مسلسل الندّم حكاية الوجع السوري الممتدّ .. قسوة المرحلة التي يمر بها البلد والأخطاء المقصودة وغير المقصودة
| ثناء خضر السالم
عندما قرأت مقالاً ذُكر فيه أن مسلسل النّدم أكثر المسلسلات السوريّة متابعة، تنفّست الصّعداء وقلت: الحمد لله مازالت الدنيا بألف خير. فمتابعة هذا المسلسل من شريحة كبيرة من النّاس تدلّ على حسن تذوّق وهذا ليس بقليل. فقد عوّدنا الأستاذ حسن سامي يوسف العمق في الطّرح ودراما نوعية تحقّق للمشاهد الغاية المرجوّة من الفن وهي المتعة والفائدة. فالكاتب الحقيقي يلامس الواقع ويعيشه ويكتب انطلاقاً منه. وليس غريباً على من كتب أعمالاً لا تُنسى أذكر منها أسرار المدينة والانتظار وزمن العار أن يكتب مسلسل النّدم. فالعمل إسقاط على الواقع السوري الآن في هذه المرحلة العصيبة التي فرزت ومازالت تفرز أناساً قذرين -إن صح التعبير على قسوته- بدءاً من شخصيّة الشرطي التي ألقت الضوء على نموذج بشري يقتنص الفرص ليصل إلى أهدافه فقد نهش كغيره في جسد البلد وخرّب ودمّر من دون أن يشعر بالذنب فالمال عنده سيّد، ويجد لنفسه المبرّرات فهو لم يفجّر وإن كان قد باع السيّارة ليتم تفجيرها. ومروراً بشخصيّة الشاب الذي لاحق رشا حتى دمّرها أقسى تدمير مستغلاً حالة الفوضى التي تخلّفها الحروب دائماً.
وإذا وقفنا عند شخصيّة عبدو نشعر بالإرباك فمن الصعب فهم شخصيّة كهذه في لحظة نجده جشعاً وقاسياً وفي أخرى نجده غير قادر على أن يكون سالباً إخوته حقوقهم، بل يعمل جاهداً على حمايتهم في هذه الظروف. وكأنّه يعيش حالة من التناقض وهي حالة مشوّقة، فلم نفهم شخصيّته حتى آخر حلقة. لكنّي أتساءل ماذا يمكننا أن نسمّي عدم تدخّله لإنقاذ خطيب أخته هشام وهو على يقين من براءته؟ ما هذه القسوة والوحشيّة واللا إنسانية، وما سببها؟ المال الذي يغيّر النّفوس أم طبيعة الشخص وطباعه؟ وهل يدخل مساعده لخطيب أخته البريء في سلسلة الأعمال الخيرية التي ليست من اختصاصه؟ وهل تبلغ الأنانية بإنسان حد تدمير أخته وبيده الخلاص؟
أمّا شخصيّة عروة العميقة المملوءة إنسانية وطيبة ورقّة فاجأني فيها تصرّفه بإبقاء السيّارة مع طليقته بعدما سمع عن استخدامها لأغراض مشبوهة، فهل ثمّة إنسانية في تصديقه لطليقته بأن هذه السيّارة تستخدم من قبلها أم هو لا مبالاة أم هي فجوة في شخصيّة عروة المثاليّة؟
هذا العمل ييقظ الإنسان الغافي فينا ويشعرنا بجدوى الحياة، وقيمتها وجوهرها بعيداً عن القشور، يشعرك بإنسانيتك وقيمتك كفرد عندك مبدأ وفكر. ولعلّ أجمل الأفكار التي لفتتني فكرة السعادة التي لا تأتي من دون تعب فحتى تحصل على السعادة عليك أن تجتهد وتعمل وتسعى في طريقها، فهي لن تأتيك على طبق من ألماس إنما على طبق من سعي للوصول إليها وتحصيلها. كما نلاحظ فيه تربية على القيم أهمها أن نقنع بحياتنا فها هو ذا أبو عبدو عاجز عن شراء سعادة ابنته رغم كل ما يملك من مال. وها هو ذا القدر يفاجئ عروة بمرض زوجته العُضال حين لا ينفع المال الكثير ولا يعيد الصحة.
كما لفتتني ثنائيّة: الصحة مقابل المرض… النضارة مقابل الذبول… ففهمت من خلالها أن من يملك الصحة يملك كلّ شيء.
لكن مأخذي على هذا المسلسل هو بعض اللقطات التي لم أجدها مناسبة، ففي الحلقات الأولى كنت أقول: الحمدلله لا داعي لأن أضع يدي على الجهاز لأغيّر المحطّة حتى لا تنتبه ابنتي الصغيرة على أمور مازال الوقت مبكّراً لتعرفها، أمّا فيما بعد فقد صرت بحاجة لتغيير المحطة أمام بعض اللقطات. وبرأيي الشخصي هذه اللقطات مكانها السينما لا التلفاز، وكان من الممكن الإيحاء لها بغير هذه الطريقة. قد يقول لي قائل المحطّات مملوءة بهذه اللقطات فأرد:عندما يكون النص بهذا العمق والبعد الإنساني ويكون كاتبه حسن سامي يوسف ومخرجه الليث حجو يجب أن يكون أكثر محافظة.
الندم هل هو الخطيئة الثانية التي نرتكبها في حياتنا؟كما قالت أحلام مستغانمي. ربّما، لكنّي أجده تنفيساً للألم، وفرصة لتغيير الوضع الذي يمر به الإنسان إن كان ثمّة مجال للتغيير وإن لم يكن فهو اعتذار إلى نفسنا التي أخطأت ولم تتمكّن من المضي في الطريق السليم، إنه قصاص لروحنا.
إنّه ندم أبو عبدو على قسوته على ابنه وندم ابنه على تركه البلد وأهله وندم ابنة أبو عبدو على زواجها بعدما يئست من خروج خطيبها من السجن وندم زوجها على قتله خطيبها السابق. وندم عبدو على تورّطه في حياة غير نظيفة… ووو.
هذا العمل يجسّد قسوة المرحلة التي يمر بها البلد والتي تُرتكب فيها أخطاء غير مقصودة كاعتقال هشام البريء. هذا وكلّه سببه فساد الأنفس البشرية التي وجدت في هذه الحرب الضارية ضالّتها فأوقعت بالناس البريئة تحت مسّميات وطنيّة. واستغلّت وضع البلد لتقوم بكل ما هو مناف للأخلاق (اغتصاب رشا) ففي الحروب تكثر الفوضى.
كلّ ما أريد أن أقوله: شكراً أستاذ حسن على ملامستك الواقع بحس مرهف وصادق ودمت بخير، فليس سهلاً تقديم عمل عن مرحلة قاسية وصعبة كهذه المرحلة. وشكراً الليث حجو على روعة الإخراج والتصوير لقماءة هذه الحرب الضارية.