كيري يسعى لرأب الصدع مع أنقرة.. وباريس تحذر من التطهير وتشكك في الجهود التركية ضد داعش … بوتين مضى قدماً في مصالحة تركيا.. وطهران تحاول جذب أردوغان إلى موقفها من سورية
| الوطن – وكالات
لم تنجح الجهود التي بذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في احتواء التوتر المتصاعد ما بين أنقرة وواشنطن على خلفية المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا ليل السبت، في وقت تسربت وثيقة للسفارة الأميركية في أنقرة وصفت فيها ما جرى في تركيا بـ«الانتفاضة». وبينما استأنف «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن عملياته ضد تنظيم داعش انطلاقاً من الأراضي التركية، ألقت السلطات التركية القبض على الآمر التركي لقاعدة إنجرليك بتهمة الاشتراك مع الانقلابيين، وتقدمت فرنسا للواجهة، مشتكيةً من الجهود التركية «المشكوك» فيها في العمليات ضد داعش، ومحذرةً من استغلال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للانقلاب من أجل تطهير الجيش من خصومه.
في المقابل، فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المراقبين باتصال هاتفي مع أردوغان تمنى فيه «استعادة النظام والاستقرار إلى تركيا» واتفقا خلاله على اللقاء الشهر المقبل، وذلك على حين جددت إيران دعمها الكامل لأردوغان وتركيا بوصفه دعماً لـ«حليف إستراتيجي»، ملمحةً إلى تلقي الانقلابيين «الخونة» لدعم «خفي» من الخارج، وربطت طهران موقفها من أردوغان بما يجري في سورية.
وكشف الكرملين في بيان له أمس عن إجراء الرئيس الروسي اتصالاً هاتفياً مع نظيره التركي يوم السبت، أي بعد ساعات من عودة أردوغان إلى إسطنبول وفشل الانقلاب. وحسب البيان، الذي نشرته وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء، قدم بوتين «تعازيه» للرئيس التركي عن سقوط ضحايا جراء محاولة الانقلاب الفاشلة. وأضاف: إن الرئيس الروسي «أعرب لأردوغان عن تمنياته في استعادة النظام والاستقرار إلى تركيا».
وأكد بوتين وفقاً للبيان، «على خلفية محاولة الإطاحة بانقلاب عسكري عبر القوة بالسلطات التركية المنتخبة ديمقراطياً، نهج روسيا المبدئي برفض الإجراءات غير الدستورية والعنف في الدولة». كما أشار إلى «ارتفاع عدد السياح الروس في تركيا بشكل ملحوظ» بعد رفع العقوبات الروسية على أنقرة بنتيجة الاعتذار التركي عن إسقاط المقاتلة الروسية «سو 24» فوق الأجواء السورية.
وفي هذا الصدد، أعرب بوتين عن أمله في أن يستطيع الجانب التركي، في ظل الظروف الصعبة الحالية، تأمين أقصى حد لسلامتهم (السياح الروس)»، ورداً على ذلك أكد أردوغان عزم تركيا اتخاذ كل الخطوات اللازمة لضمان سلامة السياح الروس في البلاد. وفيما يعكس اتفاق الزعيمين على تسريع إجراءات المصالحة الروسية التركية، كشف بيان الكرملين أن بوتين وأردوغان أكدا ضرورة عقد اللقاء الثنائي بينهما، والذي سبق واتفقا على عقده قبل أسبوعين، «في أقرب وقت».
وكشفت وكالة أنباء «الأناضول» التركية أن الاجتماع الأول للرئيسين التركي والروسي، بعد الاعتذار التركي، قد تم تحديده في الأسبوع الأول من شهر آب المقبل، من دون أن توضح مكان انعقاده. في طهران، جدد المسؤولون الإيرانيون دعمهم للديمقراطية التركية، عاملين في الوقت نفسه على جذب أنقرة إلى موقفهم من سورية.
وأدان الرئيس الإيراني حسن روحاني الانقلاب العسكري في تركيا. وفي خطاب جماهيري قال روحاني، حسبما نقلت وكال الأنباء الألمانية «د ب أ»: «لم يعد بإمكان المدافع والدبابات إسقاط حكومات حقيقية منتخبة بشكل ديمقراطي». وآسف لأن «البعض» في المنطقة لا يزال يعتقد أنه يمكن لانقلاب عسكري إحداث تأثير ما. واستدرك قائلاً: «لا يمكن أن يتم حل المشكلات على مستوى العالم إلا من خلال صناديق الانتخابات»، وأكد أن هذا الأمر يسري بالنسبة لتركيا وكذلك بالنسبة لإيران وللأزمة في سورية أيضاً.
وبدوره ذكر مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أن رجب طيب أردوغان وبشار الأسد «رئيسان شرعيان وصلا إلى سدة الحكم بالسبل الديمقراطية وبأصوات الشعب». ولفت إلى أن إيران استنكرت بشدة الانقلاب العسكري ضد الرئيس التركي والحكومة الشرعية، معتبراً أن «هذا الانقلاب حدث من خلال خيانة عناصر من الداخل ومستوى دعم خارجي خفي».
وأوضح عبد اللهيان، أن دعم بلاده للرئيس والحكومة والشعب التركي في مواجهة الانقلابيين هو «دعم لجار مهم وحليف إستراتيجي ودعم للديمقراطية»، مشيراً من جهة أخرى إلى أن إيران تدعم «بشدة الرئيس الشرعي (الأسد) والشعب والجيش السوري أمام هجمات واعتداءات الإرهابيين، وتعد ذلك عاملاً وعنصراً مهماً في المساعدة على إحلال الأمن الجماعي الإقليمي». وخلص إلى أن التطورات الأخيرة في تركيا أثبتت أن الانقلاب والإرهاب «وجهان لعملة واحدة»، لأنهما يستهدفان «الأمن والاستقرار والرفاه الإقليمي».
