دراما 2016… عين على الواقع بمبالغة واضحة
| مادلين جليس
الموسم الفني الرمضاني في 2016 جاء مخالفاً للتوقعات التي قالت: إنه لا دراما سورية في عام 2016، بل على العكس فقد جاء حافلاً درامياً، حيث عرض فيه ما يربو على الثلاثين مسلسلاً، بين الكوميدي، والبيئة الشّامية، والاجتماعي، تمّ عرضها على شاشات التّلفزة العربية والسّورية، وقد تفاوتت هذه الأعمال في الجّودة والأداء والعرض، وبالتّالي في النجاح والشّهرة والمتابعة.
النّدم.. الأكثر متابعةً وصدمةً للمشاهد
وقد يكون مسلسل «النّدم» للسيناريست حسن سامي يوسف المأخوذ عن رواية عتبة الألم للكاتب نفسه، وإخراج اللّيث حجّو، من أكثر المسلسلات التي لاقت شهرةً في هذا الموسم الرّمضاني، فقد حملت قصّته الكثير من الأحداث التي تمسّ المشاهد السّوري، وقد أصبح عروة، الذي قام بدوره الممثّل محمود نصر، فارس أحلام الفتيات السوريات «قبل أن يقوم بخيانة زوجه هناء» وأصبحت هناء، التي قامت بدورها الفنّانة دانا مارديني، فتاة أحلام كلّ شاب سوري، بجمالها وجرأتها ورومانسيّتها، وأصبحت أحداث المسلسل محطّ انتظار المشاهدين، وترقّبهم بمختلف أعمارهم. إضافة إلى ذلك، فشارة هذا المسلسل التي ألفها ولحنها الموسيقي إيّاد الرّيماوي، لقيت شهرة أوسع من التي لقيها المسلسل، فقد انتشرت وأصبحت مسموعةً بعد أيام فقط من عرض المسلسل على الشاشات، وضجّت مواقع التّواصل الاجتماعي، بكلماتها وكلمات البطلين في المسلسل. كل هذه الجّماليات التي تحدثنا عنها في البداية بدأت تقلّ، أو تندثر في الحلقات الأخيرة للمسلسل، ابتداءً من خيانة عروة لزوجه هناء، وليس انتهاءً بذهاب رشا، التي قامت بدورها الفنّانة جفرا يونس، إلى منزل الكاتب عروة، ثمّ مقتلها في نهاية العمل في جريمة بشعة.
العنف يجتاح الدّراما
أمّا ظاهرة العنف والإجرام فقد كان لها النّصيب الأكبر من الدّراما الرمضانيّة لهذا العام، فلدينا مسلسلات: «دومينو، وعابرو الضّباب، ومذنبون أبرياء، وأحمر»، هذه المسلسلات الأربعة، حملت طابعاً متشابهاً إلى حدّ ما، من حيث تكريسها لفكرة العصابات والمافيات والإجرام في المجتمع السّوري، وجعلها السّمة الغالبة على الأفراد وعلى الجّماعات بشكل عام، حتى ليشعر المشاهد في لحظة من الّلحظات أن هذه المسلسلات حملت من البلد اسمه وشخصيّاته، ولكنّ أحداثه بعيدة كلّ البعد عن مجتمعنا، وقد نكون صادقين أكثر إن قلنا إن مجتمعنا لا يخلو في جانب منه من هذه الظّاهرة، ولكن بشيء قليل ليس بالعظمة والمبالغة التي طرحتها هذه المسلسلات عبر ثلاثين حلقة، هذا عدا المشاهد الأخرى العنيفة والوحشيّة التي ظهرت بين الحين والآخر في مسلسلات أخرى غير المذكورة سابقاً. أضف إلى ذلك، تجارة وتعاطي المخدّرات، التي طرحت في مسلسلي «مذنبون أبرياء وعابرو الضباب».
فقد قدّمت هذه الظاهرة في العملين المذكورين على أنها منتشرة إلى حد هائل وكبير في المجتمع السّوري عموماً وفي فئة الشّباب والمراهقين خصوصاً، انتشار النّار في الهشيم. أمر آخر لا بدّ من التّعريج عليه في صلب حديثنا عن العنف والإجرام، فقد طغت ظاهرة أخرى على بعض الأعمال، أثارت تساؤل المشاهد واستفساره، وهي المشروب، فقد أظهرت هذه المسلسلات وأخرى غيرها أنّ المواطن السّوري، لا يحتسي إلا المشروبات الروحية، وفي ذلك تقليد واضح للأعمال الأجنبية الغربيّة.
كوميديا الأزمة تخلو من الكوميدية
أمّا الشّيء المضحك والمحزن في الوقت ذاته، فهو جملة المسلسلات الكوميديّة التي عرضت خلال هذا الموسم، ابتداءً بـ«بقعة ضوء» مروراً بـ«سليمو وحريمو» و«الطّواريد» و«جيران القمر»، وعدد من المسلسلات الأخرى، فعلى الرّغم من كثرتها، واتّخاذها للطّابع الكوميدي الذي حملت اسمه، إلا أنها خلت من الكوميدية في شيء، وعلى وجه الأخصّ مسلسل بقعة ضوء، الذي اعتاد المشاهد السّوري على كوميديّته العالية في الأجزاء الأولى منه، فكان حقاً بقعة ضوء على المجتمع السوري بطريقة كوميدية فكاهية مميّزة وناقدة، لكن في السّنوات الأخيرة، وهذه السّنة تحديداً، فقد مسلسل بقعة ضوء أغلب ما فيه من كوميديا، وقد جاءت أعمّ لوحاته لتتحدّث عن الأزمة والحرب والأوضاع التي تمرّ بها البلاد، في وقت يحتاج به المشاهد إلى الخروج من هذه الأوضاع، والتمتّع بقليل من الكوميديا، فكان الأولى والأجدر، أن يسمى «كوميديا الأزمة»، وليس «بقعة ضوء».
بصمات شبابيّة
كان من الواضح في دراما 2016، أنها حملت بصمات شبابيّة واضحة، فقد ضمّت من الوجوه الجّديدة عدداً غير قليل، ممن قدّموا أدواراً مميّزة، استطاعوا من خلالها إثبات جدارتهم ومقدرتهم الفنّية، وضمّت أيضاً ثلة من الممثلين والممثلات الشّباب الذين شاركوا في أعمال سابقة، فكان هناك تكامل جميل بين الجديد والقديم، وهذا ما أغنى الأعمال هذا العام، ولكنّ الخطأ الذي وقع به مخرجونا ومنتجونا هذا العام، أنهم قاموا باختيار الوجوه ذاتها، لتقوم بتمثيل أدوار أغلب المسلسلات السّورية، فالمشاهد يرى الممثّل ذاته في اليوم ذاته أربع أو خمس مرات، في أعمال مختلفة، ليس هذا بالشّيء الخطأ، ولكن أن تكون ثلة واحدة من الممثلين في جميع الأعمال، فهنا يكمن الخطأ، فقد اختلط على المشاهد وجه الفنّان ودوره ما سبب تشتّتاً لديه في متابعته لهذه المسلسلات. وكما قلنا فإن هناك ظاهرة فنيّة جميلة بظهور وجوه جديدة على السّاحة الفنّية، وأيضاً في المقابل كان هناك نسيان تام لبعض الممثلين، الذين كانت لهم أدوار ضخمة وأسماء لامعة في السّنوات السّابقة. وعلى الرغم من كلّ هذه الإيجابيّات والسلبيّات التي تعرّضت لها الدّراما السّورية، فإنّها كانت بحق على قدر التّحدي، وخالفت المقولات التي قالت: إن سورية لن تستطيع إنتاج دراما في 2016، ولكنّها أنتجت وأثبتت جدارتها، وتفوقها اللذين اعتادت عليهما، لكنّ هذا لا يلغي أنّنا ما زلنا نطمح إلى الارتقاء بالدّراما إلى المستوى المعروف الذي يضعها في مكانها الصّحيح، والذي جعلها تتمّ رسالتها النبيلة الأخلاقية والثّقافية والفنّية التي سعت إلى إيصالها إلى المشاهد عبر سنوات طويلة من الإبداع والتّميّز.