ثقافة وفن

العربيزيّة من الظواهر الغريبة التي تفرض نفسها على اللغة الأمّ  … د. محمود السيّد في «قضايا راهنة للغة العربيّة» .. كنوز اللغة العربيّة بين الماضي والمستقبل

| عامر فؤاد عامر

يقف كتاب «قضايا راهنة للغة العربية» على مجموعة من القضايا المهمّة والحسّاسة التي تعمل على هدم لغتنا والتراجع بها إلى الوراء مقارنة باللغات العالميّة ومقومات هذا العصر. فيلقي أ. د. «محمود السيّد» الضوء في مؤلفه هذا على ظاهرة العربيزي في مواقع التواصل الاجتماعي الشائعة بين شباب أمتنا العربية، وأيضاً يناقش من جانبٍ آخر قضية النقص الكبير في مساحة المحتوى الرقمي في الشابكة الإلكترونية، فهناك فقر كبير وخاصة فيما يتعلق في المجالات العلميّة. أيضاً قضية أخرى يلقي الكتاب الضوء عليها وهي تعليم اللغة العربيّة وتعلّمها والقصور في استخدام وسائل التقانة العلميّة التعليمية. وفي جانب آخر يشير المؤلّف إلى قضية تدريس الطبّ والمواد العلميّة باللغة الأجنبيّة لا باللغة العربيّة مواكبةً لروح العصر كما يدّعي البعض!.

اللغة العربية والتفكير المستنير
يشرح مؤلفنا وظائف اللغة فيحددها في الوظيفة الانفعاليّة، والتأثيريّة، والنسبيّة، وما وراء لغويّة، والشعريّة، والاستمراريّة. وفي جزء «التفكير جوهر اللغة» يقف بنا الكاتب على تربيّة التفكير وصولاً إلى التفكير الإبداعي والتفكير المستنير. وتربيّة التفكير وتعليمه ينحو بنا في اتجاهاتِ ثلاثة هي: تعليم التفكير في مادّة مستقلة، وتعليم التفكير من خلال المواد العلميّة، والتوفيق بين الاتجاهين السابقين.

عالمية اللغة العربيّة
فرض العرب وجودهم على الساحة الدوليّة بعد حرب تشرين التحريرية عام 1973 فأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها باعتماد اللغة العربيّة ضمن اللغات الرسميّة المقررة في الأمم المتحدة، فأصبحت ست لغاتٍ. وتعدّ العربيّة من أعرق لغات العالم وزادها شرفاً نزول القرآن الكريم بها. يضاف إليها كثرة عدد المتعاملين بها، إذ يصل هذا العدد إلى 450 مليوناً يعيشون في الوطن العربي وما حوله. من أشهر الإحصاءات العالميّة كتاب «حقائق العالم» الذي يرتب اللغات بحسب عدد المتكلمين بها، فاللغة الإنكليزيّة في المرتبة الأولى يليها الصينيّة ثم الهنديّة فالعربيّة في المرتبة الرابعة ثم الإسبانيّة والروسيّة والبرتغاليّة والبنغاليّة والفرنسيّة والألمانيّة عاشراً…

العربيزي ظاهرة خطرة على لغتنا العربيّة
يرتبط وجود اللغة بثقل وجودها اللغوي على الشابكة اليوم. وهذا ما نجد فيه الضعف والقلّة نتيجة مدّ العربيّة بثروة لغويّة بإغراقها في كمٍّ هائل من أسماء المخترعات والمستجدات، وإغناء العربيّة بأجهزة تعود على المباحث اللغويّة بخير إذا أحسن توظيفها لمصلحة اللغة.
تُنحتُ كلمة عربيزيّة من كلمتي English و Arabic وثمّة من أطلق عليها اسم «فرانكو آراب» أو اللغة الفيسبوكيّة، وهي لغة غير رسميّة يستخدمها شباب وشابات اليوم في الكتابة عبر الدّردشات على مواقع التواصل الاجتماعي وتختلط فيها الأحرف اللاتينيّة بالأرقام، وغير محدودة القواعد.
يرى مناصرو هذه الظاهرة أنها تتميّز بالسرعة والإيجاز والاختزال والمزج بين العاميّة والأرقام والرموز والسهولة والمرونة وبأنها لغة شبابيّة ومختلفة التوظيف بين مكان وآخر وسريّة، أمّا المعارضون لها فيرون أنها كثيرة الأخطاء وتشجّع الكتابة باللهجة المحليّة، وفيها كثير من المفردات الأعجميّة، وتساعد على تفشي الأخطاء الفادحة في المفردات والتراكيب والحوار والجمل، وتعدّ هذه الظاهرة معول هدم في صرح العربيّة. كما يجد البعض بأن العربيزيّة جزء من المؤامرة على الحضارة العربيّة في إحلال الحرف اللاتيني مكان الحرف العربي. ذكر المؤلف مجموعة من المبادرات للحدّ من استشراء هذه الظاهرة قامت بها شركة غوغل google في زيادة المحتوى الرقمي للغة العربيّة في الشابكة. كما ذكر توصيات واقتراحات ومنها نذكر: إصدار تشريعات وقوانين لحماية اللغة العربيّة والحؤول دون استخدام اللهجات العاميّة والهجين اللغوي في البرامج الثقافيّة والإعلاميّة، تكثيف البرامج الرقميّة إلى التوعية اللغويّة بالدّور القومي للغة وذلك في مختلف وسائل التواصل، التوسع في نشر ثقافة وجماليّة الخط العربي ولا سيّما في المجتمعات التي تكتب لغاتها بالحرف العربي من خلال إقامة الدّورات والورش والمعارض…إلخ.
طبيعة العصر والمحتوى الرقمي العربي

يتسم عصرنا بصفات نوجزها بأنه عصر التدفق المعرفي والانتشار الثقافي الخاطف، والمواصلات السريعة، والتقانة والمعلوماتيّة، وعصر هيمنة القوي على الضعيف…إلخ.
وثمّة مبادرات عربيّة في التوجّه نحو الثقافة الرقميّة، فكانت مجموعة من المؤتمرات حول هذا الموضوع، في مصر وسورية والكويت وبيروت وغيرها. والمحتوى الرقمي العربي هو ما يوضع على الشابكة باللغة العربيّة، وتسمى المحتوى الإلكتروني العربي، وهو مجموع مواقع وصفحات الويب التي كتبت باللغة العربيّة أو الكتب أو الموسيقا أو الفيديوهات …إلخ أي كل ما هو مكتوب في الفضاء الرقمي باللغة العربيّة إن في داخل الدول العربيّة أو خارجها، وكلّ ما هو مسجل بأصوات عربيّة أو مصوّر تصويراً يستدل به على مصدره العربي، ويتناول قضايا ثقافيّة وفكريّة وإعلاميّة واجتماعيّة واقتصاديّة…إلخ.

التقانة وتعليم اللغة
التقانة: هي الجانب التطبيقي للعلم، وقد شقت طريقها إلى التربيّة مستخدمةً الوسائل والأجهزة والبرامج والطرائق تحسيناً لفاعلية العمليّة التعليميّة التعلميّة وارتقاءً بها؛ فهي لا تقتصر على الأجهزة، وإنما هي مفهوم منظومي شمولي متكامل يشمل الأهداف والبرامج والمحتوى وطرائق التدريس وأساليبه والوسائل المستخدمة والأنشطة والتقويم.
التعليم الذاتي: هو تمكين المتعلم من الاعتماد على نفسه بصورة دائمة ومستمرة في اكتساب المعارف والمهارات والقدرات اللازمة لتكوين شخصيّته واستمرار تربيته لذاته بما يمكنه من التواؤم الإيجابي السويّ مع متطلبات الحياة في مجتمع سريع التغير.
التعليم المبرمج: هو شكل من أشكال التعليم الذّاتي، وقد عرّفه «موريس دومونتمولان» بأنه طريقة تربويّة تتيح لنا نقل المعارف من دون الاستعانة بالمعلم أو المرشد، على أن تراعى الميّزات النوعيّة لكلّ متعلّم على حدة، وثمة مبادئ ثلاثة للتعلّم تتمثل في مبدأ الخطوات الصغيرة ومبدأ الإجابة الناشطة ومبدأ التأكّد الفوري.
التعليم الإلكتروني: هو منظومة تعليميّة لتقديم البرامج التعليميّة أو التدريبيّة للمتعلمين أو المتدربين في أي وقت وأي مكان باستخدام تقنيّات المعلومات والاتصالات التفاعليّة لتوفير بيئة تعليميّة متعددة المصادر متزامنة وغير متزامنة بالاعتماد على التعلّم الذّاتي والتفاعل بين المعلّم والمتعلّم.

أهميّة تدريس العلوم الصحيّة باللغة العربيّة
يعرّفنا هذا الفصل على أهميّة تدريس العلوم الصحيّة باللغة العربية، وترجع هذه الأهميّة إلى عوامل متعددة منها مكانة اللغة العربيّة عالمياً وإسهامها من قبل في مسيرة الحضارة البشريّة، وقدرتها على مواكبة روح العصر بما تتسم به من سمات وخصائص، وضرورة التمسك بها على أنها اللغة الأمّ الموحَّدة والموحِّدة على الصعيد العربي، والفوائد المرجوّة من تدريسها تربويّاً وثقافيّاً وأمناً قوميّاً وإبداعاً واقتصاديّاً وتنمويّاً وصحيّاً.

الاستثمار في اللغة العربيّة ثروة قوميّة
في عالم المعرفة
يشير أ. د. «محمود السيّد» إلى أن اللغة تقوم بدورين من الناحية الاقتصاديّة أوّلهما عند النظر إليها على أنها أداة في الاقتصاد وفي عمليّة التنميّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة للدول والأمم، إذ يعدّ استعمال اللغة بمردود جيّد وكفاية عالية أساساً لتحقيق النمو الاقتصادي وضروريّاً في عمليّة التنميّة. وثانيهما عند النظر إليها على أنها صناعة وسلعة في القطاع الاقتصادي، إذ تزايد دور الصناعات الثقافيّة وقاعدتها اللغة العربيّة الوطنيّة في الاقتصاد العالمي مؤخراً تزايداً كبيراً جدّاً.
يُذكر أن الكتاب «قضايا راهنة للغة العربيّة» من تأليف أ. د. «محمود السيّد» ومن إصدارات وزارة الثقافة – الهيئة العامّة السوريّة للكتاب 2016.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن