«المجاهد عمر الأرناؤوط» يهدي أربعة آلاف وخمسمئة كتاب لمكتبة الأسد
| نزار نسيب القباني
زارني في مكتبي المجاهد عمر الأرناؤوط وبرفقته السيدة زوجه في زيارة مفاجئة.. بعد أن رحبت بهما، أخذ يتحدث عن تاريخ سورية الحديث منذ الحكومة الفيصلية إلى يومنا هذا.. في حديث علمي ممنهج سلس عذب أثار دهشتي وأخذ مسمعي واهتمامي، وبعد أن أنهى حديثه.. قال لي: لم أقم بزيارتي هذه لأطربك فيما تحدثت وليست زيارتي زيارة مجاملة بل زيارتي هادفة… لدي مكتبة تحوي أربعة آلاف وخمسمئة كتاب وهي أغلى ما أملك بل كل ما أملك.. أريد التبرع بها إلى مدينتي دمشق.
هذه الكتب تحوي تاريخ سورية وجزءاً من إرثها الثقافي لتنوع مواضيعها، ويحوي قسم منها عما كتب عن القضية الفلسطينية.
جئت إليك طالباً مساعدتي في تحقيق ذلك.. لاختيار الجهة الصالحة للحفاظ على هذه الكتب والاستفادة منها.. فأريد أن أنهي حياتي وقد بلغ عمري قرناً من السنين ونيف على التقويم الهجري وقرناً من السنين إلا أربع سنوات على التقويم الميلادي.
أريد تحقيق هذه البصمة ولعلها آخر بصماتي لمدينتي الخالدة دمشق (والأعمار بيد اللـه)..
وجه حديثه نحوي وقال: وأنت اليوم.. المؤتمن على هذه الكتب لتحقيق هذه الرغبة.. وأقول ذلك أمام زوجي التي أحضرتها معي إلى مكتبك لتستمع إلى هذه الوصية.
شكرته لثقته بشخصي ولوطنيته الصادقة وأفهمته أن خير مكان للحفاظ على هذه الكتب والاستفادة منها هي مكتبة الأسد الوطنية حاملة لواء الثقافة والأمينة على التراث في هذه المدينة الغالية وجمهوريتنا السورية الحبيبة.
اتصلت على الفور بالأستاذ صالح الصالح مدير مكتبة الأسد وأعلمته برغبة المجاهد عمر الأرناؤوط.. فشكره على حسن صنيعه، وتحدث عما يعرفه عنه من وطنية وإخلاص لبلده.. وطلب إلي أن نقوم بزيارته في منزله احتراماً وتقديراً لشخصه ولخطوته الوطنية الرائدة.
وهكذا كان.. حيث قمنا بزيارته واطلعنا على هذه المكتبة.. وقرر الأستاذ الصالح أن يرسل بعض موظفي المكتبة خلال أيام لتوثيق هذه الكتب ثم نقلها إلى مكتبة الأسد حيث توضع في إحدى صالات المكتبة يكون اسمه مسجلاً عليها عرفاناً بجميله.
عمر الأرناؤوط المجاهد.. صاحب السواعد المفتولة أيام شبابه.. التي كانت ترمي جيش المستعمر الفرنسي بالمفرقعات حيناً والحجارة حيناً آخر.
عمر الأرناؤوط.. كان يشارك في المظاهرات المناهضة للاستعمار الفرنسي ولم يتمكن رجال الشرطة والجيش الفرنسيين ورجال السنغال اللحاق به وإمساكه لتمتعه بساقين طويلتين ولكونه بطلاً من أبطال الجري وألعاب القوى وكان بطل سورية في القفز على العصا.. لكنهم استطاعوا اللحاق به بعد أن نصبوا له الكمائن فاعتقلوه ثلاث مرات خلال تلك الحقبة الطويلة من النضال الوطني أودعوه فيها سجن قلعة غورو في المزة.. وكانت تاجاً على جبينه يفخر بها حين الحديث حولها.
المجاهد عمر الأرناؤوط: «رجال صدقوا ما عاهدوا اللـه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا».. صدق اللـه العظيم.