ثقافة وفن

الاعتماد الناجح على البيئة في نسج القصة … الكاتب حسن م. يوسف يُخرس الكاتب الساخر في قصصه الجديدة

| عامر فؤاد عامر

«تبدأ هذه المجموعة طقس إغوائها القارئ بالمضيّ فوراً إلى نصوصه بدءاً من علامتها اللغويّة، «الساخر يخرس»، الممتلئة بحمولة دلاليّة باذخة على غير مستوى، ولاسيما تلك المحارفة بين مفردتيها، السخرية والخرس، ولاسيما أيضاً، وعلى نحو أدقّ، إذا ما أعيدت المفردتان إلى أصلهما الثلاثيّ: «سَخِرَ، و«خَرِسَ»، حيث الدلالة على مستويين بآن: الجناس غير التامّ باصطلاح البلاغة، والمفارقة لغة واصطلاحاً بأن بين السخرية والخرس، الأولى بوصفها اختياراً، والثاني بوصفه قدراً واختياراً أحياناً ثانية وإرادة آخر أحياناً ثالثة». اجتزأنا هذه البداية من مقدمة د. «نضال الصالح» لكتاب «الساخر يخرس» المجموعة القصصية الرابعة للكاتب «حسن م. يوسف».

شرق غرب

احتوت هذه المجموعة على 6 قصص جاءت بمواضيع متنوّعة غير متشابهة، وفيها من وقائع الحياة وذكريات الكاتب الخاصّة، وعلاقاته عبر خبرة وتجربة ما تزال مستمرة وقادرة على التجدد والعطاء. البداية كانت مع قصّة «بحار من أوغاريت» التي أهداها الكاتب للبحار «خالد حمد» وهي قصّة مناسبة لبداية ترفع من مستوى الاعتداد بتاريخنا وماضينا المُشرّف، وتذهب بنا في حالة عتب وحزن على تفوّق الأميركي، والسماح لنفسه بتخطي الحدود في التعامل مع الآخر. في هذه القصّة «بحار من أوغاريت» موازنة في المقدرة، فمن يمتلك أساسات حضاريّة متينة يستطع التفوّق في أي موقف إن امتلك وعياً حقيقيّاً. وما فرضه القانون الأميركي على الزائر غير المرغوب فيه سمح لهذا الزائر وهو بحارنا بأن يرفض تطبيقه بكلّ حريّة.

أبو صلعة
جاءت القصة الثانية بنوعٍ من المرح، والسخرية، والبحث الجاري بين الماضي والحاضر في قصة عن نكات الحماصنة وذيوع صيت خفة الدّم من خلال «صلعة حساسة» وهي قصة ارتكزت على حامل نفسي مهمّ جداً، مفاده أن الشخص لا يثق بنفسه في حال لم تكتمل ثقته بمظهره الخارجي، إلا أن القاصّ هنا يدفع بنا لفكرة اعتماد هذه القاعدة على الوهميّة، فالثقة بالنفس لا علاقة لها باكتمال المظهر الخارجي.

هدبا في آخر الدنيا
يتصارع الذكر مع الأنثى حتى في قصص «حسن م. يوسف» ففي قصة «هدبا» نرى أن الذكر يطغى ويزداد في طغيانه من خلال انتهازيّة الأب، ونذالة الزوج، واتفاق ذكور القرية على التصويب بنظراتٍ مقرفة إلى جسدها الجميل، لكن على الرغم من كل ذلك تتبدى الحقيقة واضحة للحياة ففي مشهد أخير من هذه القصة تأخذ دموع الأنثى بالسريان توقاً وشوقاً لعلاقة الأنثى بالحياة وجمالها.

تنافس الأطراف
تتميز القصص الست بتظافر أطراف متنافسة فيما بينها، والغلبة هنا ليست للطرف الأقوى أو الأضعف بل لمنطق الحياة، فمن الممكن أن يكون التفوّق للجانب الإيجابي أو السلبي وذلك وفقاً لقوانين حياتيّة انتظمت في نواميس البشر وفعلت فعلها تخفياً وراء رغباتنا ونحن أبناؤها. ويعتمد السرد هنا على بطل محوري هو مرتكز القصّة كالبحار أو هدبا أو ريم درويش أو الصحفي الساخر سميح، أو أبو صلعة، أو الواوي… لكن بالمقابل هناك من يتحدى وقد ينتصر أو لا، تبعاً للمنطق الذي أشرت إليه.
تتوسط القصص «الساخر يخرس»، وهي القصة الأكثر إيلاماً ففيها من الوصف القاسي لمعاقبة الصحفي الساخر في بلد عربي خليجي، ميئوس للحرية أن تعيش فيه وتدرك أملها. قد تحمل في بواطنها إما تحفيزاً للاجتهاد أكثر أو الاستسلام لمنظومة القوي والسلطوي والذي يمكن أن يجتثّ اللسان من فم الحقّ عندما يلزم الأمر!. «الساخر يخرس» وإن تمّ اختيارها لتكون باسمها صاحبة عنوان المجموعة كلّها، إلا أنها تحمل من الحقيقة الجارحة والمؤلمة كثيراً من التفاصيل، استطاع الكاتب أن يوصلها للقارئ بهدوء ومن دون تكلف في الوصف أو تطرف في الكره أو الحقد على صانع هذا الموقف على الرغم من تقطيع 4 أعضاء من جسده في فترة سجنه القصيرة!
حبّنا السريّ

تتألف هذه القصّة من 5 أجزاء قصيرة بمفاصل زمنية متلاحقة تعتمد على مفصل زمني من الذكرى البعيدة يرويها القاص بالاشتراك مع الراوية «ريم» عندما تنطلق في سرد آلامها في الحبّ أو وهم الحبّ!. لكن في الجزء الأول من الحبّ يتجلى مستوى الحبّ أكثر في العلاقة بين الكاتب والكتاب فهو يقاوم للحصول على نسخته من كتاب «بلاغات النساء» التي استعارها من أحد الأصدقاء مراوغاً في عدم إعادتها، وهي إشارة جميلة منه إلى علاقته مع الكتاب، أما في الجزء الأخير منها فكانت النهاية صادمة في ضربة باب السيارة بعد الاعتراف بأن ريم هي بطلة الحبّ السري للمجموعة، فتمّ إقفال النهاية بسرعة بعد سردها البطيء والناعم والقاسي لذكرياتها.
مغامرات الواوي

حملت القصص روحاً من البيئة في سورية فمن سهل الغاب وضيعة بطشيت إلى حمص ونكاتها إلى اللاذقية وجبالها… إلخ لكن شخصية الواوي كانت الخاتمة في هذه المجموعة وفي هذه الشخصية إسقاطات كثيرة ربما تقربنا كسوريين وربما في أجزاء منها فقط، لكن الذكاء والدهاء كصفتين مترافقتين كانتا من أكثر الصفات التصاقاً بهذه الشخصية التي تعلمت من تجربتها الكثير لتكون في أفضل مكان أو أسوأ مكان.
يرافق هذه القصص أسلوب من النقد المباشر حيناً وغير المباشر حيناً آخر، كما أنها حملت أسلوباً قريباً من سرديات واقعنا المعيش وتفاصيل الحياة اليوميّة، فقد حافظ الكاتب «حسن م. يوسف» على جمال اقتراب هذه القصص من واقع أي قارئ سوري أكثر من القارئ العربي، الذي قد يتوق للتعرف على الواقع ويتشوق إليه أيضاً. كما حافظ الكاتب على إضافة معلومات جديدة نجدها بين صفحات كلّ قصة من دون استثناء وكانت هذه الإضافات بين معلومة تاريخيّة أو مفردات لغوية منسوجة بطريقة تستوقف القارئ للبحث عن مناسبتها ضمن تراكيب وجمل وصياغات تجعل منه أكثر تعلقاً لكشف المغزى من القصة والتمعن في حبكة النهاية ودلالاتها. على الرغم من استخدام كلماتٍ متكررة نجدها في كل قصة كما «احتقن وجهه بالدم»، وغيرها. ويمكن بإيجاز سريع ومبسط أن أشير إلى إمكانية القارئ بتقليب صفحات هذه المجموعة من دون يأسٍ أو ملل بل هاجس الشوق سيبقى مرافقاً له لتلقي عناصر كل قصة على حدة فلا تشابه بينها حتى في الشكل الإخراجي لها وتقسيم بعضها إلى أجزاء كان موفقاً بل منحها شكلاً لطيفاً وقريباً للفهم والإنجاز في قراءتها بصورة سريعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن