أردوغان يتنفس الصعداء..!! … محاولة انقلاب عسكري فاشلة وغير محضرة جيداً.. وتوتر أميركي تركي.. ومطالب غربية بالتعامل مع الانقلابيين وفق القانون
| الوطن – وكالات
قامت مجموعة عسكرية في الجيش التركي بمحاولة انقلاب ليل أمس الأول أقل ما يمكن وصفها أنها كانت فاشلة وغير محضرة ومنسقة جيداً فاستمرت لساعات قبل أن تخمدها نيران المخابرات العسكرية والشرطة المحلية والجوامع التي كان لها الدور الأكبر في تأجيج الجمهور الديني الموالي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ودفعه إلى الشارع ليقف في مواجهة العسكر.
وفي حصيلة أولية تحدث رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم عن مقتل قرابة 160 شخصاً في المواجهات التي حصلت ليلاً إضافة إلى توقيف قرابة 2800 ضابط وعسكري من الانقلابيين، بينهم قائد الجيش الثاني، ومقتل 104 منهم.
وكان اللافت ذاك الصمت العالمي الذي ساد لساعات طوال فترة الانقلاب دون أن يكون هناك أي ردة فعل تدين أو ترحب، في حين بدأت المواقف تتبلور بعد وصول معلومات عن إفشال محاولة الانقلاب وعودة السيطرة لحزب العدالة والتنمية على مختلف مرافق الدولة. وبدا وكأن عواصم العالم كانت تريد لهذا الانقلاب أن ينجح والتخلص من أردوغان المزعج دولياً. وشارك الإعلام العالمي بكثافة وبأخبار تضليلية متعددة تجاه ما كان يحصل في الداخل التركي، ولعل الخبر الأكثر تداولاً على وكالات الأنباء الذي نقل عن مصدر عسكري أميركي، كان طلب أردوغان اللجوء إلى ألمانيا في حين كان في مرمريس ويستعد للانتقال إلى اسطنبول!!
ووفقاً لعدة مصادر داخل تركيا تحدثت معها «الوطن»، فإن توقيت الانقلاب بدا غريباً إذ حصل يوم جمعة وخلال فترة الإجازات الصيفية للطبقة الوسطى المناهضة لأردوغان الذين لم يتحركوا ولم ينزلوا إلى الشارع خلافاً لأنصار أردوغان، كما لم يسيطر المنقلبون على الإعلام ولم يقطعوا بث الانترنت والبث الفضائي، ولم يقوموا بتوقيف قادة حزب العدالة والتنمية والوزراء وكبار القادة السياسيين والعسكريين، وهذا أول ما يحصل عادة في الانقلابات العسكرية. وقالت المصادر: إن المساجد في كل المدن التركية كان لها الدور الأكبر في دعوة أنصار أردوغان للنزول إلى الشارع والوقوف في مواجهة العسكر، إذ كانت المنابر تكبر على مدار الساعات وتدعو المواطنين لرفض الانقلاب.
وكان اللافت أيضاً امتناع الأحزاب السياسية المعارضة لأردوغان تأييد الانقلاب العسكري وإصدارها بيانات تؤكد وقوفها مع المؤسسات المنتخبة ديمقراطياً. والساعة 11 و44 دقيقة من مساء يوم الجمعة، أعلنت وكالة «رويترز» للأنباء بخبر عاجل أن طائرات عسكرية وحوامات تحلق فوق أنقرة، وبعدها بدقائق أعلنت قناة «إن تي في» الرسمية التركية أن قوات الأمن أغلقت الجسرين فوق البوسفور. بعدها بدأت الأنباء تتوالى عن سماع إطلاق نار في أنقرة وعن وجود حوامات فوق عدد كبير من المدن التركية، وقرابة الحادية عشر ليلاً أعلن رئيس الوزراء أن البلاد تتعرض لمحاولة انقلاب وأن رد الحكومة «سيكون قاسياً».
في الحادية عشرة والنصف من ليل الجمعة، أعلن المنقلبون في بيان صادر على موقع القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تولي السلطة وضمانها النظام الديمقراطي وحقوق الإنسان والإبقاء على العلاقات الدولية كافة. الساعة 12 ليلاً قرأت مذيعة قناة «تي أر تي» بياناً منسوباً للانقلابيين يؤكد خلاله فرض القانون العسكري وفرض حظر تجول في البلاد. وقرابة الـ12 ونصف بعد منتصف الليل ظهر أردوغان لأول مرة من خلال برنامج «فيستايم» على قناة «سي. إن. إن تورك» ليقول: إن مجموعة صغيرة من العسكريين ينفذون انقلاباً وطالب الأتراك النزول إلى الشارع لمقاومتهم.
بعدها تسارعت الأحداث، وبدأت الحشود بالنزول إلى شوارع إسطنبول وسط معلومات وأخبار عاجلة تتحدث عن إطلاق نار وقصف على مقر البرلمان وسماع أصوات انفجارات، وقامت طائرة «إف 16» بإسقاط حوامة في أنقرة كانت تقصف مواقع حكومية.
وتعاقب كبار القادة العسكريين الذين يلزمون عادة التكتم الشديد ونادراً ما يتكلمون إلى الصحافة، على الاتصال طوال الليل بالمحطات التلفزيونية للتنديد بـ«عمل غير شرعي»، داعين الانقلابيين إلى العودة فوراً إلى ثكناتهم.
وقرابة الساعة الثالثة صباحاً أعلنت المخابرات العسكرية إخفاق الانقلاب وبدأت صور عسكريين يسلمون أنفسهم لقوات الشرطة تظهر وهبطت طائرة تقل أردوغان في مطار أتاتورك بإسطنبول وسط حشد من أنصاره بعد أن انسحبت الدبابات التي كانت تحاصر المطار.
بعد ذلك التوقيت كانت الأنباء تتوالى عن توقيف عدد كبير من الانقلابيين وعودة الأمور إلى طبيعتها، في حين أنه حتى صباح الأمس كان لا يزال هناك عدد من المواقع بعهدة انقلابيين إضافة إلى هبوط حوامة في اليونان وطلب طاقمها اللجوء السياسي.
وحتى صباح أمس لم تكن الأمور قد عادت كلياً إلى طبيعتها في تركيا لكن المؤسسات عادت جميعها للعمل. وخاضت قوات موالية للحكومة التركية معركة السبت لسحق ما تبقى من محاولة انقلاب عسكري.
وقام نحو 200 جندي كانوا لا يزالون متحصنين في مقر رئاسة الأركان في أنقرة بتسليم أنفسهم لقوات الأمن التركية وفق وكالة «الأناضول» التركية للأنباء.
وألقت طائرة صباح السبت الباكر قنبلة قرب القصر الرئاسي في العاصمة، فيما قامت طائرات حربية من طراز «إف 16» بقصف دبابات للانقلابيين في جواره، حسب الرئاسة التركية. وحسب مراقبين لف توتر عميق العلاقات بين تركيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، وبالأخص الولايات المتحدة. واتهم كل من أردوغان ويلدريم رئيس حركة «غولين» الداعية فتح اللـه غولين بالوقوف وراء الانقلاب.
وأعلن يلدريم بموقف لا لبس فيه أن من يوفر الحماية لغولين، الذي يتخذ من بنسلفانيا الأميركية منفى اختيارياً له، «ليس صديقاً لتركيا بل هو في حالة حرب معها»، وطالب بتسليمه للسلطات التركية.
لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري نفى وجود طلب تركي بهذا الصدد مطالباً السلطات التركية بالأدلة على تورط غولين، عارضاً تعاوناً أميركياً في التحقيق الخاص بالانقلاب.
ولم يقتصر التوتر على ذلك، حيث فرضت السلطات التركية طوقاً أمنياً حول قاعدة «أنجرليك» التي تنطلق منها طائرات التحالف الدولي لقصف مواقع تنظيم داعش الإرهابي، ما أجبر واشنطن على تعليق الضربات، حسب ما أكد مسؤول أميركي لوكالة الأنباء الفرنسية. لكن المسؤول عزا التعليق إلى «إغلاق تركيا لمجالها الجوي». وجاء هذا الإعلان مترافقاً مع عقد الرئيس الأميركي باراك أوباما اجتماعاً مع فريقه للأمن القومي لبحث الوضع في تركيا.
وقال القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان التركية أوميت دوندار: إن القوات المسلحة عازمة على إقصاء عناصر «الهيكل الموازي» (في إشارة إلى مؤيدي غولين) عن مناصبها.
ونفى غولين الاتهامات بأنه لعب دوراً في محاولة الانقلاب وقال في بيان وفق وكالة «رويترز» للأنباء: إنه يدينها بأشد العبارات، وأضاف «بوصفي شخصاً عانى في ظل انقلابات عسكرية عديدة خلال العقود الخمسة الماضية.. فإن من المهين على نحو خاص اتهامي بأن لي أي صلة بمثل هذه المحاولة. وأنفي بشكل قطعي مثل هذه الاتهامات». وستكشف الأيام المقبلة مزيداً من التفاصيل حول ما حصل ليلة 16 تموز، وخاصة أن أردوغان سيحكم تركيا الآن بقبضة حديدية ويتخلص من كل من كان يقف في مواجهته، فتهم الخيانة باتت جاهزة لآلاف الأتراك.
وسارع أردوغان إلى اتهام مدبري الانقلاب بمحاولة قتله ووعد بتطهير القوات المسلحة. وقال: «سيدفعون ثمناً باهظاً لهذا. هذه الانتفاضة هي هدية من اللـه لنا لأنها ستكون سبباً في تطهير جيشنا». كما طالب أنصاره بالبقاء في الشوارع إلى حين استعادة الهدوء في البلاد. وكتب على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «علينا أن نبقى مسيطرين على الشوارع (…) لأنه ما زال من الممكن قيام موجة تصعيد جديدة».
وبدا أن عملية التطهير تتجاوز الجيش. فقد ذكرت محطة «إن. تي. في» التلفزيونية نقلاً عن قرار للمجلس الأعلى للقضاة والمدعين أن السلطات عزلت 2745 قاضياً من مناصبهم.
وبعد ساعات من المحاصرة والقصف من القوات الانقلابية والانفجارات عقد مجلس الأمة التركي (البرلمان) أمس جلسة استثنائية لبحث محاولة الانقلاب، وسط وحدة غير مسبوقة أظهرتها قادة الأحزاب التركية.
وقد يؤدي إخفاق محاولة الانقلاب إلى زعزعة استقرار بلد عضو في حلف شمال الأطلسي يقع بين الاتحاد الأوروبي والفوضى في سورية في الوقت الذي يستهدف فيه انتحاريون من تنظيم داعش المدن التركية وفيما تخوض الحكومة حرباً مع انفصاليين أكراد.
وفي هذا السياق، عبرت موسكو عن قلق بالغ بشأن الأحداث داخل تركيا. وقالت وزارة الخارجية الروسية إن الاضطرابات في الجارة الجنوبية لروسيا «تهدد الاستقرار الإقليمي» ودعت السلطات التركية لإيجاد حل للوضع من دون عنف وفي إطار دستور البلاد.
وذكرت وزارة الخارجية أن روسيا تؤكد استعدادها للعمل مع القيادة الشرعية في تركيا وخصوصاً فيما يتعلق بالتصدي للإرهاب. مع ذلك أشار رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إلى أن محاولة الانقلاب تظهر أن هناك خطأً كبيراً في المجتمع التركي، مؤكداً أن «ما حدث يظهر أن هناك تناقضات شديدة طفت على السطح في المجتمع وداخل جيش الجمهورية التركية». وفي المقابل، قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي أنه صدرت أوامر لمسؤولين لمساعدة المواطنين الروس على العودة للوطن في أسرع وقت ممكن.
وذكرت وكالة أنباء «إيتار تاس» الروسية للأنباء أن شركات طيران روسية علقت الرحلات الجوية إلى تركيا. وكذلك حذت حذوها العديد من الدول وشركات الطيران العالمية والإقليمية.
خليجياً رحبت السعودية بعودة الأمور إلى نصابها بقيادة فخامة الرئيس أردوغان وحكومته المنتخبة، وفي إطار الشرعية الدستورية، وفق إرادة الشعب التركي، وذلك في حين هنأ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني «(أردوغان) على التفاف الشعب التركي الشقيق حول قيادته ضد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل». وكذلك هنأ أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الرئيس التركي على «انتصار الديموقراطية».
وأعربت واشنطن عن دعم الحكومة التركية المنتخبة. وقال كيري: إنه اتصل بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو وأكد «الدعم الكامل لحكومة تركيا المدنية المنتخبة ديمقراطياً والمؤسسات الديمقراطية».
ومن لوكسمبورغ، أعرب الوزير الأميركي عن أمل واشنطن في «أن تكون هناك عملية دستورية وآلية قانونية للتعامل مع مدبري الانقلاب»، مؤكداً أن واشنطن لم يكن لديها أي فكرة عن المحاولة الانقلابية قبل بدئها. وأضاف: إن المحاولة نفذت بطريقة غير مهنية على ما يبدو.
وكررت الدول الأوروبية الرسالة الأميركية بضرورة إخضاع الانقلابيين للقانون.
وبدوره دعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى عودة سريعة للنظام الدستوري في تركيا قائلاً: إنه لا يمكن حل التوترات هناك بالأسلحة، وبدوره قال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت: إن باريس «تأمل في أن تخرج الديمقراطية التركية معززة بهذا الاختبار وأن يتم احترام الحريات الأساسية».
وفي برلين أدانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل «بأشد العبارات» محاولة الانقلاب. واعتبرت ميركل خلال كلمة أن التعامل مع «المسؤولين عن الأحداث المأساوية.. يمكن، وينبغي ألا يحدث، إلا بموجب أحكام دولة القانون».