سورية

صاغت وثيقتها للمرحلة الانتقالية وضمنتها مرحلة تحضيرية … «العليا للمفاوضات» «حذرة» من الاتفاق الأميركي الروسي.. وأعضاؤها يعكسون الهواجس والإحباط من السياسة الأميركية نحو سورية

| الوطن- وكالات

اختتمت «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة اجتماعها صباح أمس، بمطالبة الروس والأميركيين بـ«الشفافية»، وهو ما عكس حالة الخوف والارتياب التي تسيطر على المعارضين من الاتفاق الروسي الأميركي الأخير. وطالبت «العليا للمفاوضات» الولايات المتحدة بالتصدي لروسيا في سورية، متهمةً موسكو بـ«الكذب»، ولم تخف خيبة أملها من السلوك الأميركي والغربي عموماً. كما طالبت بـ«مراجعة دقيقة» لعمليات محاربة الإرهاب ومطلب روسيا إجراء فصل بين «منظمات تسميها إرهابية وبين المدنيين وفصائل الجيش الحر»، وحذرت من أن محاربة القوى المتطرفة «بشكل عشوائي» سيعرض الشعب «للأخطار».
وإذ أبدت استعدادها للانفتاح على القوى المعارضة الأخرى، أصرت «العليا للمفاوضات» على التمسك ببيان الرياض، محملةً «النظام» المسؤولية عن توقف المحادثات بسبب إصراره على «الحسم العسكري ورفضه الحل السياسي»، وجددت موقفها القاضي «باستبعاد (الرئيس) بشار الأسد ورموز نظامه فور تشكيل هيئة الحكم الانتقالي»، وأعربت عن حرصها على التعاون مع المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا في سبيل إنجاح العملية السياسية، لكنها رأت أن استئناف العملية «بعيد»، وطالبت بتأكيد دعم موسكو للعملية.
وفي بيانها أسفت الهيئة، لأن «النظام وروسيا وإيران» تجاهلوا دعوتها للهدنة في شهر رمضان، وادعت أن الجيش العربي السوري «خرق هدنة عيد الفطر المبارك، والتي أعلنها بنفسه»..!
وكشفت مصادر في «العليا للمفاوضات» عن ملامح وثيقة الهيئة الخاصة بـ«الانتقال السياسي»، على أن يشمل ثلاث مراحل «التحضيرية، الانتقالية، المستقبلية».
وتوصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري عقب محادثات مارثونية في موسكو إلى اتفاق مع روسيا بشأن «قائمة طويلة من الإجراءات الملموسة» من أجل «الحد من هجمات جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في سورية)، ومنع انتهاكات الجيش (العربي) السوري للهدنة». ورفض كيري الإعلان عن فحوى الاتفاق في حين أشار نظيره الروسي سيرغي لافروف إلى الاتفاق بضرورة أن يكثف المبعوث الأممي إلى سورية «عمله ويقدم اقتراحات ملموسة من أجل انتقال سياسي وإصلاحات سياسية لجميع الأطراف في سورية، على أن تجلس حول طاولة المباحثات وتبدأ بالحوار السوري السوري الكامل والشامل والحقيقي». وبعد ثلاثة أيام من الاجتماعات التي عقدتها في العاصمة السعودية الرياض، عكست تصريحات أعضاء «العليا للمفاوضات» الهواجس والإحباط من السياسة الأميركية نحو سورية.
وأثارت عضو «العليا للمفاوضات» بسمة قضماني مسألة التراخي الأميركي أمام روسيا واعتبرت أن الولايات المتحدة لا تتصدى لروسيا. وقالت في مؤتمر صحفي، حسبما نقلت وكالة «رويترز»: «ما نفتقده هنا هو رد فعل جاد على السلوك الروسي على الأرض».
وأبدت قضماني تشاؤماً حيال عقد جولة جديدة من محادثات جنيف، معتبرةً أن فرص عقدها «تبدو بعيدة» على نحو متزايد مع مشاركة روسيا في الغارات الجوية بعد «الكذب على نحو مستمر» بشأن الخطوات التي تقول إنها مستعدة للقيام بها من أجل السلام في سورية. وقالت: «روسيا تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر.. ما نحتاجه هو تأكيد روسيا من جديد على اهتمامها بعملية سياسية. لا نرى ذلك». وأضافت: «هذا هو المجال الذي نتوقع أن يرد فيه الأميركيون بشكل أقوى لأن هناك جرائم حرب تُرتكب في الوقت نفسه الذي يوجد فيه السيد كيري في موسكو ويناقش ترتيباً أمنياً واستهداف الجماعات الإرهابية في الوقت الذي تشارك روسيا بشكل كامل في هذه العملية في حلب» في إشارة إلى قطع طريق الكاستيلو ومحاصرة المسلحين في شرق المدينة.
وقالت قضماني: إن جهود إحياء اتفاق «وقف للعمليات القتالية» الذي توصل إليه الروس والأميركيون في شهر شباط الماضي «فشلت فشلاً ذريعاً»، وأضافت: «نود أن نعرف ما نوع الضمانات التي تستطيع الولايات المتحدة الاتفاق عليها مع روسيا. ما نريده هو ضمانات قوية بشأن إعادة وقف العمليات القتالية».
وأضافت: يجب أن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا والشرق الأوسط من اتخاذ خطوات للتأثير بشكل أقوى للتصدي لروسيا ولكن يبدو عدم وجود مثل هذه الإجراءات. وتابعت: «إنه فعلاً شيء محير تماماً أن نرى القوى الغربية التي يُفترض أنها صديقة للشعب السوري لا تقدم أي منهج بديل».
وفي البيان الذي نشرته «العليا للمفاوضات» ظهر بشكل أوضح العتب على واشنطن التي لم تبلغ حتى حلفائها الشرق أوسطيين بفحوى اتفاقها مع موسكو.
وحسب البيان، فقد استغربت الهيئة «حالة الغموض» في الاتفاقات الروسية الأميركية حيال القضية السورية، مشيرةً إلى أن هذا الغموض يطول «الدول الصديقة المعنية بالعملية السياسية». وطالبت الهيئة بـ«الشفافية والمصداقية، وبإجراء مراجعة دقيقة لعمليات محاربة الإرهاب، ولما تطلبه روسيا من فصل بين منظمات تسميها إرهابية وبين المدنيين وفصائل الجيش الحر»، محذرةً من أن تتحول «عملية مكافحة الإرهاب إلى مجازر ضد المدنيين». وطرحت تساؤلاً بشأن «مفهوم وآليات الفصل الذي تدعو إليه موسكو في مناطق التماس، مؤكدةً رفضها وجود «أي قوى متطرفة»، وأضافت «لكن محاربتها بشكل عشوائي ستعرض الشعب كله لأخطار جسيمة».
وألمحت إلى توقف الدعم عن المجموعات المنضوية تحت لواء الهيئة، وقال البيان «أعربت الفصائل العسكرية من أعضاء الهيئة عن خطر توقف الدعم العسكري لها في حربها على الإرهاب، في حين يجد داعش والمتطرفون مزيداً من الدعم العسكري واللوجستي من الجهات الراعية لهم، ما يجعل الوضع العسكري للفصائل المعتدلة من قوى الجيش الحر محرجاً فضلاً عن كون هذه الفصائل تواجه عدوان النظام وحلفائه». واتهمت الهيئة الطيران الروسي بقصف مواقع مليشيا «الجيش الحر» ومشاركته «بقوة في عمليات النظام العدائية مع حلفائه ضد الشعب السوري تحت غطاء محاربة الإرهاب»، وعبرت عن أسفها لتجاهل دعوتها إلى هدنة خلال شهر رمضان الفائت وخلال أيام عيد الفطر، معتبرةً أن «النظام وروسيا وإيران تعاملوا مع هذه الدعوة بسلبية وإهمال»، واتهمت النظام بإعلان هدنة خلال أيام الفطر والمسارعة في «انتهاكها عبر سلسلة من المجازر» على حد تعبيرها. ولم تعلن الهيئة موقفاً واضحاً من استئناف المحادثات في جنيف، والتي كانت قد علقت مشاركتها فيها، لكنها أكدت حرصها على التعاون مع المبعوث الأممي لإنجاح العملية السياسية، مجددةً «التزامها بالعملية»، مشيرةً إلى أن استمرار بعض ممثليها في المناقشات التقنية دليل على حرصها على متابعة هذه العملية. وأعادت مطالبها قبل العودة إلى طاولة المفاوضات تحت عنوان: «مقومات المحادثات»، وأهمها: «احترام القرارات الدولية والالتزام بمضمونها، وبخاصة ما يتعلق بالجانب الإنساني فيها لتشكيل بيئة شعبية آمنة تضمن نجاح العملية السياسية». وحملت الهيئة المسؤولية عن توقف المفاوضات إلى «إصرار النظام على ما سماه الحسم العسكري.. ورفضه للحل السياسي الذي حدده بيان جنيف وكل القرارات الدولية.. والتي قررت أن منطلق العملية هو تشكيل هيئة حكم انتقالي تتنقل إليها الصلاحيات التنفيذية جميعاً»، وأكدت «العليا للمفاوضات»، «تمسكها بموقفها التفاوضي القاضي بـ«استبعاد (الرئيس) بشار الأسد ورموز نظامه فور تشكيل هيئة الحكم الانتقالي».
من جهة أخرى، أبدت «العليا للمفاوضات» استعدادها «متابعة حواراتها مع كل قوى الشعب السوري، ومكوناته، لتحقيق مشاركة أوسع في تطوير الرؤية السياسية»، لكنها أبدت تمسكاً ببيان الرياض «بوصفه وثيقة أساسية لتوحيد رؤى جميع قوى الثورة والمعارضة». ورفضت أغلبية قوى المعارضة في الداخل وفي منصات القاهرة وموسكو هذا البيان، على حين تحفظت عليه كل من موسكو وطهران.
وذكر بيان «العليا للمفاوضات» أن الأعضاء تدارسوا «نص مسودة الوثيقة (..) حول رؤيتها (الهيئة) للعملية السياسية وفق بيان جنيف، بدءاً من مرحلة التفاوض وصولاً إلى نهاية المرحلة الانتقالية».
في هذا الصدد اعتبر عضو «العليا للمفاوضات»، منذر ماخوس أن الوثيقة «تمثل الإطار التنفيذي للعملية السياسية». وكشف أن الوثيقة التي تتألف من 15 صفحة تشتمل على نقاط مهمة تتعلق بتفصيلات مسألة الانتقال السياسي، وشكل الدولة السورية الجديدة التي تتصورها المعارضة.
وفيما يتعلق بملامح هذه الوثيقة، أوضح ماخوس في تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط» المملوكة للعائلة المالكة السعودية، أنها مقسمة إلى ثلاث مراحل أساسية، تشتمل على الإعداد للمرحلة الانتقالية، وبعدها المرحلة الانتقالية في حد ذاتها، والفصل الثالث يتعلق بتصور شكل سورية بعد الانتهاء من الانتقال السياسي أو الانتقال إلى الدولة الجديدة وكيفية شكلها.
ويبدو أن الهيئة اقتربت من الشكل الذي يروج له دي ميستورا للمرحلة الانتقالية والذي يتضمن مرحلة تحضيرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن