«دواعش» وليس «داعش» فقط!
| زهير ماجد
لا ردود أفعال محسومة من فرنسا على مجزرة نيس وربما على ما يشبهها في المستقبل. فرنسا متورطة في قضايا أمنية مصيرية منذ تصفية تركة الرئيس الليبي معمر القذافي وتحويل ليبيا إلى لا بلد.. ثم هي عضو مهم في حلف الناتو (الأطلسي) الذي يشارك بقوة في دعم الإرهاب بسورية والذي صار مصطلحاً عالمياً، لا يهدد الشرق الأوسط وحده، بل العالم كله.. وعلينا أن نعرف أن لكل بلد فاعل «داعشه» الخاص.. صحيح أن البيانات تصدر باسم هذا التنظيم الإرهابي على أنها من قيادته، إلا أنه من غير المؤكد أن تكون الجهة الناطقة إعلاميا هي ذاتها في كل مرة، وكذلك من يقف وراءها.
«داعش» عالمي بكل معنى الكلمة، وليس معروفاً لدى أي من هذا العالم من نفذ مجزرة نيس سوى اسم «داعش»، وكذلك الحال في أورلاندو بالولايات المتحدة، أو مطار بلجيكا، ومطار أتاتورك وغيره، ومن ينفذ عربيا.. لا نقتنع بأن هذه التنظيم كما تقول المعلومات، له تلك القدرات ذات المنبع الواحد أو الجهة الواحدة المحركة، هو قوة خاضعة لمصادر كثيرة من القارات الخمس، وكل من «دواعشه» ينفذ حسب رغبة صاحبه، أما قيادة هذا التنظيم، فلا فرق لديها من نفذ أو سمى، المهم أن يظل حاضرا في الإعلام كي يكتسب الشهرة المضافة، ومن ثم الأعضاء الجدد الذين يهمها دخولهم التنظيم.
المعلومات المتوافرة من شرق آسيا كما نقلها إعلامي عربي شارك في أحد مؤتمرات الأمن هناك، أن بلدان هذه المنطقة الحساسة بدؤوا منذ مدة بفتح حوارات مشتركة ذات طابع عملي حول درء أخطار «داعش» المتوقع حدوثها هناك.. فمن مقاطعة شينجيانغ الإسلامية في الصين وصولاً إلى باكستان، مروراً بأندونيسيا وماليزيا والفيليبين حتى بنغلادس وغيرها، إضافة إلى البلدان التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، ثم روسيا، على اعتقاد جازم بأن «داعش» صار متعدد الهويات والانتماءات، إذ لا يكفي أن يقال إن هذا التنظيم نفذ أعمالاً إجرامية هنا أو هناك لنصدق بأن مصدراً واحداً أصدر أوامره بالتنفيذ.. ومن يطلع على العقل الروسي في هذا المجال، يعرف حتما دقة قراءته لما يجري في منطقة الشرق الأوسط وفي سورية تحديداً، وكيف يفسر ذلك على أساس أنه المستهدف لاحقا.. فليس غريبا أن يفتتح الرئيس بوتين المسجد الكبير بنفسه في موسكو وأن يصدر أوامره بتأمين الرعاية والرقابة لمسلمي روسيا.. بل إنه شجع وسائل إعلام شتى على تنفيذ برامج حول الإسلام في بلاده. وتقول مصادره، إن الوهابية التي اخترقت بلدان شرق آسيا، ملحوظة تماما، بل إن أحد رؤساء الوزارات فيها وهو مسلم، ينفذ عمليات جلد على الطريقة الوهابية بحق مخالفين في بلده.
أما أوروبياً، فلا يجري هنالك سوى البكاء والحزن الشديد والغضب العميق في كل مرة تتجدد فيها هجومات الإرهاب، لقد ألغى الساطور كما قال البير كامي ذات كتابة عن الصراع البشري إمكانيات الحوار.. فقدت أوروبا العجوز كما سماها وزير الدفاع الأميركي الأسبق رامسفيلد كل أمنها وغدا المتوقع منه هاجس شعبي دائم، في وقت لم يخبئ بعض الإعلام المحلي نقده لدولته وخصوصاً فرنسا على تماديها في تغذية الإرهابيين حتى أنها باتت رافعة لهم.. والصدمات التي تلقاها المجتمع الأوروبي من «داعش» تحديداً، لم يستطع أن يتهرب من مقولة إن «من نشر الجن لن يتمكن من جمعه».. وتنمو في فرنسا عقب غلطة الرئيس هولاند في توصيف ما جرى في نيس بأنه إرهاب إسلامي، صعود كبير لليمين الفرنسي، في وقت تتسابق فيه كل أوروبا على منع أي لاجئ سوري من الوصول إليها، وهي تشجع إقامته حيث مصادره اليوم، لبنان والأردن وتركيا، وزيارات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والرئيس الفرنسي هولاند إلى مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان خير دليل.
الكرة الأرضية باتت تضيق بهذا التنظيم الذي زنرها تقريباً، وهو لن يتمكن من هذا الدور الواسع والشامل، دون وجود إمكانيات هائلة وتغطية منظمة وقواعد اتصال وغيره، لكي يصل إلى أي مكان بهذه الطريقة السهلة لابد من وجود تسهيلات له تحقق له كل احتياجاته اللوجستية، وهذه لن تحصل بقدرات المنطقة وحدها، وإنما بترابط يسمح لها أن تتمدد في كل مكان، وليس فقط ضمن فئة حاضنة، بل قوة حاضنة قادرة على إيصاله حيث يريد.
نشأت «الدواعش» التي صارت معولمة أيضاً.. تكاثرت أطرافاً بعدما وجد القلب لها مكاناً في العراق وسورية وليبيا، وفي العراق خصوصاً حيث تمكنت من التحرك بأنفاس حياة وحصلت على جرعة النمو.. كان لابد من أرض يقيم عليها ويتحرك ويمارس نشاطه، ومن خلال تلك الخلية الأولى، تعاظم أمره ونما وتوسع وصار، وتعرف جميع السلطات بحكم قدراتها الاستخباراتية ما المتوفر لديها، وحتى الأسماء أيضاً، والمؤسف القول إن بالإمكان إنهاء هذا التنظيم ساعة يشاء اللاعبون، لكن يبدو أن حاجة البعض إليه لم تنته بعد.