مجلة أسامة للأطفال .. قراءة في المضامين والأهداف
| صبحي سعيد قضيماتي
سأحاول أن أقرأ عددين من مجلة أسامة، الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب في وزارة الثقافة.. والقراءة لا تعني أبداً سرد مضمون هذه الأعداد، ورقمهما (755- و757) ولا تعني أيضاً الحكم عليها أحكاما مطلقة، لا تقبل الطعن، أو رفض الرأي الآخر.. بل أعني بالقراءة، مناقشة ما تتضمنه هذه الأعداد من مواد أدبية وشعرية، وإبداء الرأي، مع احترامي للرأي الآخر إن وجد. ونشكر صديقنا العزيز قحطان بيرقدار- رئيس تحرير مجلة أسامة، الذي زار جمعية أدب الأطفال، مع أمين تحرير المجلة السيدة أريج بوادقجي، والزميل رامز حاج حسين، على دعوتهم أعضاء جمعية أدب الأطفال إلى التعاون مع المجلة.. وأملي أن تزيد قراءتي هذه، وتقوي وتفعّل أواصر التعاون بين جمعية أدب الأطفال، ومجلة أسامة، حتى لو اختلفنا في وجهات نظر، نأمل ألا نفسد الود.. فتنوع الآراء، طريقنا إلى حركة نقدية نحلم بها جميعاً..
وأبدأ قراءتي من الزاوية الموقعة بـ(صديقكم أسامة) بعنوان (نحن الجمال وسره).. وأنا لست مع هذه العناوين المطلقة التي تحمل صفة الادعاء.. وأرى ضرورة التفكير بانتقاء الجمل والعبارات، بعيداً عن الادعاء المطلق، وذلك باختيار جمل وعبارات، تعبر عن السعي، أو عن المحاولات الجادة للارتقاء، وليس عن الامتلاك المطلق، في حياة الطفل أو الإنسان بصورة عامة.. على سبيل المثال- بدل أن نقول: (وقد علمني الربيع).. نقول نتعلم من الربيع، ونربط ذلك بخطوات عملية، فنقول: نتعلم عندما نسقي الأزهار، أو عندما نقدم خدمة ما للطبيعة، كي نربط التعليم المستمر بالتجربة العملية. ففي اللغة الإنكليزية هناك أفعال تؤكد صيغة الاستمرار، وأرى أنه من المفيد استخدام الأفعال التي تفيد الاستمرار. فممكن أن نقول: (تعلمت جدول الضرب).. ولكن نقول: (نتعلم من أمنا البطولة.. ونتعلم الصدق إلخ).. أي ما زلنا نتعلم لأنها تمنحنا صفة استمرارية الفائدة والعمل للمحافظة على استمرارية العلاقة. هذه وجهة نظري، وأراها مهمة وإن اختلف معي من يختلف. ويفضل الابتعاد عن جميع العبارات التي تؤكد الادعاء، أو الملكية المطلقة: (نحن البطولة.. أو نحن الجمال.. إلخ).. وكذلك الابتعاد عن الجمل الوعظية التي سمعناها آلاف المرات، مثل: بالأمل، الذي يصاحبه الجد والعمل، نجعل أيامنا كلها ربيعاً أخضر إلخ. والمبالغات الخطابية، ليست ذات فائدة.. فحياتنا كلها خطابات وتنظير.. وأعتقد أن التجربة العملية هي التي نحتاج إلى التعبير عنها في مسيرتنا التربوية، وفي ما نكتبه للأطفال، أو ما يكتبه الأطفال أنفسهم، لأننا نسعى من خلال ذلك، إلى ترجمة تجربتهم العملية، ونشجع الأطفال على العمل، ونبتعد عن تكرار العبارات والجمل النظرية. وفي عالم الطفولة، يفضل من وجهة نظري، الحديث عن السنبلة، ودورنا في إتاحة الظروف المناسبة لنموها وعطائها، وليس عن القمح، كقيمة مهمة في حياتنا.
ساحة أكبر من المعلومة
والمادة التالية التي أثارت انتباهي هي بعنوان (مغامرات فصيحة) كتبتها السيدة أريج بوادقجي.. وأسأل: (هل أصبحت كلمة المغامرة طريقنا إلى جميع مجالات الحياة، بما فيها اللغة، التي هي علم ومعارف وذوق وجمال، من أجل أن نثير مشاعر الأطفال؟. وأسأل: (هل يستحق أن نخصص صفحتين من السيناريو من أجل أن نصحح كلمة واحدة: مبروك- إلى مبارك، وهي كلمة من الأخطاء الشائعة، وما أكثر الأخطاء الشائعة؟ ومتى كانت معلومة لغوية، تصلح أن تكون مادة لموضوع من المفروض أن يكون ذا طابع درامي. وتختتم الكاتبة السيناريو بمعلومة توضيحية تقول فيها: (مبروك اسم المفعول من الفعل بَرَكَ) على حين يقول لنا قاموس الصحاح: (برك البعير: يبرك بروكا- أي استناخ..) وفعل برك يختلف عن فعل بارك الذي يشرحه قاموس أساس البلاغة: (بارك فيه دعا له بالبركة) والمهم في أن الكاتبة لم تستغن في نهاية المطاف، عن الشرح المعرفي للوصول إلى الفكرة التي تريدها..
وتكرر الكاتبة التجربة ذاتها في العدد (757) لكي تبين الفرق بين كلمة أذان، وآذان. وأرى من وجهة نظري أن تصحيح مثل هذه المعلومات اللغوية، لا تحتاج إلى أن نفرد لها صفحتين من السيناريو.. لأن للسيناريو أهدافاً اجتماعية وأخلاقية، ولا يمكن حصره، أو تخصيصه بمادة معرفية يمكن الإشارة إليها بكلمتي (الصح والخطأ)..
أسماء حصرية!
ناقشت السيد رئيس التحرير، الزميل قحطان بيرقدار في موضع تكرار الأسماء في أعداد المجلة، للعاملين فيها.. فليس من المعقول أن أقرأ في كل عدد من المجلة، الأسماء نفسها، وأقرأ في كل عدد، أكثر من مادة لكاتب من العاملين في المجلة. فمهمة القائمين على المجلة أن ينشطوا الطاقات الإبداعية، لا أن يقدموا لنا في كل عدد موضوعات، منها ما يهدف إلى تصحيح كلمة، أو تقديم معلومة معرفية ما. ولم يقبل الزميل قحطان مني هذه الملاحظة، مؤكداً: أن المادة الجيدة تفرض نفسها. ونسأل: هل المواد التي خصصتها المجلة لتصحيح بعض الأخطاء اللغوية هي مواد جيدة؟
لا ننفي أهمية الفكرة التي يطرحها الزميل رامز حاج حسين (المشرف الفني للمجلة)، في قصته (آسِر القلوب الصغير) إذ سلط الضوء على الوجل والارتباك اللذين يرافقان المبدع الصغير، قبل أن ينجز عمله، ويقدِّمه للناس، وخاصة إذا كان هذا الإنسان طفلا من ذوي الاحتياجات الخاصة. لكن لو اهتم الكاتب في القصة بالجهود التي بذلتها الأم لتنمية موهبة طفلها المقعد، لحملت القصة أهدافا أهم، من الفكرة التي اقتصرت على التشجيع فقط.. وأرى أن الموهبة البارزة، لا تترك مكاناً للوجل والارتباك لدى صاحبها، بل العكس يسعى صاحب الموهبة إلى الجمهور بثقة، ويفرح بلقاء الجمهور.
موضوعات وقضايا
وتطرح قصة (الوليمة الإلكترونية) موضوعا جديداً عن دور التكنولوجيا في العلاقات الاجتماعية.. وينتصر كاتب القصة ليقف إلى جانب كبار السن، وينبه المجتمع لأهميتهم، ويدعو للاهتمام بهم.. وعدم الابتعاد عنهم. وهذه مواضيع جديدة ومهمة.
وأقدر موضوع و(رائد الكتابة الأول للأطفال) الذي أعده بيان الصفدي (محمد عثمان جلال) الذي كتب للأطفال النص الشعري الأول.. وقيمة الموضوع تنبع من تأكيد أهمية رواد شعراء الأطفال وأدبائهم، للتذكير بالقيم التي طرحها أدبهم.
ونتوقف مع سيناريو (رضا الناس غاية لا تدرك- وهذه مقولة لا يأخذ بها إلا الضعيف.. لأنها مقولة تدعو إلى الاستكبار على الناس، والاعتداد بالرأي الفردي) لعبير عروقي التي تعيد حكاية قديمة عن جحا، الذي أركب ابنه على حماره، فلم ينج من كلام الناس، وركب هو الحمار، ولم يتخلص من كلام الناس.. وربطت الكاتبة هذا الحكاية بالموضة التي هي موضوع (مهم) في عالم التربية.. ونسأل السيد رئيس التحرير، ونسأل السيدة كاتبة السيناريو: ألم يبق موضوع أهم من موضة قص الشعر، لطرحه للأطفال؟..
لا شك أن موضوع (عروس الساحل السوري) من المواضيع المهمة.. وأرى أنه يمكن أن تكون المادة أفضل إذا زادت الصور الفوتوغرافية والتشكيلية، مع شروح موجزة عن معالم المدن السورية، وكنوزها التاريخية التي تنشرها المجلة، وقل الجانب التعبيري- الإنشائي.. فإذا قبلنا إلى حد ما بما كتبه الزميل قحطان في العدد 755 عن عروس الساحل، فإنه من الصعب أن نقبل الجمل الإنشائية التي جاءت في مديح دمشق. والمديح يجب أن يكون متزناً ومنطقياً. نقرأ في موضوع (شامة الدنيا ووردتها- إعداد رائدة الخضري): (نم قرير العين أيها الزمن.. ففي حضني استراح تاريخ عمره أحد عشر قرناً، ومازال في جعبتي- تصوروا أن لشام الدنيا جعبة وخوذة- ما لا ينضب من الأمل والحياة.).. وتضيف الكاتبة: (أنام مرتاحة في ظل جبل أشم، أورثني المجد والعزة..). والمجد يدعو للنوم، وليس إلى النشاط.. إلى ما هنالك من الجمل وعبارات المدائح الإنشائية.. في الوقت الذي يمكن أن نتحدث عن دمشق، بأسلوب بسيط، لينطق التاريخ بكل ما تعبر به معالمُها عن دورها الحضاري القديم. لكن الكاتبة مولعة بالنوم.. إلى حد أنها تريد من التاريخ أن ينام.. وهي تريد أن تنام في ظل جبل قاسيون.. ولا أعرف كيف سمحت الكاتبة لنفسها أن تأمر بأن ينام.. وهي بهذا تكون الأولى ممن فطن لهذه الفكرة الإبداعية الرائعة الرائدة..
نأمل أن تكون مواد المجلة مدروسة دراسة متأنية.
ونرجو ألا تتكرر الأسماء في كل عدد.
ونطمح ألا يكون لبعض الموظفين في المجلة أكثر من موضوع في العدد الواحد.