احتمالات جنيف..
| مازن بلال
يتحدث المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا، عن إمكانية حدوث تطورات خلال الشهر القادم، واحتمال انعقاد جولة جديدة من المباحثات السورية – السورية في جنيف، وهذا التطور يأتي ضمن تحرك أميركي- روسي لم تتضح مساراته بعد، إلا أن العودة للحديث عن المسار السياسي يملك مؤشرات أساسية مرتبطة بالمناخ الإقليمي بالدرجة الأولى؛ فأي انفراج سياسي يعني تحولاً في ميزان العلاقات السياسية الشرق- الأوسطية.
عمليا فإن احتمالات الجولة القادمة يمكن قراءتها في مسارين أساسيين: الأول في عودة العلاقات بين موسكو وأنقرة، وهذا الأمر أتاح هامشاً أوسع للتحرك الروسي العسكري والسياسي؛ مقابل التعامل مع الدور التركي خارج مساحة تحالفات «العدالة والتنمية» مع فصائل المعارضة السورية، وأما المسار الثاني فمرتبط أساساً بالتفكير الأميركي بمستقبل وجود الديمقراطيين في الرئاسة، وهنا فإن إدارة الرئيس باراك أوباما تسعى لإيجاد إطار مبدئي يساعد على التحكم بالأزمة السورية وبما يرتبط بها من قضايا محاربة الإرهاب.
لكن جنيف اليوم لا ينقل فقط إرادة دولية قادرة على التحرك بشكل منفصل عن الحسابات الإقليمية، فالحوار السوري- السوري يحمل معه ثلاثة أمور أساسية:
– الأولى تتجلى في القدرة على خلق توازن دقيق للدور السعودي المنخرط بشكل مباشر في عدة صراعات إقليمية، فحل الأزمة السورية هو أيضاً بحث عن طبيعة الدول ومستقبلها بشكل يضمن محيطاً آمناً لمحاربة الإرهاب.
في هذه النقطة فإن المهمة الأولى ليست محصورة في تفكيك العلاقة السعودية- التركية فقط، بل أيضاً في إقناع الرياض على خلق توازن على ضفتي الخليج بين طهران والرياض، وفي الوقت نفسه ضمان حدود للأدوار الإقليمية، وهذا الأمر يبدو أصعب بكثير من الترتيبات الخاصة بتحديد الوفود السورية المشاركة في جنيف.
– الثاني ترتيب مسألة «سد الفراغ»، فالنصرة وداعش تحتل جغرافية واسعة وألغت الحدود السياسية بين العراق وسورية، وإذا كان من الطبيعي أن تملأ الدولة السورية هذا الفراغ، إلا أن «محاربة الإرهاب» تفرض ظرفاً مختلفاً كلياً يستدعي رسم الموقع «الجيواستراتيجي» للدولة السورية من وجهة النظر الأميركية على الأقل.
إن مسألة «سد الفراغ» الذي سيخلفه الإرهاب مختلفة نوعياً عن الطروحات التي ظهرت في خمسينيات القرن الماضي، لأن الإرهاب خلف «فراغاً» في منظومة الشرق الأوسط عموماً، وهو «فراغ» على مستوى «قوة الدولة» في المنطقة، وتماسك المجتمع من جهة أخرى، وسيؤثر الأمرين بشكل مباشر في التوازن الإقليمي عموماً.
– الأمر الثالث مرتبط أساساً بمفهوم «البديل» السياسي للطرف المعارض، فالتقلبات الإقليمية لم تعد تتيح الاعتماد على جهاز سياسي سواء كان «الائتلاف» أو غيره، وإذا كانت الرياض متمسكة بطبيعة هذه الأجهزة فإن تركيا ربما ستبحث أكثر في هذا الموضوع وعلى الأخص بعد الانقلاب العسكري الفاشل؛ حيث باتت المعارك الطويلة أمراً غير مقبول في ظل الاهتزاز الذي عاشته تركيا كدولة.
ربما تتجه تركيا نحو تحول داخلي أكثر تطرفاً، وفي المقابل فإن التوازن الإقليمي في محيطها بات ضرورياً لحسم معاركها الداخلية؛ الأمر الذي سيفكك عدداً من الجبهات الإقليمية تجاه سورية، فهناك فرصة تزيد من احتمالات انعقاد جنيف، إلا أن فرص الحسم السياسي ما تزال عائمة على تناقضات إقليمية ودولية، وهامش أميركي يريد جعل «التأجيل السياسي» آلية لاستنزاف الدور الروسي.