واستشعرت موسكو وطهران مؤشرات التوتر بين أردوغان وحلفاء بلاده الغربيين. وربما أرادت روسيا استغلال هذا التوتر من أجل التأثير على الالتزام التركي في حلف شمال الأطلسي «الناتو» وتجاه القضية الأوكرانية، في حين لا تخفي إيران رغبتها في إحداث تعديل في موقف تركيا من الأزمة السورية، وإبعادها عن السعودية.
وعمدت الرياض إلى تكثيف رسائل الدعم للرئيس التركي بعد الموقف الملتبس الذي اتخذته من الانقلاب. وفي ظل صمت رسمي طال قليلاً حتى ظهر أول أمس، لم تخف تغطيات وسائل إعلام محسوبة على السعودية، تأييدها للانقلاب.
واعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمس أن تركيا «ستتخطى محاولة الانقلاب»، وأكد أن «السلطات التركية ستتمكن من استعادة النظام والاستقرار في الدولة».
ولفت الجبير في مقابلة مع شبكة «سي. إن. إن» الأميركية للأخبار، إلى أن السعودية تملك «أفضل العلاقات» مع تركيا اليوم، وأضاف قائلاً: «لدينا تعاون واسع النطاق بالنسبة للأمن، ومكافحة الإرهاب، ودعم المعارضة السورية المعتدلة. ولدينا علاقات تجارية واسعة النطاق، ولدينا تعاون سياسي قوي بيننا وبين تركيا».
على جبهة أخرى، وبعد يوم من تعليق نشاط التحالف الدولي انطلاقاً من الأراضي التركية، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن استئناف العمليات، وذلك بالترافق مع اعتقال قائد قاعدة إنجيرليك الجنرال بكير أرجان فان بـ«تهمة التواطؤ في محاولة الانقلاب»، حسبما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مصدر في الحكومة التركية.
وقبل يومين أغلقت السلطات التركية الطرق باتجاه قاعدة إنجرليك الجوية التي تنطلق منها طائرات التحالف الدولي لشن غاراتها على مواقع تنظيم داعش في سورية والعراق. ويبدو أن أنقرة لم تعد العمل بالقاعدة إلا بعد تسليم فان نفسه للسلطات الأمنية.
وواصل وزير الخارجية الأميركي مساعيه لرأب الصدع في العلاقات مع أنقرة، فأعلن أن تركيا حليف ضمن حلف شمال الأطلسي وما زالت شريكاً ملتزماً في التحالف ضد تنظيم داعش. وأضاف «نتوقع أن يستمر التعاون حتى أثناء تعامل الحكومة مع هذه الأزمة». كما أشار إلى أن الأحداث التي شهدتها تركيا لم يكن لها أي تأثير سلبي يذكر على مكافحة داعش، موضحاً أنه «كان ثمة توقف قصير لم يؤثر على سير العملية».
وكان لافتاً أن السفارة الأميركية في أنقرة أصدرت بياناً مع بدء فصول الانقلاب الفاشل، اعتبر أن ما يجري في تركيا انتفاضة أو ثورة، دون أن يشير إلى وجود انقلاب عسكري على الحكومة المنتخبة.
وفي مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، أكد وزير الخارجية الأميركي أن واشنطن لم تتلق بعد من أنقرة طلباً بتسليم المعارض التركي فتح اللـه غولن، الذي تتهمه السلطات التركية بتدبير محاولة الانقلاب. وطالب أنقرة بتقديم أدلة وحجج قانونية كافية لطلب تسليم غولين.
وجاء ذلك مترافقاً مع إعلان الرئيس التركي أن وزارتي العدل والخارجية ستبعثان رسائل للولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى للمطالبة بإعادة أنصار غولين إلى تركيا.
في باريس، حذر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت من أن محاولة الانقلاب في تركيا لا تعني إعطاء أردوغان «شيكاً على بياض» لتنفيذ عمليات «تطهير»، داعياً أنقرة إلى احترام دولة القانون. واعتبر آيرولت في مقابلة تلفزيونية مع قناة فرنسية محلية أن «هناك تساؤلات تطرح» حول إذا ما كانت تركيا «جديرة بالثقة» كشريك في التصدي لتنظيم داعش. وقال رداً على أسئلة حول تعاون أنقرة على صعيد التصدي للجهاديين «هناك تساؤلات تطرح. هناك جانب يتعلق (بأن أنقرة) أهل للثقة، وهناك أيضاً جانب يتعلق بالشكوك، هذا صحيح».
إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يتوقع أن يجري تنفيذ اتفاق المصالحة مع تركيا كما هو مقرر له بعد قطيعة استمرت ستة أعوام.
ومن دون الإشارة إلى أي موقف من المحاولة الانقلابية الفاشلة، أبلغ نتنياهو حكومته في تصريحات، نقلتها وكالة «رويترز»، «اتفقت إسرائيل وتركيا في الآونة الأخيرة على عملية مصالحة. نعتقد أن هذه العملية ستستمر بغض النظر عن الأحداث الكبيرة في تركيا خلال نهاية الأسبوع».
وقبل يومين، أرسل متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية رسالة نصية إلى الصحفيين تحدث فيها عن احترام إسرائيل «للعملية الديمقراطية في تركيا».