ماذا يريد «السعودي والتركي» من «الإسرائيلي»؟!!..
| خالد العبود
طالما كنّا نقول ونؤكد، ومنذ فترة ليس بالقليلة: إن المنطقة مقبلة على خارطة قوى جديدة، وإنّ هذه الخارطة سوف يضع رئيسياتها ناتج اشتباك كبير جدّاً، حصل فيها وعليها، خلال السنوات القليلة الماضية..
هناك مشروع أميركي تمّ الاشتغال عليه خلال هذه الفترة، ووقفت إلى جانبه قوى واستعملت خلاله قوى إقليمية أخرى، كان مرسوما له أن ينتج خارطة للمنطقة توافق الأهداف التي وضعها أصحابه، وطالما كنّا نؤكد خلال هذه السنوات على طبيعة هذه الخارطة الصاعدة، التي عوّل عليها كثيرون، ممن استُعمِلوا في هذا العدوان أو في هذا المشروع الأميركي.
كان واضحاً أن هذا المشروع ذاهب إلى عناوين لها علاقة بالتفرد بالمنطقة، واختصار، ما أمكن، من طاقة تكلفة الحضور الأميركي لحماية مصالح الولايات المتحدة، وبالتالي فإن كل القوى التي كانت تدور في الفلك الأميركي كان لزاما عليها أن تضع نفسها تحت تصرف هذا المشروع، وخاصة أنها جزء من طاقة وإمكانيات تكلفة الحضور لحماية مصالح الولايات المتحدة، فلم تتردّد في الانخراط في حرب مفتوحة على عناوين كبيرة جدا!!.
لكنّ عمر الاشتباك طال كثيرا، واستعملت فيه أدوات متنوعة وعديدة، كما تعدّدت منصاته الواسعة، والنتيجة أن المشروع الأميركي تعثّر ولم يستطع المرور، على الرغم من كلّ المحاولات وكلّ السيناريوهات التي استهلكت أنهار دماء أبناء المنطقة، كما أنها زجّت بمقادير أبناء شعوب أخرى من خارجها!!..
أن ناتج الاشتباك الكلّي حدّد آفاقاً جديدة وخرائط مختلفة عن تلك التي كان يتطلع إليها الأميركي، لأن المشروع لم يمرّ، كما أنه لم يحقّق أهدافه الرئيسية في إعادة إنتاج المنطقة، نتيجة لذلك خرجت قوى منتصرة استطاعت أن تلحق الهزيمة بهذا المشروع، أو دعونا نقل: إنها استطاعت أن تفشل الأهداف الرئيسية لهذا المشروع، فهي بالتالي سوف تحدّد عناوين خارطة المنطقة من جديد..
لقد كانت سورية قلعة الهزيمة الأولى للمشروع الأميركي، من خلال التضحيات التي قدّمتها وقدرتها الهائلة على إدارة المعركة في وجه العدوان الواقع عليها، إضافة إلى قدرتها على تشكيل تحالفات من قلب المعركة أدت إلى صعود قوى مستفيدة من هزيمة المشروع ومنتصرة في وجهه، وخاصة عندما استطاعت الاستثمار في قوة وإمكانيات دول متضررة من هيمنة أميركية جديدة على مستوى المنطقة، ومثلها «إيران وروسيا»..
إن القوى التي وقفت إلى جانب العدوان الأميركي على المنطقة هي قوى معروفة تاريخيّا، وهي قوى استعمال كلاسيكي، كانت تؤدي مهام استعماريّة، طالما ساهمت في إعاقة تقدم المنطقة أو خلاصها من تبعات وملحقات الحقب الاستعمارية السابقة، ومثالها أنظمة الخليج وبعض الأنظمة الملكية العربية، إضافة إلى أحزاب وتيارات سياسية كانت صنيعة استخبارات أجنبية، وكانت تُستَعمل احتياط عمالة في لحظات الاشتباك الحاد والساخن، ومثال ذلك القوى الرجعية المرتبطة وعلى رأسها «الإخوان المسلمون» العرب!!..
فبرغم كل الأدبيات والتصريحات والاتهامات التي كان يوجهها «الإخوان المسلون» لبعض الأنظمة العربية حول تقاعسها عن «تحرير فلسطين»، واتهامها أنها أنظمة عميلة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، فؤجئ بعضنا أن هؤلاء عندما وصلوا إلى السلطة لم يخجلوا من أن ينالوا الشرعية من كيان الاحتلال ذاته، ولم تتردّد قياداتهم أن تعبّر عن هذه العلاقات الطيبة مع هذا الكيان علانية..
لقد أدرك كلّ من النظام السعودي والتركي أنه في ظل هزيمة المشروع الأميركي، وتخلي الإدارة الأميركية عنهما، وخاصة أنهما ذهبا إلى مواقع استعمال لا يمكن لهما العودة منها، كان لا بدّ لهما من البحث عن سيناريوهات اصطفافات جديدة، تتجاوز هذه الاصطفافات الجديدة خرائط أضحت معالمها واضحة، في ظل التقدم الكبير الذي يحققه مثلث: «سورية- إيران- روسيا»..
أدرك هذان النظامان أن كيان الاحتلال الإسرائيلي هو الطرف الوحيد الذي وقف إلى جانب المشروع الأميركي، وأنّه الطرف الذي لا يمكن للخرائط الصاعدة الاقتراب منه، نتيجة حسابات دولية ومعادلات لها علاقة بتركيبة العالم وليس المنطقة!!..
من هنا جاء التعويل الكبير على هذا الكيان، من هذين النظامين، وخاصة أنهما ينظران إليه على أنه «واهب الشرعية»، وهو قادر من خلال علاقاته وإمكانياته أن يسهم بمستقبل كلّ منهما، لأن شكل العلاقات السابقة لم تعد كافية، فالكيان يحتاج منهما إلى مزيد من الاقتراب والتشبيك، كي يؤدي الدور الذي شعر أنّهما بحاجة ماسة له..
لم يكن التطبيع التركي العلني مع هذا الكيان، إضافة إلى هذه الزيارات المفتوحة واللقاءات الدافئة والتصريحات الساخنة من مسؤولي «مملكة آل سعود» إلا استقواء واضحاً بهذا الكيان، لحماية هذين النظامين، أملاً بأن يحمّلهما على خارطة المنطقة التي تتشكّل الآن!!.