ثقافة وفن

إستراتيجية نيكسون..

| د. اسكندر لوقا

كثيرة هي الكتب والآراء التي نقلت وجهات نظر المسؤولين الأميركيين في الشأن المتصل بالحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط. وكثيرة هي الآراء التي جاءت في هذا السياق وبينها من يعتقد أنه سيد الأرض في الزمن الراهن، وخصوصاً مع عبور العالم القرن الحادي والعشرين.
بيد أن ما يعطي هذا الرأي أو ذاك أهميته وخصوصيته عندما يصدر عن مسؤول بمستوى رئيس جمهورية، وتحديداً عندما يصدر عن رئيس مثل الولايات المتحدة الأميركية الذي يرى أن بلاده قادرة على هزم أي قوة في العالم، وإلى حد القول بأن «الولايات المتحدة الأميركية يمكنها أن تنتصر على أي دولة في هذا العالم، مهما كانت كبيرة وقوية، وفي أي وقت وتحت أي ظروف من دون أن تدخل حرباً فعلية مع هذه الدولة أو تلك».
هذا ما أورده الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتاب أصدره منذ بضع سنوات بعنوان «نصر بلا حرب». وفي سياق تقديره لتحقيق انتصار بلاده على أي قوة وتحت أي ظرف، اشترط توافر أمرين الأول إطلاق حملة إعلامية مكثفة وضارية ضد البلد الذي يعادي أميركا لتشويه سمعته، والثاني حشد أكبر قدر ممكن من الجيوش والأساطيل الأميركية على مقربة من البلد الذي يعادي بلاده بحيث يدخل في عقل البلد المقصود بتبعات الحشد أن الحرب واقعة لا محالة.
على هذا النحو، كان نيكسون يعتقد أنه أياً كان البلد المقصود، فسوف يستسلم وينصاع لجملة المطالب والإملاءات الأميركية. وبذلك– كما كان اعتقاده– تحقق بلاده النصر من دون الدخول في حرب مباشرة.
واليوم، أضافت الإدارة الأميركية إلى الأمرين أمراً ثالثاً وهو استخدام العصابات الشهيرة بارتكاب جرائم القتل والتدمير، لتحقيق مآربها في إخضاع البلدان غير المستعدة للاستسلام لإرادتها أو للسير في ركابها، ومن هذه البلدان، في الوقت الراهن على سبيل المثال سورية والعراق واليمن. وباعتماد هذا الأمر الثالث تسعى الولايات المتحدة لإسقاط الأنظمة الوطنية في البلدان المناهضة لها بوسائل غير الحرب، بينها التضييق عليها اقتصادياً بالدرجة الأولى وسياسياً بالدرجة الثانية وبأي وسيلة أخرى قد تتاح لها وتستخدمها وصولاً إلى غايتها المنشودة في التحكم بمصير منطقة الشرق الأوسط وصولاً حتى حدود روسيا والصين وسوى ذلك.
إن نصراً يتحقق بلا حرب، من وجهة نظر الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، إستراتيجية أميركية معتمدة حتى اليوم. ومن هنا القول بأن سياسة الولايات المتحدة الأميركية، لا ترتبط بشخص رئيسها وإنما بنهج لا يحتاج إلى تبديل أو تغيير أو حتى إلى إضافة بسيطة. إنها العادة التي لن يتمكن أي رئيس أميركي قادم أن يتطاول على مفرداتها السيئة مهما بلغ من القوة ومهما كان عدد الأصوات التي أوصلته إلى كرسي الرئاسة في بلاده.
يقول الروائي الفرنسي مارسيل بروست، صاحب سلسلة روايات البحث عن الزمن المفقود «1871 – 1922»: إن العادة السيئة تحول بيننا وبين طبيعتنا المجردة من كل المساوئ قبل أن تصاب بداء الإدمان عليها.
تلك هي العادة السيئة التي تتحكم بنهج السياسة الأميركية في الوقت الحاضر كما كانت في أوقات سبقت. اللـه وحده العليم متى تشفى أميركا من هذا الداء.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن