من دفتر الوطن

زمن العجائب!

| عصام داري 

العودة إلى الدفاتر العتيقة ليس دليل إفلاس، وإنما هو حنين إلى ماضٍ كان الأحلى والأروع في رحلة حياة طويلة، لكننا نستعيد تلك الأيام في الوقت الضائع بعد أن أصبح الكرم حطباً، والحب مجرد ذكريات تشبه السراب والضباب.
عندما يبقى في عمرك ثلاثة شوارع وفنجان قهوة وزاوية في مقهى عتيق مكانه خلف الزمن الغابر، وشبه ابتسامة تنتظر الصباح الذي قد يأتي وقد لا يأتي، تعرف قيمة الثواني التي تعيشها، والدقائق المتبقية.
عندما لا يرن هاتفك إلا ما ندر، ولا يطرق بابك إلا عامل النظافة، تكون السفينة وصلت إلى نهاية المشوار، ويكون القطار الذي اخترت أرقامه وألوانه وسككه ومحطاته قد بدأ رحلة العودة إلى البداية والنهاية، هنا في نقطة الصفر فقط تستطيع النهايات أن تصطدم بالبدايات وتتكون حكاية شارفت على الرحيل، وعليك أن تلملم أفكارك وتضعها في وصية وترسلها لمن يصارع من أجل رغيف خبز إضافي أو من أجل مليون إضافي، وأنت بلا خبز ولا ملايين لأنك اخترت الحزن الذي أوصى به الرسل والأنبياء.
عندما تتساوى الأمور، ويصبح الأبيض كالأسود، والخير والشر سيين، والفساد أفضل من نظافة اليد واللسان والقلب، تضيع أوطان ويقهر الإنسان ويتبخر الإيمان و.. «يخرب» الميزان.
يخطفنا الوقت من زماننا، يسرق منا أجمل أيامنا، يلقينا حطاماً على قارعة العمر، نصحو من غفوتنا لنجدنا وقد وصلنا المحطة الأخيرة وعلينا الترجل.
لست متشائما وإن بدت حروفي سوداء الملامح، وكلماتي كالحة، وعباراتي كسيحة، لكنني عاتب على زماننا وأبناء هذا الزمان الذين يتهموننا بالرومانسية في زمن العولمة والواقعية القاتلة، والتكنولوجيا المتوحشة كبعض أبناء البشر أصحاب القلوب التي قدت من حجر.
نحن زوار عابرون في هذه الدنيا، وربما لا نحتاج إلا إلى قصيدة بحجم وطن، ومعزوفة تختصر كل موسيقا الكون، ونهر من فرح، ودروب مزروعة بالأزاهير والورود، وبطاقة شخصية تثبت أننا بشر!.
نحن أحوج ما نكون في هذه المرحلة المنحوسة إلى الجمال والحب والكلمة الطيبة، بحاجة إلى فضاءات أوكسجين للتعويض عن مليارات الملوثات في هوائنا وأنفسنا ومجتمعنا.
نعيش في هذه الدنيا يوماً بيوم، ننتظر الغد عله يحمل الجديد، لكننا نسير على وقع دقات قلوبنا، ونستعيد ذكريات مضت ولن تعود، ما دمنا غير قادرين على صنع فرح جديد، فنغرق في فرح كان، نكتفي بابتسامة هذا الفرح العتيق، ونطوي دفتر ذكرياتنا، لنعود في الغد لنفتحه، بانتظار فرحة مستعادة من الخيال الكليل.
تقودنا الكلمات إلى بيت زجاجي من الأمل والتفاؤل، نخشى أن يرمينا صناع الحروب والتوحش والقبح بحجارتهم، فتتصدع بيوتنا، وينكسر بعض من زجاجنا.. وأحلامنا.
لكننا ننتظر الغد الآتي، وحلاوة الغد تسكن في حلم جميل نتخيله آتياً إلينا مع جيش من الأزاهير والعطور.. الغد الآتي يحمل الحب.. والنور والخير.. ليزيح العتمة التي احتلت مساحات من الأرض والروح والنفس طوال سنوات خلت.
لا نبحث إلا عن ساعة أمان ودقائق حرية وثوان معدودات من السلام، والكثير من الحب الذي صار عملة نادرة في زمن العجائب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن