقابة المصرفية؟ وبالتالي ألم يسهل إجراء شحن الفئات الكبيرة من العملة السورية شحنها إلى خارج القطر؟ رافق ذلك معاناة الاقتصاد السوري من تباطؤ في حركته الاقتصادية وشهد في الوقت نفسه ارتفاعات متكررة في المستوى العام للأسعار وانخفاض في حجم الطلب الكلي وتدهور في الإنتاجية أي هناك حالة ركود تضخمي، كل هذا يقودنا لطرح الأسئلة السابقة. مع لفت النظر إلى أنه تم مؤخراً استخدام الكتلة النقدية للتأثير في سعر الصرف لليرة السورية. وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال آخر وهو لماذا لم يتم استخدام أداة التأثير في الكتلة النقدية المتداولة منذ بداية التدهور النقدي في البلد؟ رغم الإشارة إلى ضرورة استخدامها بأكثر من مكان وأكثر من وسيلة. وأيضاً فمن مؤشرات سوء الإدارة النقدية هو الانقياد إلى اعتماد نظام سعر الصرف المرن ونظام سعر الصرف الثابت، إذ قام المصرف المركزي ضمن هذا النظام بالتدخل في سوق العملات الأجنبي بيعاً وشراء وذلك بهدف التأثير في أسعار صرف العملة واستبعد دور المصارف واعتمد مؤسسات صرافة. ورغم الضخ المستمر إلا أنه لم يتمكن من لجم ارتفاع سعر الصرف ولم يتمكن من مساعدة الحكومة على لجم الأسعار.
وهذه الإجراءات أدت إلى إضعاف دور المصرف المركزي في تنظيم وتوجيه الجهاز المصرفي والرقابة عليه وإلى إضعاف دوره في المحافظة على استقرار العملة المحلية ودوره في مكافحة التضخم والبطالة.
أعتقد أن تصحيح هذه الأمور يلزمه من ثمانية أشهر إلى سنة، يتم خلالها اتخاذ إجراءات من شأنها المحافظة على سعر صرف متوازن ومقبول يرافق ذلك تشريعات وقوانين مساعدة على دعم السياسة النقدية. ويتزامن مع وضع سياسات اقتصادية داعمة لسعر الصرف. وكل هذا يلزمه مجلس نقد وتسليف يضم خبرات مصرفية مشهوداً لها، ويخلق لها إطار تعاون مع المجلس الاستشاري بحيث يتعاون المجلسان على خلق تعاون وتناغم بين السياسة النقدية وقرارات مجلس النقد والتسليف وبين قرارات وسياسات وزارة الاقتصاد ووزارات أخرى. نتمنى التوفيق لحاكم مصرف سورية المركزي وأمنياتنا بالتوفيق للمجلس الاستشاري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن