موسكو تنضم إلى الدول الغربية القلقة من «تمادي» أردوغان … كيري يعد بتسليم غولين «إذا وافقت الأدلة المعايير الأميركية».. ويلدريم يعتبر ذلك «تهديداً للصداقة»
| الوطن- وكالات
انضمت روسيا إلى الدول الغربية القلقة من الإجراءات الانتقامية والتطهيرية التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاجتثاث ما تبقى من «الدولة العلمانية»، وشددت روسيا على أن عمليتها في سورية لن تتأثر بما يجري في تركيا، وأشارت إلى أن ما شهدته قاعدة أنجرليك الجوية التي تنطلق منها طائرات «التحالف الدولي» لتغير على مواقع تنظيم داعش في كل من سورية والعراق، يتعلق بالتحالف نفسه. في غضون ذلك، وصلت الولايات المتحدة، التي حذرت من «عواقب التمادي» في الانتقام، حدود الموافقة المشروطة على تسليم المعارض التركي فتح اللـه غولين، على حين حذرت ألمانيا من أن إعادة فرض عقوبة الإعدام في تركيا سيضع إشارة النهاية على المفاوضات القائمة لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي موسكو، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس أنقرة إلى حل جميع المشاكل التي تواجهها البلاد إثر الانقلاب الفاشل، بمراعاة صارمة للدستور التركي. وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره البرتغالي أغوستو سانتوس سيلفا، «ننطلق من موقفنا الذي يؤكد ضرورة حل جميع المسائل في إطار المجرى الدستوري فقط». وأشاد بالدعم الذي تقدمه أنقرة لبلاده في إطار الجهود الرامية لإعادة المواطنين الروس الراغبين في مغادرة الأراضي التركية، إثر الأحداث الأخيرة، إلى الوطن. وأكد أن السلطات التركية تتعاون مع الجانب الروسي بشكل كامل.
من جهة أخرى، استبعد لافروف أي تأثير للاضطرابات في قاعدة أنجرليك على عملية بلاده العسكرية الروسية في سورية، مذكراً بأن أنشطة القوات الجوية والفضائية الروسية تأتي في إطار اتفاقية موقعة بين موسكو ودمشق، وتلبية لطلب الرئيس بشار الأسد، نافياً وجود أي مشاكل مع دمشق بهذا الخصوص.
وفي ما يخص ما شهدته قاعدة أنجرليك من اعتقالات، قال لافروف: إنه «يجب توضيح كل المسائل المتعلقة بالقاعدة الجوية والواقعة في محافظة أضنة التركية، في إطار التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن».
وأغلقت السلطات التركية الطرق نحو قاعدة أنجرليك ليوم كامل، ما أجبر واشنطن على تعليق عمل طائرات التحالف الدولي ليوم واحد، قبل أن تستأنفها أمس الأول بعد اعتقال سلطات الأمن التركية لآمر القاعدة الجنرال بكير أرجان فان.
وسرب مسؤولون أميركيون أن بلادهم رفضت منح فان طلب لجوء، حسبما أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية. وجاء ذلك ضمن مساعي الولايات المتحدة لرأب الصدع مع أنقرة.
وتأخذ الحكومة التركية على واشنطن عدم تحذيرها من وجود مخطط انقلابي أو على الأقل تنبيه السلطات التركية إلى بدء تحرك الانقلابيين والذي كان قد بدأ تمام الساعة التاسعة من مساء يوم الجمعة. ولكون الانقلاب قد استند على ضباط وطائرات من القوات الجوية فإن العسكريين الأميركيين المنتشرين في تركيا كان لديهم فرصة ممتازة لمعرفة تحركات الانقلابيين وتبليغ السلطات التركية عنها. ولا يبدو أن واشنطن فعلت ذلك، ما ألقى بظلال من الشكوك على العلاقات بين البلدين. وسبق لوزير الخارجية الأميركي جون كيري أن أكد أن بلاده لم تعلم عن الانقلاب قبل تنفيذه.
وليس هذا فقط سبب التوتر بين أنقرة وواشنطن، بل إن مطالبة تركيا بتسليم المعارض غولين تؤرق المسؤولين الأميركيين خصوصاً أنها تضعهم أمام مأزق حرج. وبالأمس صعد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الضغط على الولايات المتحدة لتسليم المعارض غولين الذي اتهمه بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة.
وفي وقت سابق، لم يستبعد كيري من العاصمة البليجيكة بروكسل، أن تعيد الولايات المتحدة غولين إلى تركيا إذا قدمت أدلة تتوافق مع المعايير الأميركية. تصريحات الوزير الأميركي جاءت خلال مؤتمر صحفي مشترك مع مسؤولة السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، عقب حضوره اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل.
وذكر كيري، أن بلاده لم تتلق حتى الآن طلباً تركياً رسمياً من أجل إعادة غولين، مضيفاً: «أردوغان، طلب من الولايات المتحدة أمام الملأ إعادة غولين، وأنا أكدت لوزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) ضرورة طلبه بشكل رسمي ووفقاً لأسس قانونية وقنوات مناسبة، ونحن طلبنا أن يتضمن ملف الإعادة الذي سيرسلونه أدلة وليس اتهامات»، مشيراً إلى أن بلاده «لم تتلق أي أدلة بهذا الخصوص من تركيا».
ولفت الوزير الأميركي، حسب وكالة «الأناضول» التركية للأنباء، إلى «ضرورة أن تلمس بلاده أدلة متوافقة مع الأنظمة القانونية المتبعة في العديد من البلاد بهذا الخصوص»، مبيناً أن «الولايات المتحدة ليس لديها أي مصلحة في عدم القيام بالمطلوب بشأن اتفاقيات الإعادة مع تركيا في حال توافقت الأدلة مع المعايير».
لكن يلدريم قال، وفقاً لما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء: «سنصاب بخيبة الأمل إذا طلب منا أصدقاؤنا (الأميركيون) تقديم الدليل على الرغم من أن أفراداً من منظمة القتل يحاولون تدمير حكومة منتخبة بموجب توجيهات من ذلك الشخص» في إشارة إلى غولين ومؤيديه داخل وخارج تركيا. وأضاف «في هذه المرحلة قد يكون هناك تشكيك في صداقتنا».
من جهة أخرى حض كيري الحكومة المنتخبة في تركيا على دعم بلاده لمحاكمة منفذي الانقلاب، لكنه أعطى الأولوية للحفاظ على الاستقرار.
وقال من بروكسل، وفقاً لـ«رويترز»، «نقف (أميركا والاتحاد الأوروبي) تماماً في صف القيادة المنتخبة في تركيا… لكننا نحث أيضاً حكومة تركيا بقوة على الحفاظ على الهدوء والاستقرار في أنحاء البلاد»، وأضاف: «كما نحث حكومة تركيا على الالتزام بأعلى معايير الاحترام للمؤسسات الديمقراطية في البلاد وسيادة القانون. سوف نؤيد بالتأكيد تقديم مدبري الانقلاب للعدالة لكننا نحذر أيضاً من عواقب التمادي في هذا الأمر»، في إشارة إلى المخاوف من استغلال أردوغان للمحاولة لانقلابية الفاشلة، لتطهير مؤسسات الدولة التركية من خصومه العلمانيين.
كما دعت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني أنقرة إلى الالتزام بسيادة القانون. بدوره قال المفوض الأوروبي لشؤون التوسع وسياسة الجوار يوهانس خان: «هذا هو ما كنا نخشاه. وقلت أنا و(موغيريني) بعد الانقلاب إننا نأمل في أن ما يتبع هذه الأحداث سيتفق مع المواصفات الدولية لسيادة القانون. ولكن ما نراه يظهر أنها لا تحترم» (المواصفات الدولية).
ورداً على سؤال حول إذا ما كانت السلطات التركية قد استغلت الأحداث لمصلحتها، أجاب يوهانس خان قائلاً: إن «ذلك كان مخططاً له»، مشيراً إلى أن القوائم بأسماء المعتقلين كانت معدة بشكل مسبق.